يـاسر الفهد
20-01-2005, 21:40
كيف يتم تحسين مهارات التفاعل الاجتماعي؟
من المهم أولا أن نقّر المراحل التي استوعبها الطفل وبعد ذلك نشجعه على استيعاب المرحلة التالية، وإذا كانت المشكلة "لماذا لا ينظر إليّ؟ أو ينظر بالقرب مني؟" فعليك بتشجيع المرحلة الأولى بالربط بين وقوع النظرة العفوية المحدقة للطفل على عينيك وبين نشاط اجتماعي آخر ممتع مثل الدغدغة المداعبة، أو التأرجح، أو الملاحقة وبالتالي فإن الأطفال سيعرفون كيف يمكنهم أن يبدأوا التفاعل كما أن هذا التفاعل يمكن أن يكون ممتعا أكثر من كونه مجرد اعتراض على مايفعلونه، ومن الضروري أن توازن بين تفاعلات عبارة "أريدك أن تفعل هذا" و عبارة "دعنا نستمتع بذلك سويا" ويجب التركيز على أن مثل هذه الأشكال للعب الاجتماعي تمثل جزء هاما من تفاعلاتك مع الطفل، وهذه سوف تشجع الطفل لأن يكون اقترابه العفوي من الناس أكثر حدوثا.
وإذا اقترب الطفل من الآخرين، فابدأ بتعليمه التحية المناسبة، ولكن كن حذرا، حيث أن أحد أنواع التحية العائلية قد تكون قبلة ولكن الطفل الذي يعاني من التوحد قد لايميّز من هو الذي يمكن أن يقبله كأن يقبل ساعي البريد الذي يحضر لتسليم رسالة مثلا. وإذا ألقى التحية بطريقة صحيحة، كيف يمكننا أن نجعله يتخلى عن توجيه سلسلة من الأسئلة تظل شكلا مهيمننا من أشكال التفاعل؟ أولا، قد يكون هذا السلوك صدى لمعظم تفاعلات المحادثات الطبيعية الصادرة من البالغين للطفل الذي يعاني من التوحد، مثل "لماذا تفعل ذلك؟" أو "ما هذا؟" والشيء المفقود في هذا السؤال هو التعليقات عن بعض النشاطات أو الموضوعات المناسبة ويمكن التشجيع على ذلك بالتأكد من أن تفاعلاتك الطبيعية تشمل العديد من التعليقات الأخرى وليس الأسئلة فقط كأن تقول له: "تلك السيارة تجري بسرعة فائقة" أو "هذا لقميص جميل" وإذا قال الطفل هذه التعليقات بعفوية قل له بعض الإجابات المناسبة وخُصّه بالإهتمام المناسب.
أوضحت عدة دراسات تجريبية أن الأنداد العاديين يمكن أن يزيدوا من ترددات التفاعلات الإجتماعية بالنسبة للأطفال المنعزلين الذين يعانون من التوحد وبالنسبة للأطفال التوحديين ذوي الكفاءة الأعلى ومنهم الطفل الذي يعاني من التوحد يجب أن يشمل تمضيته بعض الوقت مع الأطفال العاديين من نفس أعمارهم ، والوقت الذي يمضيه مع الصبيان في العقد الثاني من العمر يمكن أن يوفر ممارسات تعليمية إجتماعية إضافية.
وهذا يمكن تحقيقه في كل من فصول الدراسة ومن خلال النشاطات الترفيهية مثل الرياضة ومعسكرات الكشافة..إلخ.
والمشكلة أن المخالطة البسيطة للأطفال العاديين لن تؤدي تلقائيا على زيادة في اللعب الإجتماعي، ومن الضروري أن نتأكد بأن الطفل ليس على هامش الأحداث، وأنه يعرف قوانين اللعبة، مثلا: عندما يلمسك أحد اللاعبين تلاحق أنت شخصا آخرا، أو عندما تستلم الكرة تحولها إلى شخص آخر من فريقك، وهذا ربما أمكن تحقيقه عبر إرشاد أحد البالغين، ولكن عندما لا يكون هناك إشراف أثناء فترات الراحة فإن فرص التفاعل الإجتماعي قد تهدر إلاّ أنني قد وجدت أن تعيين مرشد أو مرشدين قد يكون مفيدا للغاية، والمشرف عضو في هيئة التدريس، لديه النضوج الفكري والإهتمام بالطفل الذي يعاني من التوحد ومتلازمة "أسبيرجر" كما يصبح شريكا لهم في اللعب ويشرح لهم كيف يلعبوا ويأتي إلى مساعدتهم عندما تتم مضايقتهم أو الاستئساد عليهم.
ومع كل فرصة فكّر كيف يمكن للنشاط أن يتضمن عاملا إجتماعيا، ومثلا عندما تتعلم الطفلة كيفية الطبخ في المدرسة يمكنها أن تُعّد وجبة ليس لنفسها فقط ولكن لطفل آخر، أو عندما يتم توزيع البسكويت يمكن للطفل أن يقدم الطبق لكل واحد من زملائه في الفصل ويناديه باسمه طالبا منه أن يأخذ قطعة من البسكويت (كما يتعلم عدم الغضب عندما يرفض أحدهم أن يأخذ قطعة من البسكويت)، وبالرغم من أن معظم التعليم يتم عن طريق الجلوس مع كل واحد على حدة، تذكّر أنه عندما يتم تعلم المهمة ينبغي تشجيع الطالب للقيام بالنشاط مع المجموعة متبادلا معهم الأدوار وربما مساعدا لطفل آخر.
هنالك عدد من الأساليب الفاعلة للتدريب على المهارات الإجتماعية والتي يتم تطويرها لأولائك الأطفال الذين يعانون من التوحد ولديهم قدرات عقلية لتعلم مهارات محددة تشمل النحت والتدريب الرياضي والقيام بالأدوار التمثيلية حيث وصف (تيم وليام) طريقة شاملة لاستخدامها مع الأطفال غير المعاقين ولديهم توحد، كما تستخدم هذه الطريقة الألعاب الترفيهية والتوجيهات المباشرة كما يجب عمله في مواقف محددة مثل "أنظر إلى عينيّ الشخص الذي تتحدث معه" كما ويمكن استخدام أساليب التغذية الاسترجاعية البسيطة.. لقد نظرت إليّ وجلست بهدوء عندما تحدثت، ويمكن استخدام أفلام الفيديو لترتيب وممارسة الحديث والمناقشة وهناك طريقة ذكية أخرى جيدة للمعلمين (Groden and Cautel) إذ أنهما شجعا كل واحد من طفلين يعانيان من التوحد أن يتخيلا موقفا اجتماعيا ويربطانه مع تخيل حادثة لطيفة، مثلا "تخيل اللعب مع طفل آخر ثم سنعطيك قطعة شوكولاتة لتأكلها" وكانت النتيجة زيادة في اللعب الإجتماعي العفوي.
بعض الأطفال يمكنهم تحقيق مهارات تفاعل إجتماعي معقد ولكنهم قد لايدركوا إرتكابهم للأخطاء، أو قد تكون لديهم حساسية مفرطة لأي نقد لقدراتهم الاجتماعية، ومثل هؤلاء الأشخاص قد يحتاجون لأن يخبرهم آباؤهم أو مدرسيهم بالأحكام المحددة للسلوك الاجتماعي، مثلا "مجرد حبك للحاسوب لا يعني أنه يمكنك الدخول إلى منزل جارك لاستخدام جهازه الجديد، خاصة إذا كان الجميع قد دخلوا غرفهم للنوم".
بالنسبة لذوي متلازمة "أسبيرجر" فقد تكون المدرسة هي المكان الوحيد للحياة الإجتماعية خارج المنزل، وقد يكون من الضروري أن تشجع بفعالية هؤلاء الأشخاص ليتابعوا نشاطات الترويح والمتعة بالانضمام إلى منظمات مثل الكشافة، والأندية المحلية للسباحة وركوب الخيل، أو مجموعات الإهتمامات الخاصة مثل هواة الرحلات بالقطارات، وهواة جمع الطوابع والنقود الأثرية أو أندية الحاسوب أو أندية مشجعي الفرق الرياضية المحلية، ولقد اكتشفت أن عضو النادي الذي يعاني من أعراض متلازمة "أسبيرجر" ليس بالضرورة أن يكون هو الشخص الوحيد ذو الأطوار الغريبة في الاجتماع.
والطفل الأكثر قدرة عقليا يبدو غير مهتم لعدم وجود أصدقاء له، ولكنه في سن المراهقة يريد فعلا أن يكون له أصدقاء حميمين، وطريقة تحسين المهارات والثقة بالنفس هي أن تكون هنالك مجموعة من المراهقين المشابهين في المدرسة المجاورة لكي يجتمعوا ويراجعوا سويا السلوك الإجتماعي السليم، وهذه المجموعات يجب أن تضم أغلبية من المراهقين العاديين، كما تكون لها طريقة للقيام بدورها في عدة مواقف متبادلة، مثل الطلب من شخص ما الرقص، وكيف يتعامل مع رفضه لهذا الطلب، أو مناقشة السيناريوهات التي لم يفهم فيها شخص ما بعض التقاليد الإجتماعية، ولقد وصفت (مارجريت ديوي) بعض السيناريوهات غير المناسبة لبعض الذين يعانون من إضطراب "أسبيرجر" مثل الشخص الذي يذهب إلى معاينة توظيف ويدرك أن شعره غير ممشط، ثم يطلب استلاف مشط من شخص غريب عنه.
توصيل المشاعر والأفكار
الأشخاص الذين يعانون من التوحد يعتبرون دنيا العواطف أرضا غريبة عنهم، وفي السنوات العشر الأخيرة كان هنالك العديد من الدراسات التي ربما تفحصت أهم عوامل السلوك الإجتماعي، وبالتحديد توصيل المشاعر والأفكار، وأشارت دراسات المشاعر أن الأنانية التلقائية تضم الفشل الوظيفي المتعلق بالمقدرة على فهم بعض العواطف والتعبير عنها، وخلال نفس الفترة المذكورة أشارت الدراسات حول قدرات الإدراك لدى الأطفال من ذوي التوحد ولديهم الأنانية التلقائية بأن هناك سوء أداء وظيفي للمقدرة على فهم ما يفكر فيه الشخص الآخر، ولقد تم اقتراح نظريتين للتعبير عن نتائج هذه الدراسات وهي (نظرية العقل) حسبما اقترحت (أتا فريت) وزملائها، التي وصفها (سيمون بارون كوهين) بالعمى العقلي، (والنظرية النسبية لكل من الإدراك المؤثر والإدراك الضعيف) بقلم (بيتر هولسون) وفي هذه المرحلة لا أزمع على مناقشة ومقارنة مزايا كل واحدة من هاتين النظريتين، ويمكن للقاريء الرجوع إلى المقال الحديث عنهما بقلم (آن وولترز)، وهنا فإنني أقترح فحص بعض النقائص المتفق عليها باعتبارها تفسر بعض أنواع السلوك، وما الذي يمكن عمله على سبيل المساعدة في فهم العواطف.
الإنطباع الأوليّ عن الأشخاص الذين يعانون من التوحد هو أنهم لا يكترثون لمشاعر الآخرين، وبالفعل فإن لديهم صعوبات في تفسير التلميحات العاطفية التي تظهر في تعابير الوجه، والإيماءات، والجلسة، ونبرة الصوت، ولهذا فإنه لا يمكن أبدا للشخص أن يتأكد بأن الشخص الذي يعاني من التوحد قد فهم تماما المشاعر التي عبّر له عنها بتعابير وجهه أو أفعاله، إلاّ أنه لا يصح القول بأنهم لا يكترثون أبدا، لأن الطفل الذي يعاني من التوحد يصبح حزينا للغاية بسبب السلوك العاطفي للآخرين، والمشكلة هي أن الطفل الذي يعاني من التوحد قد لايعرف ما تعنيه الحركات المحددة والكلمات الصادرة من الآخرين، أو كيف يتوقع منهم أن يستجيبوا، وهذه الإعاقة تظهر في مظهرها الحاد لدى الطفل التوحدي الذي يعاني من الانعزالية، وهنا فإن الطفل يكون حزينا لمجرد قربه من شخص ما، كما أنه قد يكون في أقصى درجات الطمأنينة إذا اقترب منه شخصا آخر باسلوب هاديء مع تحقيق أقل قدر ممكن من الإشباع العاطفي له، والتشبيه المناسب لهذه الحالة هو أنك ستكون مثل الشخص الذي يحاول الاقتراب من حيوان برّي مثل الظبي الذي لن يعرف هل ستكون أفعالك ودية أم مفترسة، وبالنسبة للطفل الصغير جدا والمنعزل والذي يعاني من التوحد قد يكون من المفيد الاقتراب من الطفل بنبرة هادئة وبحركات بطيئة وثابتة، وبصوت هاديء يستمر فقط لبضع ثواني، وبمجرد ما يعتاد الطفل المنعزل على مثل هذه النبرة المنخفضة والتفاعلات غير العاطفية، يمكنك أن تزيد بالتدريج من فترة التفاعل والمحتوى العاطفي.
ونحن جميعا لدينا ما يمكن تحمله من توقعاتنا للسلوك العاطفي السليم للآخرين، فمثلا إذا جاءك الجزار بطريقة غير متوقعة واحتضنك أمام متجره وطبع قبلة على جبينك لأنك اشتريت منه بعض النقانق فإن تأثير ذلك الفعل قد لايكون لطيفا بالنسبة لك، إن القدرة على فهم السلوك العاطفي للآخرين ضعيف لدى الأفراد الذين يعانون من التوحد، والتطبيق العملي لذلك أن تحملهم للسلوك العاطفي للآخرين يكون دائما في مستوى أقل بكثير مما هو معلوم، ومن المهم جدا أن تحدد لسلوكك العاطفي النغمة والمستوى الذي يفهمه الطفل ويمكنه التعامل معه، فمثلا إذا أدى الطفل أداء جيدا فإن عبارة "شكرا لك" وحدها قد تكون كافية جدا ويفرح بها الطفل، وأي ثناء استعراضي سيجعل الطفل محتارا، وقد يعبّر عن أن هذه التجربة غير سارة وفي الحالات التي قد تغضب فيها من الطفل الذي يعاني من التوحد وتعامله بعدوانية فإن صفو الطفل ومزاجه سيتعكر، وكما قالت إحدى الأمهات "إذا غضبت منه فسأكون كمن يلقي بالمزيد من البنزين على النار" وإذا أردت أن تغضب وتنفجر فاترك الطفل واذهب إلى مكان آخر (ربما إلى الحمّام وأغلق وراءك الباب) وتفوه بكل ماتريده من ألفاظ، ثم عد إلى الطفل وأنت في هدوء تام ومزاج معتدل، وفي الحالات التي تعبر فيها عن حبك للطفل قد تكتفي بتقبيله بطريقة مقتضبة أو لمسة فقط، لأن المزيد من العمق العاطفي قد يجعله يبتعد عنك وتفادى مثل هذه المواقف.
يتبع
من المهم أولا أن نقّر المراحل التي استوعبها الطفل وبعد ذلك نشجعه على استيعاب المرحلة التالية، وإذا كانت المشكلة "لماذا لا ينظر إليّ؟ أو ينظر بالقرب مني؟" فعليك بتشجيع المرحلة الأولى بالربط بين وقوع النظرة العفوية المحدقة للطفل على عينيك وبين نشاط اجتماعي آخر ممتع مثل الدغدغة المداعبة، أو التأرجح، أو الملاحقة وبالتالي فإن الأطفال سيعرفون كيف يمكنهم أن يبدأوا التفاعل كما أن هذا التفاعل يمكن أن يكون ممتعا أكثر من كونه مجرد اعتراض على مايفعلونه، ومن الضروري أن توازن بين تفاعلات عبارة "أريدك أن تفعل هذا" و عبارة "دعنا نستمتع بذلك سويا" ويجب التركيز على أن مثل هذه الأشكال للعب الاجتماعي تمثل جزء هاما من تفاعلاتك مع الطفل، وهذه سوف تشجع الطفل لأن يكون اقترابه العفوي من الناس أكثر حدوثا.
وإذا اقترب الطفل من الآخرين، فابدأ بتعليمه التحية المناسبة، ولكن كن حذرا، حيث أن أحد أنواع التحية العائلية قد تكون قبلة ولكن الطفل الذي يعاني من التوحد قد لايميّز من هو الذي يمكن أن يقبله كأن يقبل ساعي البريد الذي يحضر لتسليم رسالة مثلا. وإذا ألقى التحية بطريقة صحيحة، كيف يمكننا أن نجعله يتخلى عن توجيه سلسلة من الأسئلة تظل شكلا مهيمننا من أشكال التفاعل؟ أولا، قد يكون هذا السلوك صدى لمعظم تفاعلات المحادثات الطبيعية الصادرة من البالغين للطفل الذي يعاني من التوحد، مثل "لماذا تفعل ذلك؟" أو "ما هذا؟" والشيء المفقود في هذا السؤال هو التعليقات عن بعض النشاطات أو الموضوعات المناسبة ويمكن التشجيع على ذلك بالتأكد من أن تفاعلاتك الطبيعية تشمل العديد من التعليقات الأخرى وليس الأسئلة فقط كأن تقول له: "تلك السيارة تجري بسرعة فائقة" أو "هذا لقميص جميل" وإذا قال الطفل هذه التعليقات بعفوية قل له بعض الإجابات المناسبة وخُصّه بالإهتمام المناسب.
أوضحت عدة دراسات تجريبية أن الأنداد العاديين يمكن أن يزيدوا من ترددات التفاعلات الإجتماعية بالنسبة للأطفال المنعزلين الذين يعانون من التوحد وبالنسبة للأطفال التوحديين ذوي الكفاءة الأعلى ومنهم الطفل الذي يعاني من التوحد يجب أن يشمل تمضيته بعض الوقت مع الأطفال العاديين من نفس أعمارهم ، والوقت الذي يمضيه مع الصبيان في العقد الثاني من العمر يمكن أن يوفر ممارسات تعليمية إجتماعية إضافية.
وهذا يمكن تحقيقه في كل من فصول الدراسة ومن خلال النشاطات الترفيهية مثل الرياضة ومعسكرات الكشافة..إلخ.
والمشكلة أن المخالطة البسيطة للأطفال العاديين لن تؤدي تلقائيا على زيادة في اللعب الإجتماعي، ومن الضروري أن نتأكد بأن الطفل ليس على هامش الأحداث، وأنه يعرف قوانين اللعبة، مثلا: عندما يلمسك أحد اللاعبين تلاحق أنت شخصا آخرا، أو عندما تستلم الكرة تحولها إلى شخص آخر من فريقك، وهذا ربما أمكن تحقيقه عبر إرشاد أحد البالغين، ولكن عندما لا يكون هناك إشراف أثناء فترات الراحة فإن فرص التفاعل الإجتماعي قد تهدر إلاّ أنني قد وجدت أن تعيين مرشد أو مرشدين قد يكون مفيدا للغاية، والمشرف عضو في هيئة التدريس، لديه النضوج الفكري والإهتمام بالطفل الذي يعاني من التوحد ومتلازمة "أسبيرجر" كما يصبح شريكا لهم في اللعب ويشرح لهم كيف يلعبوا ويأتي إلى مساعدتهم عندما تتم مضايقتهم أو الاستئساد عليهم.
ومع كل فرصة فكّر كيف يمكن للنشاط أن يتضمن عاملا إجتماعيا، ومثلا عندما تتعلم الطفلة كيفية الطبخ في المدرسة يمكنها أن تُعّد وجبة ليس لنفسها فقط ولكن لطفل آخر، أو عندما يتم توزيع البسكويت يمكن للطفل أن يقدم الطبق لكل واحد من زملائه في الفصل ويناديه باسمه طالبا منه أن يأخذ قطعة من البسكويت (كما يتعلم عدم الغضب عندما يرفض أحدهم أن يأخذ قطعة من البسكويت)، وبالرغم من أن معظم التعليم يتم عن طريق الجلوس مع كل واحد على حدة، تذكّر أنه عندما يتم تعلم المهمة ينبغي تشجيع الطالب للقيام بالنشاط مع المجموعة متبادلا معهم الأدوار وربما مساعدا لطفل آخر.
هنالك عدد من الأساليب الفاعلة للتدريب على المهارات الإجتماعية والتي يتم تطويرها لأولائك الأطفال الذين يعانون من التوحد ولديهم قدرات عقلية لتعلم مهارات محددة تشمل النحت والتدريب الرياضي والقيام بالأدوار التمثيلية حيث وصف (تيم وليام) طريقة شاملة لاستخدامها مع الأطفال غير المعاقين ولديهم توحد، كما تستخدم هذه الطريقة الألعاب الترفيهية والتوجيهات المباشرة كما يجب عمله في مواقف محددة مثل "أنظر إلى عينيّ الشخص الذي تتحدث معه" كما ويمكن استخدام أساليب التغذية الاسترجاعية البسيطة.. لقد نظرت إليّ وجلست بهدوء عندما تحدثت، ويمكن استخدام أفلام الفيديو لترتيب وممارسة الحديث والمناقشة وهناك طريقة ذكية أخرى جيدة للمعلمين (Groden and Cautel) إذ أنهما شجعا كل واحد من طفلين يعانيان من التوحد أن يتخيلا موقفا اجتماعيا ويربطانه مع تخيل حادثة لطيفة، مثلا "تخيل اللعب مع طفل آخر ثم سنعطيك قطعة شوكولاتة لتأكلها" وكانت النتيجة زيادة في اللعب الإجتماعي العفوي.
بعض الأطفال يمكنهم تحقيق مهارات تفاعل إجتماعي معقد ولكنهم قد لايدركوا إرتكابهم للأخطاء، أو قد تكون لديهم حساسية مفرطة لأي نقد لقدراتهم الاجتماعية، ومثل هؤلاء الأشخاص قد يحتاجون لأن يخبرهم آباؤهم أو مدرسيهم بالأحكام المحددة للسلوك الاجتماعي، مثلا "مجرد حبك للحاسوب لا يعني أنه يمكنك الدخول إلى منزل جارك لاستخدام جهازه الجديد، خاصة إذا كان الجميع قد دخلوا غرفهم للنوم".
بالنسبة لذوي متلازمة "أسبيرجر" فقد تكون المدرسة هي المكان الوحيد للحياة الإجتماعية خارج المنزل، وقد يكون من الضروري أن تشجع بفعالية هؤلاء الأشخاص ليتابعوا نشاطات الترويح والمتعة بالانضمام إلى منظمات مثل الكشافة، والأندية المحلية للسباحة وركوب الخيل، أو مجموعات الإهتمامات الخاصة مثل هواة الرحلات بالقطارات، وهواة جمع الطوابع والنقود الأثرية أو أندية الحاسوب أو أندية مشجعي الفرق الرياضية المحلية، ولقد اكتشفت أن عضو النادي الذي يعاني من أعراض متلازمة "أسبيرجر" ليس بالضرورة أن يكون هو الشخص الوحيد ذو الأطوار الغريبة في الاجتماع.
والطفل الأكثر قدرة عقليا يبدو غير مهتم لعدم وجود أصدقاء له، ولكنه في سن المراهقة يريد فعلا أن يكون له أصدقاء حميمين، وطريقة تحسين المهارات والثقة بالنفس هي أن تكون هنالك مجموعة من المراهقين المشابهين في المدرسة المجاورة لكي يجتمعوا ويراجعوا سويا السلوك الإجتماعي السليم، وهذه المجموعات يجب أن تضم أغلبية من المراهقين العاديين، كما تكون لها طريقة للقيام بدورها في عدة مواقف متبادلة، مثل الطلب من شخص ما الرقص، وكيف يتعامل مع رفضه لهذا الطلب، أو مناقشة السيناريوهات التي لم يفهم فيها شخص ما بعض التقاليد الإجتماعية، ولقد وصفت (مارجريت ديوي) بعض السيناريوهات غير المناسبة لبعض الذين يعانون من إضطراب "أسبيرجر" مثل الشخص الذي يذهب إلى معاينة توظيف ويدرك أن شعره غير ممشط، ثم يطلب استلاف مشط من شخص غريب عنه.
توصيل المشاعر والأفكار
الأشخاص الذين يعانون من التوحد يعتبرون دنيا العواطف أرضا غريبة عنهم، وفي السنوات العشر الأخيرة كان هنالك العديد من الدراسات التي ربما تفحصت أهم عوامل السلوك الإجتماعي، وبالتحديد توصيل المشاعر والأفكار، وأشارت دراسات المشاعر أن الأنانية التلقائية تضم الفشل الوظيفي المتعلق بالمقدرة على فهم بعض العواطف والتعبير عنها، وخلال نفس الفترة المذكورة أشارت الدراسات حول قدرات الإدراك لدى الأطفال من ذوي التوحد ولديهم الأنانية التلقائية بأن هناك سوء أداء وظيفي للمقدرة على فهم ما يفكر فيه الشخص الآخر، ولقد تم اقتراح نظريتين للتعبير عن نتائج هذه الدراسات وهي (نظرية العقل) حسبما اقترحت (أتا فريت) وزملائها، التي وصفها (سيمون بارون كوهين) بالعمى العقلي، (والنظرية النسبية لكل من الإدراك المؤثر والإدراك الضعيف) بقلم (بيتر هولسون) وفي هذه المرحلة لا أزمع على مناقشة ومقارنة مزايا كل واحدة من هاتين النظريتين، ويمكن للقاريء الرجوع إلى المقال الحديث عنهما بقلم (آن وولترز)، وهنا فإنني أقترح فحص بعض النقائص المتفق عليها باعتبارها تفسر بعض أنواع السلوك، وما الذي يمكن عمله على سبيل المساعدة في فهم العواطف.
الإنطباع الأوليّ عن الأشخاص الذين يعانون من التوحد هو أنهم لا يكترثون لمشاعر الآخرين، وبالفعل فإن لديهم صعوبات في تفسير التلميحات العاطفية التي تظهر في تعابير الوجه، والإيماءات، والجلسة، ونبرة الصوت، ولهذا فإنه لا يمكن أبدا للشخص أن يتأكد بأن الشخص الذي يعاني من التوحد قد فهم تماما المشاعر التي عبّر له عنها بتعابير وجهه أو أفعاله، إلاّ أنه لا يصح القول بأنهم لا يكترثون أبدا، لأن الطفل الذي يعاني من التوحد يصبح حزينا للغاية بسبب السلوك العاطفي للآخرين، والمشكلة هي أن الطفل الذي يعاني من التوحد قد لايعرف ما تعنيه الحركات المحددة والكلمات الصادرة من الآخرين، أو كيف يتوقع منهم أن يستجيبوا، وهذه الإعاقة تظهر في مظهرها الحاد لدى الطفل التوحدي الذي يعاني من الانعزالية، وهنا فإن الطفل يكون حزينا لمجرد قربه من شخص ما، كما أنه قد يكون في أقصى درجات الطمأنينة إذا اقترب منه شخصا آخر باسلوب هاديء مع تحقيق أقل قدر ممكن من الإشباع العاطفي له، والتشبيه المناسب لهذه الحالة هو أنك ستكون مثل الشخص الذي يحاول الاقتراب من حيوان برّي مثل الظبي الذي لن يعرف هل ستكون أفعالك ودية أم مفترسة، وبالنسبة للطفل الصغير جدا والمنعزل والذي يعاني من التوحد قد يكون من المفيد الاقتراب من الطفل بنبرة هادئة وبحركات بطيئة وثابتة، وبصوت هاديء يستمر فقط لبضع ثواني، وبمجرد ما يعتاد الطفل المنعزل على مثل هذه النبرة المنخفضة والتفاعلات غير العاطفية، يمكنك أن تزيد بالتدريج من فترة التفاعل والمحتوى العاطفي.
ونحن جميعا لدينا ما يمكن تحمله من توقعاتنا للسلوك العاطفي السليم للآخرين، فمثلا إذا جاءك الجزار بطريقة غير متوقعة واحتضنك أمام متجره وطبع قبلة على جبينك لأنك اشتريت منه بعض النقانق فإن تأثير ذلك الفعل قد لايكون لطيفا بالنسبة لك، إن القدرة على فهم السلوك العاطفي للآخرين ضعيف لدى الأفراد الذين يعانون من التوحد، والتطبيق العملي لذلك أن تحملهم للسلوك العاطفي للآخرين يكون دائما في مستوى أقل بكثير مما هو معلوم، ومن المهم جدا أن تحدد لسلوكك العاطفي النغمة والمستوى الذي يفهمه الطفل ويمكنه التعامل معه، فمثلا إذا أدى الطفل أداء جيدا فإن عبارة "شكرا لك" وحدها قد تكون كافية جدا ويفرح بها الطفل، وأي ثناء استعراضي سيجعل الطفل محتارا، وقد يعبّر عن أن هذه التجربة غير سارة وفي الحالات التي قد تغضب فيها من الطفل الذي يعاني من التوحد وتعامله بعدوانية فإن صفو الطفل ومزاجه سيتعكر، وكما قالت إحدى الأمهات "إذا غضبت منه فسأكون كمن يلقي بالمزيد من البنزين على النار" وإذا أردت أن تغضب وتنفجر فاترك الطفل واذهب إلى مكان آخر (ربما إلى الحمّام وأغلق وراءك الباب) وتفوه بكل ماتريده من ألفاظ، ثم عد إلى الطفل وأنت في هدوء تام ومزاج معتدل، وفي الحالات التي تعبر فيها عن حبك للطفل قد تكتفي بتقبيله بطريقة مقتضبة أو لمسة فقط، لأن المزيد من العمق العاطفي قد يجعله يبتعد عنك وتفادى مثل هذه المواقف.
يتبع