المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجاسوس المتطوع !!.



anaconda
18-12-2004, 14:59
اجتاحت قوات البانزر خط ماجينو وهو الخط الذي كان يفصل فرنسا عن ألمانيا وبلجيكا. دخلت باريس في 14/06/1940 وبذلك أصبحت فرنسا تحت الاحتلال الألماني.

انخرط الكثير من الشباب الفرنسي في المقاومة وشكلت حكومة فرنسية في المنفى. كان مقرها في لندن وكانت برئاسة الجنرال شارل ديغول.

كانت القيادة الألمانية تعد العدة لغزو بريطانيا بحرا بالعملية سي ليون وتمهيدا لذلك قامت القاذفات الألمانية بشن سلسلة رهيبة من الغارات الجوية اليومية ليل نهار. على جنوب شرق بريطانيا وباقي الموانئ والمدن.

استمرت هذه الغارات اعتبارا من 8/8/1940 وحتى 29/10/1940 ولكن في النهاية ألغى هتلر خطة غزو بريطانيا مستبدلا ذلك بغزو روسيا في يونيو عام 1940.

أقام الألمان مجموعة مصانع في بولندا تحديدا في الشمال على بحر البلطيق. وذلك لصنع صواريخ متطورة لضرب لندن والموانئ والمدن البريطانية انطلاقا من السواحل الأوربية الغربية خاصة فرنسا وبلجيكا وهولندا وكان العمل يجري لإنشاء قواعد صواريخ على طول السواحل الأوربية المواجهة لبريطانيا.

لم يطلب أحد من ميشيل هوا رد أن يصبح جاسوسا وهو فرنسي مهندس تصميمات صناعية عمره 45 سنة ولقد عبر الحدود بين فرنسا وسويسرا عشرات المرات وهو يحمل معلومات عسكرية مهمة. وذلك لإرسالها إلى بريطانيا عن طريق سفاراتها في سويسرا واستطاع أن يحدد المطارات العسكرية النازية في فرنسا. وقواعد الغواصات وتحديد تحركات الفرق العسكرية بل وأماكن قياداتها.

هذه المرة كان يحمل سرا رهيبا. كان ذلك في صباح يوم 23/10/1943 كان يحاول التسلل عبر حدود سويسرا وكان يحمل كيسا من البطاطا وأمسك في يده فأسا صدئا وبدا كأحد القرويين في المنطقة !!.

كان قد أدخل داخل بعض حبات البطاطس خرائط وأوراقا صغيرة وروسمات لأماكن قواعد الصواريخ فلقد كانت القيادة الألمانية تخطط لضرب لندن والموانئ البريطانية بخمسين ألف صاروخ بمعدل خمسة آلاف صاروخ شهريا من الساحل الفرنسي.

أخذ ميشيل يتنقل بين الأشجار محاولا تحاشي الاصطدام بالدوريات الألمانية والكلاب المدربة وكان يعلم إنه سيتم إعدامه بعد تعذيب رهيب عند استجوابه وذلك إذا ما تم إلقاء القبض عليه !!.

وجد ميشيل نفسه أمام بعض الأسلاك الشائكة التي تبين الحدود فألقى بالكيس والفأس عبر الأسلاك وما أن هم بالمرور حتى شعر بكلابات حديدية قوية تطبق على ساقه بشدة فنظر إلى الأسفل ليرى كلبا ألمانيا ضخما مدربا يمسك بساقه بقوة وشراسة.

كان عليه أن يتصرف قبل وصول الدورية المصاحبة للكلب ولم يكن يحمل أي سلاح لأن ذلك يشير الشبهة خصوصا لو تم القبض عليه.

وجد ميشيل عصا بجانبه أخذ يدفعها بين فكي الكلب ثم إلى مجرى التنفس وأخيرا تراخت عضلات الكلب ثم سقط جثة هامدة !!.

بعد أيام من عبوره الحدود أغارت مئات القاذفات التابعة للحلفاء على قواعد إطلاق الصواريخ في فرنسا وبلجيكا كما أغارت على مصانع الصواريخ وحولتها إلى جحيم ولم يستطع الألمان سوى إطلاق 2500 صاروخ فقط. بدلا من الآلاف التي كان من المقرر إطلاقها.

كان ميشيل رجلا بسيطا. ترك عمله في هيئة أبحاث فرنسية احتجاجا على تعاونها مع الألمان.
التحق ميشيل بإحدى الشركات التي تنتج مولدات كهربائية . تعمل بالغاز المستخرج من الفحم النباتي. وهذا ما جعله يتردد على الغابات بكثرة للبحث عن أخشاب لتحويلها إلى فخم ثم بدا يجمع بعض المعلومات عن النازيين مع بعض أصدقائه الذين اسموا أنفسهم شبكة العمل كانوا خمسة تناموا حتى أصبحوا 120 شخص. اعتقل الألمان منهم عشرين شخصا وأعدموهم.

كان من أهم الأعمال التي حققتها شبكة العمل هو الكشف عن المشروع السري لإنشاء قواعد الصواريخ. بدء الأمر عندما كان يجلس مع صديق له في أحد المقاهي في مدينة روان وكان ذلك في شهر أغسطس عام 1943 . فيما سمع اثنين من الفرنسيين يعربان عن دهشتهما لكميات الأسمنت الضخمة التي يجلبها الألمان على طول الساحل الغربي الفرنسي المطل على المحيط الأطلنطي.

في اليوم التالي توجه إلى مدينة إيفتوت القريبة من الساحل وقد ارتدى زيا عماليا وأخذ يطوف في القرى والطرق الريفية حول المدينة. قادته قدماه إلى أرض واسعة يعمل فيها المئات من العمال في الحفر وصب الأسمنت والبناء !!.

أمسك ميشيل بعربة يد وحملها بالطوب وانخرط في صفوف العمال. استرعى انتباهه حفر مستطيلة طول كل منها 45 مترا بطنت جميعها بالباطون المسلح وحولها حواجز من الحبال تبين له أن الحفر طبقا لمدار الشمس تتجه نحو بريطانيا وخلال أيام وصل أمر الحفر إلى لندن.
أقلق هذا الأمر البريطانيين فطلبوا من ميشيل معرفة أمر هذه الحفر اعتقادا منهم أن الألمان يحضرون شيئا.

قام ميشيل بجولات بالدراجة وخلال ثلاثة أسابيع استطاع تحديد أماكن أكثر من 60 موقعا سريا لإطلاق الصواريخ. كانت كلها تقع في شريط طوله حوالي 300كم وعرضه حوالي 50 كم واستطاع الحصول على كر وكي يوضح أماكن هذه الحفر على ذلك الشريط.

كان هذا الكر وكي وأوراق أخرى هي المخبئة داخل حبات البطاطس !! عندما أمسكه الكلب !!.
أغارت القاذفات على المنطقة المحددة وأحالتها إلى ركام.
بسبب التعذيب الوحشي الذي تعرض له أحد زملائه أعتقل ميشيل مع ثلاثة من رجاله مات أحدهم أثناء التحقيق. ثم أفرج عن اثنين منهم بعد عدة أشهر دون البوح لشيء للألمان, برغم التعذيب الوحشي الذي تعرضوا له. وأما ميشيل فلقد أرسلوه إلى معسكر الاعتقال في نيو نجهام بألمانيا.

قرب نهاية الحرب, أغلق الألمان معسكر الاعتقال ووضعوا المعتقلين في سفن !! ثم تركوها في البحر آملين أن تقصفهم طائرات الحلفاء ولكن حظ ميشيل أن سفينة تابعة للصليب الأحمر وجدتهم في عرض البحر.

تمكن الجيش 21 بقيادة المارشال مونتجمري من اجتياح السواحل الألمانية حتى ميناء هامبورج شمالا. فجرى إنزال الأسرى من السفن لعلاجهم ورعايتهم.

قضى ميشيل أسابيع طويلة في المستشفى فاسترد صحته. أرسلت بريطانيا طائرة خاصة فنقلته من هامبورج إلى لندن !!. حيث منحوه وسام الخدمة الممتازة وهو أرفع وسام عسكري بريطاني يمنح لغير مواطنيها وحملته طائرة خاصة إلى باريس لينال وساما آخر.

من الجدير ذكره أن تلك القواعد كانت ستطلق صواريخ من نوع V-7 وهو يزن 12500 كح منها 9000 وقود. ورأس متفجر يزن 500 كح.
وكان كل ذلك الوقود سيحترق خلال دقيقة واحدة فقط. لكنه سيرفع الصاروخ لحوالي 96 كم بسرعة 5600 كم في الساعة ليسقط فوق لندن أو المكان الموجه إليه.


War Monthly Magazine
1983
George Martel