abin shail
03-11-2004, 10:10
فوائد من أحاديث الصيام
شرح:
الشيخ عبيد الله الجابري
جمع وترتيب
أم عبد الله وأم إبراهيم
الأثريتان
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعود بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمنوا اتَّقُوا الله حقَّ ثقاته ولا تمُوتُنَّ إلَّا وأنتُم مُسْلِمُونَ ﴾
﴿يا أيُّهَا النَّاس أتَّقُو ربَّكُمْ الذِي خلقكُمْ مِنْ نفس واحِدة وخلق مِنْهَا زَوْجهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رجالا كثِيًرا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الْذِي تتساءلون بهِ والأرْحام إنّ الله كانَ عليْكُمْ رقِيبَا﴾
﴿يا أيها الَّذِينَ آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ﴾
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فهدا شرح نافع إن شاء الله تعالى منقول من أشرطة الشيخ" عبيد الله الجابري" حفظه الله تعالى بتصرف يسير.
نسأل الله أن يجزي شارحها وجامعها وقارئها بخير ما يجزئ به عباده الصالحين، ويجعلها في ميزان حسناتهم أجمعين.
وان وجدت أيها القارئ خطأ أو زللا فيرجى رده إلى ناقله وجامعه لا إلى شارحه.
فجلَّ مَن لا عيب فيه وعلا
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سبيل الرشد
كتبته الفقيرتان إلي عفو ربهما
ليلة أول رمضان من سنة1423 ﻫ
بقسنطينة
بسم الله الرحمان الرحيم
المسالة الأولى : ﴿النهي عن صوم يوم الشك﴾:
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : * لا تُقَدِّموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه*. متفق عليه.
- عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: *من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم*
الشرح : يوم الشك : هو اليوم المكمل للثلاثين من شعبان .
والحافظ ابن حجر صدر كتاب الصيام بهذه المسألة لعدة فوائد:
1- النهي عن الصيام يوم الشك، والأصل في النهي التحريم، ومذهب الجمهور أن من صام يوم الشك ثم بان له بعدُ أنه من رمضان فإن صيامه غير مجزئ، بل عليه القضاء. وجاء عن ابن عمر وغيره: من تقدم رمضان بيوم أو يومين....فهدا اجتهاد منهم، ورحم الله من أخذ بمذهبهم.
والقاعدة الشرعية لا اجتهاد مع النص، فالعبرة بالنص لأنه فيه مراد الله ورسوله: وفيه التشريع، والاجتهاد ليس بمعصوم فنرجوا أن يكونوا مأجورين باجتهادهم.
2 – * إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه *.
رجل: للتغليب لا للتخصيص، إذ الرجال والنساء في هذا الباب سواء .
كان يصوم صوما: شامل لما كان نفلا كتعود الاثنين والخميس، أو فرضا كقضاء من رمضان أو نذرا أو كفارة، وهو غير أثم بصيام يوم الشك بل مأجور، وما ذلك إلا أنه لم يقتصد صيام يوم الشك.
3- في حديث عمار بن ياسر التشنيع الشديد على صائم يوم الشك، إذا وصفه بالمعصية، وهذا دليل على أنه متقرِّر عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تحريم صوم ذلك اليوم.
المسالة الثانية:)تحري الهلال صوما وفطرا(.
-عن ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
*إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، وإذا غُم عليكم فاقدروا *، وفي رواية فأكملوا العدة ثلاثين .
-صحابي قال للنبي صلي الله عليه وسلم * إني قد رأيت الهلال، فسأله النبي هل يشهد أن لا إله إلا الله وان محمد رسول الله، فقال نعم. فقال: يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدا * رواه الخمسة عن ابن عباس.
الشرح: في الحديث عدة فوائد:
-وجوب تحري الهلال صوما وفطرا: أُخذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم:*إذا رأيتموه....*.
-إذا تعذر هلال رمضان أُكمل شعبان ثلاثين يوما، وإذا تعذر هلال شوال أُكمل رمضان ثلاثين يوما.
-لا يقبل في الهلال صوما وفطرا إلا شهادة العدل، ومن أهل العلم من رأى قبول الواحد في الصوم واشترط شهادة الاثنين في الفطر، ولعل الراجح هو الأول إنشاء الله تعالى.
-وحديث ابن عباس صححه أهل العلم لصحة معناه.
المسالة الثالثة: )تبييت النية للصائم(.
عن حفصة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم :* قال من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له *.
عن عائشة رضي الله عنه قالت: *دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال هل عندكم شئ قالت لا فقال إني إذا صائم ثم أتانا يوما أخر فقالت أهدي إلينا... فقال: أرنيه فلقد أصبحت صائما فأكل * رواه مسلم.
في الحديثين فوائد:
-حديث حفصة بعمومه: وجوب تبييت النية من الليل فرضا كان أو نفلا. وهاهنا سؤال: من صام أيام معدودة كرمضان
)فرضا(او)نفلا( كست من شوال ، فهل يجدد النية كل ليلة أو يكتفي بالنية من أول ليلة؟
قولان لأهل العلم والراجح من قطع صيامه بفطر مبيح أو موجب ثم عاد بعده إلى الصيام فلا بد له من تجديد النية.
-يشكل على حديث حفصة في الظاهر حديث عائشة بعده، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه صائم حين لم يجد عند أهله طعاما وهذا دليل على أنه يبيت نية للصيام.
فيمكن الجمع بين الحديثين بحمل حديث حفصة على الفرض وحديث عائشة على التطوع.
-في الشطر الثاني من حديث عائشة ما يفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل بعد أن كان صائما، وهذا لا يكون منه إلا في التطوع، وفيه شاهد من القاعدة الفقهية ( المتطوع أمير نفسه، إلا من أحرم بحج أو عمرة تطوعا فعليه إتمامهما).
المسالة الرابعة:(تعجيل الفطر).
-عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: * لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر* متفق عليه.
-قال النبي صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل: ﴿ أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا ﴾ حديث قدسي.
الشرح:
-و تعجيل الفطر للصائم قد بينه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: * إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم*. فبان بهذا الحديث أن فطر الصائم لا يكون إلا بغروب الشمس، فمن أكل أو شرب ظانا غروب الشمس لأنها كانت محجوبة عنه بغيم أو قطر ثم تبين له بعد أن الشمس لم تغرب فعليه الإمساك حتى تغرب الشمس ولا قضاء عليه في الصحيح من الأقوال، لأنه لم يتعمد الفطر، بل ظن غروب الشمس فهذا من الخطأ الذي عفي لهذه الأمة عليه.
المسالة الخامسة:(الأمر بالسحور).
عن انس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: * تسحروا فان في السحور بركة*.
الشرح:
والسحور بالفتح هو الأكل في السحر، وهو سنة مؤكدة، وفي الحديث حكم وعلته:
الحكم: الأمر بالسحور، علته: البركة
فقوله صلى الله عليه وسلم (تسحروا)، أمر بالسحور.
وفي الحديث الآخر: * فصلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر *.
وقوله عليه السلام: *فان في السحور بركة* علة الأمر بالسحور، والبركة في السحور ما يجده الصائم في ذلك من القوة على صيامه، فكلما كان السحور قريب من الفجر كان أقوى للصائم لا سيما في الصيف الذي يطول فيه النهار.
المسالة السادسة: (على أي شيء يفطر الصائم):
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : *إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فان لم يجد فليفطر على ماء فانه طهور * رواه الخمسة وصححه الحاكم.
الشرح: في الحديث الآخر أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يفطر على رطب،فان لم يجد فعلى تمر فان لم يجد حسا حسوات من ماء.
والمقصود أن الصائم إذا غربت عليه الشمس ينبغي له أن يفطر على ما تيسر لديه.
والقصد إلى الرطب والتمر لما في ذلك من تنشيط المعدة وراحة الكبد.
المسالة السابعة: (في الصوم عن كل قول وفعل محرم).
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:*من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه* رواه البخاري وأبو داود واللفظ له.
الشرح: في الحديث دليل على أنه لا يراد من الصيام الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المباحات فحسب، بل المراد منه الإمساك أيضا عن المحرمات، ففيه زجر وتقريع فكأنه قيل له أمسكت عما أحل الله، فلماذا لا تمسك عما حرم الله ؟
المسالة الثامنة:(القبلة والمباشرة للصائم نهارا).
عن عائشة رضي الله عنه كان النبي صلي الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه، وزاد في رواية في رمضان* متفق عليه واللفظ لمسلم.
الشرح :
أفاد هذا الحديث جواز ذلك للصيام، إذا كان قادرا على كبح جماح نفسه عن الشهوة ، أما إذا كان غير قادر فلا، سدا للذريعة ودرءا للمفسدة المترتبة على ذلك، ويرشد إلى هذا قول عائشة رضي الله عنه حين أخبرت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك(ولكنه كان أملككم لإربه). تعني أنه صلى الله عليه وسلم أقدر على كبح شهوة نفسه.
المسالة التاسعة:(الحجامة للصائم نهارا).
-عن ابن عباس رضي الله عنه * أن النبي صلي الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم * رواه البخاري.
-عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان فقال
أَفطَر الحاجم والمحجوم* رواه الخمسة إلا الترمذي ، وصححه ابن حبان وأحمد وابن خزيمة.
-عن انس بن مالك رضي الله عنه قال :* أول ما كُرِهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمربه صلي الله عليه وسلم فقال أفطر هاذان* ثم رخص النبي صلي الله عليه وسلم في الحجامة للصائم وكان أنس يحتجم وهو صائم، ، رواه الدارقطني وقواه .
الشرح : في المسالة ثلاثة اوجه :
1- في حديث ابن عباس النص الصريح على أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم مرتين ، إحداهما وهو صائم والأخرى وهو محرم، ولم يصح عنه أنه احتجم صائما محرما، وفي هذا دليل على أن الحجامة للصائم في النهار غير مفطرة.
2- في حديث شداد النص صراحة على تفطير الحجامة للصائم، وهذا مستفاد من قوله عليه السلام (أفطر الحاجم والمحجوم)، وهذا يُشكِل في الظاهر على حديث ابن عباس قبله، وإلى حديث شداد ذهب الامام أحمد ومن وافقه- رحمهم الله-.
3- يفيد حديث أنس أن تفطير الحجامة للصائم كان أول الأمر ثم نسخ بعد، والشاهد لذلك منه قول أنس:* ثم رخص النبي صلي الله عليه وسلم في الحجامة للصائم*، ولفضة رخص هي إحدى الطرق التي يعرف بها النسخ، وهذا هو أرجح الأقوال إن شاء الله في الباب.
وعليه فإن الحجامة غير مفطرة للصائم، ولكنها تكره في حق من خشي الضعف علي نفسه ومن ثمة الفطر، فإنه يؤمر بالحجامة ليلا ومثل الحجامة في هذا الحكم سحب الدم للتحليل أو لإسعاف المريض والله أعلم.
المسالة العاشرة:(في الاكتحال للصائم نهارا).
عن عائشة رضي الله عنه * أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان وهو صائم * رواه ابن ماجة بإسناد ضعيف وقال الترمذي لا يصح في هذا الباب شيء.
الشرح:
حديث الباب ضعيف، وكما قال الترمذي لا يصح في الباب شيء، قلت: وعليه فان الاكتحال للصائم في النهار يبقى على البراءة الأصلية ما دام أنه لم يرد فيه الشارع إذن ولا منع: الأصل خلو الذمة من التكليف، ويعبر عنه: الأصل في العبادات الحظر إلا بنص، والأصل في المعاملات الإباحة إلا بنص.
المسالة الحادية عشر:(فيمن أصابه القيء وهو صائم).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : * من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء*، رواه الخمسة وعله احمد وقواه الدارقطني .
الشرح:
في هذا الحديث، بيان أن من أصابه القيء له حالتان:
أولا : أن يذرعه القيء يعني يصيبه دون اختياره، فإنه لا قضاء عليه في هذه الحالة.
ثانيا: أن يستقيء يعني يتسبب في القيء بإدخال أصبعه في فمه مثلا أو يعمد إلى شم الروائح الكريهة المنتنة فهذا عليه القضاء .
المسالة الثانية عشر:(في الرخصة للشيخ ونحوه).
عن ابن عباس رضي الله عليه * قال رُخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه*. رواه الدارقطني والحاكم وصححه.
الشرح:
هذا هو مذهب ابن عباس رضي الله عليه ، ويشير الحديث إلى أن فرض الصيام كان مرحلتين:
1- التخيير بين صوم رمضان مع الفدية فكانوا من شاء صام ومن شاء أفطر وفدا عن كل يوم مسكينا
2- نسخ هذا التخيير وتعيين صيام رمضان لقوله تعالى ﴿ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ﴾
وبقيت هذه الآية التي ذكرها ابن عباس رخصة في حق الشيخ الكبير والعجوز الذين يتكيلفون تاصيام ويشق عليهم أو يعجزون عنه لكبر السن، فانهم عليهم الإطعام عن كل يوم مسكينا، ومثل أولئك المريض الذي لا يرجى شفاؤه إذا كان الصيام يشق عليه.
المسالة الثالثة عشر:(فيمن أدركه الصوم من الصائمين وهو جنب).
عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من الجماع ثم يغتسل ويصوم . متفق عليه.
وزاد مسلم في حديث أم سلمة(ولا يقضي).
الشرح:
في هذا الحديث فوائد عدة .
1- صحة صيام من أدركه الصبح ولم يغتسل من الجنابة.
2- صحة الاحتجاج بأخبار الآحاد وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك في وقائع كثيرة هذا منها .
3- جواز الإخبار بالسر لا سيما ما بين الزوجين إذا ترتب على ذلك مصلحة شرعية.
تنبيه: يعكر على الحديث الباب حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( من أصبح جنبا فلا صيام له)، والجواب أن هذا الحديث منسوخ والله اعلم .
المسالة الرابعة عشر:(جواز إتيان الرجل أهله في ليلة رمضان).
عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم ).
الشرح:
هذا الحديث فيه جواز إتيان الرجل أهله في ليالي رمضان وأنه لا بأس في ذلك، مصداق ّلك في قوله تعالى :
﴿ فالان باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلو واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ﴾
ولهذا يقولون من جامع أهله أدركه الفجر وهو يجامع فان نزع حين يتنبه فلا شيء عليه، وإن استمر فإنه عليه الكفارة،لأنه تعمد ، فالذي نزع وهو مجامع (في هذا الحال) ما تنبه للصبح يظن أن الوقت باق، لكن بينما هو على هذه الحالة سمع الأذان فينبغي له أن ينزع، وإلا فسد عليه صيام ذلك اليوم، وعليه الإمساك والقضاء، وكفارة عليه.
الأمر الثاني الذي أفاده الحديث ، انه لا حرج على من أتى أهله ليلة الصيام وترك الغسل حتى يقوم للصلاة( أي حتى يسمع الأذان فيغتسل ويصلي)، وهذا الحديث في الظاهر يعارضه حديث أبي هريرة :* من أدركه الصبح وهو جنب فلا صوم له*، ولما استكشف قال حد ثنيه أسامة بن زيد، فالجواب أن حديث أبي هريرة الذي أرسله عن أسامة بن زيد منسوخ لهذا الحديث .
المسالة الخامسة عشر:(صوم من أدركه الفجر وهو جنب).
عن عائشة رضي الله عنها أن رجل جاء إلى النبي صلي الله عليه وسلم يستفتيه وهي تسمع من وراء الباب،
( فقال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنب أفا أصوم ؟ فقال رسول الله: وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم، فقال : لستَ مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال : والله إني لأرجوا أن أكون أخشاكم لله أعلمكم بما أتقي ).
الشرح :
في الحديث عدة فوائد:
1- قبول خبر الواحد وقد أجمع الصحابة علي ذلك، واستدلو به في وقائع كثيرة منها إخبار أزواج النبي صلي الله عليه وسلم عن حاله في بيوته، وهذا الخبر من العزيز إذ هو من رواية عائشة،والعزيز هو من أقسام الآحاد.
2- حرص الصحابة رضي الله عنهم على فقه السنة من نبيهم وهذا حين كان موجودا بينهم فانهم قلَّ أن يأخدوا عن غيره.
3- حرص ذلك الرجل على ما ينفعه، وذلك انه قال : (يا رسول الله أنت لست مثلنا ...وما تأخر )، وهو ليس شاكا فيما اعلمه نبيه صلي الله عليه وسلم ولاكن أراد أن يستوثق وأن يطمئن قلبه حتى يكون على بينة من أمره، ولهذا فللنبي صلي الله عليه وسلم لم يقل إنك شاك وإنما قال :(إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله...أتقي ). فذل هذا الكلام أن ما يصنعه سنة وليس أمرا خاصا به صلي الله عليه وسلم .
المسالة السادسة عشر:(في وقت السحور).
عن انس بن مالك عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما قال ( تسحرنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة قال أنس قلت لزيد كم كان بين الأذان والسحور، قال: قدر 50 آية).
الشرح :
الحديث فيه نكتة إسنادية لطيفة وهي رواية صحابي عن صحابي.
1- أفاد حديث زيد أن الاجتماع على السحور أمر مشروع، ولهذا قال تسحرنا مع رسول الله، فقد نالوا أمرين: الاجتماع، ومشاركة النبي وهذه بركة.
2- في حديث زيد تنبيه إلى انه ينبغي أن يقرب السحور من صلاة الفجر، وفي هذا حكمة وهي انه يبدأ صيامه بعد طعام وينهي سحوره في آخر الليل وهذا تنشيط وتقوية له.
فهنا قال قدر 50آية، والظاهر أنهم يقصدون القراءة المعتدلة التي ليست حدرا (هذا)ولا تمطيط فيها، وهذه لعلها تقدر بربع ساعة لأنهم رضي الله عنهم يقومون للصلاة عند الآذان أو بعيد الآذان فلا يظن ظانٌ انهم يأكلون ويشربون حتى تقام الصلاة أبدا، لان عندنا في القرآن( وكلوا وأشربوا...من الليل)،فالقول المتقرر عندهم الإمساك مع أذان الفجر لأن المؤذن عندهم يؤذن مع انبثاق الفجر وخروج الليل.
المسالة السابعة عشر:(في صفة الفجر الذي يحرم الأكل على الصائم).
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال * قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل حتى يستطيل هكذا، وحكاه حماد بيديه قال: يعني معترضا*.
الشرح:
هذه الترجمة فيها تنبيه بل الدليل الصريح على أن الفجر فجران :
-فجر لا يمنع من الأكل ولا من الشرب ، وهذا الذي بينه في قوله(لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال)، فهذا لا يمنع الصائم من شيء لا من أكل ولا من شرب ولا من جميع المفطرات، كلها مباحة له.
-فجر يمنع من الأكل و الشرب ،ويجب الإمساك معه عن جميع المفطرات وهذا هو الذي يسمى الفجر الثاني أو الفجر الصادق، وهو الأبيض المعترض في الأفق، والأول مثل ذنب السرحان(الذئب).
-وفي الحديث دليل على التأذين وقت السحر أو التأذين قبل الفجر الصادق.
المسالة الثامنة عشر:(في قوله تعالى ﴿حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ﴾).
عن سعد بن سهل رضي الله عنه قال:*لما نزلت هذه الآية(وكلوا وأشربوا...الأسود)،قال فكان الرجل إذا أراد الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأسود والخيط الأبيض، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رأيهما فأنزل الله بعد ذلك(من الفجر) فعلموا أنم يعني بذلك الليل والنهار.*
الشرح:
الآية التي نقرأ بها في مصاحفنا﴿ وكلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ﴾
وهذا الحديث يدل على أن الآية نزلت متفرقة، كما جرت حكمة الله عز وجل، وتربيته لنا بالقرآن على لسان نبيه صلي الله عليه وسلم فانه ينزل القرآن مفرقا ومنجما.
فنزل أولا(وكلوا وأشربوا...الأسود)، فقط، فعمل الصحابة على ما يعرفونه من اللغة فالله خاطبهم بلغتهم فصاروا يأكلون ويشربون حتى يروا الخيطين واحد أسود وواحد أبيض(خيطين حِسيين)، وهذا دليل على جواز العمل بالنص وفق اللغة، ولا تثريب ولا شيء عليه حتى يتبين الشارع نفسه المراد.
ثم بعد ذلك نزل قوله تعالى(من الفجر) فتوقفوا عن الخيطين وتركوهما وفهموا أن مراد الله بالخيطين هو الليل والنهار، فالخيط الأسود هو بقاء الليل والخيط الأبيض هو ظهور النهار. ولم يكن عليهم القضاء لما فعلوه قبل نزول الآية، والله له الحكمة البالغة كما له الحجة البالغة، فهو أراد أن يفعل عباده كذا ثم يفعلوا كذا، وهو صاحب الشرع لا يُسأل عن ما يفعل.
فإذا انبلج ضوء النهار بالفجر الصادق وغطى ظلام الليل أصبح الإمساك واجبا.
المسالة التاسعة عشر:(في أن بلال يؤذن بليل فكلوا وأشربوا).
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: *كان لرسول الله مؤذنان بلال وابن أم مكتوم الأعمى فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : إن بلال يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، قال فلم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا *.
الشرح:
في الحديث عدة فوائد:
1- أن الآذان الأول ليس فيه إمساك بل مجرد تنبيه، كما في بعض الروايات( حتى يستيقظ نائمكم ويعود قائمكم) أو كما قال.
2- جواز اتخاذ الأعمى مؤذنا إذا كان ضابطا للوقت، فجاء في بعض الروايات انه لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت، فلم يكن في ذلك الوقت ساعات وليس هناك مؤذن في المدينة يتبعه هذا الأعمى إلا هو فكان الناس يبتدرون المسجد وينبهونه.
والآن ولا حول ولا قوة إلا بالله ونسأل الله عز وجل أن يمن على المسلمين بفعل الخيرات ،يؤذن المؤذن ولا أحد في المسجد إلا هو.
3- وفي الحديث فضيلة من الفضائل ابن أم مكتوم رضي الله عليه إذ اتخذه النبي مؤذن مع انه أعمى .
4- الحديث يدل علي انه ليس هناك فاصل طويل بين الأذانين لان المقصود في الأذان الأول التنبيه إلى قرب الفجر، وليس المقصود منه أكلة السحر، والمقصود بالأذان الثاني دخول وقت الفجر.
المسالة العشرين:(إذا اقبل الليل وغربت الشمس أفطر الصائم).
عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال : * كان مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في سفر في شهر رمضان ، فلما غربت الشمس قال يا فلان انزل فاجدح ، قال: يا رسول الله إن عليك نهارا، قال: إنزل فاجدح لنا ، قال: فنزل فجدح فأتاه به فشرب النبي صلي الله عليه وسلم ثم قال بيده إذا غربت الشمس من ها هنا وجاء الليل من ها هنا فقد افطر الصائم*.
الشرح:
المراد بالحديث ، هو بيان الحديث الآخر( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر )، فهذا الحديث نبين لتعجيل الفطر لأنه يكون بغروب الشمس.
ثم لو بان له بعدُ أن الشمس لم تغرب فعليه الإمساك حتى تغرب الشمس ويفطر ولا قضاء عليه في الراجح من قولي أهل العلم لأنه أفطر بطريق الخطأ ليس متعمدا، والخطأ معفو عنه لهّده الأمة، وقد يسمع بعض الناس أذان ، قد يخطئ المؤذن نفسه وقد يسمع أذان في المذياع ويضنه آذان المدينة، ثم بعد أن يأكل إما أن يتفطن أو يأتيه من يفطنه ، فان كان تفطن قبل آذان بلده يمسك فورا ، وان لم يتفطن حتى يأذن مؤذن بلده فنقول لا شيء عليه لأنه لم يتبين الحال عنده حتى سمع أذان بلده.
المسالة الواحدة والعشرون:(في الصائم يدعى لطعام فيقول إني صائم).
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم:( إذا دعي أحدكم إلا طعام وهو صائم فليقل: إني صائم .).
الشرح:
الظاهر أن هذا من باب تطييب فاطر الداعي ، أحيانا يكون الداعي متكلف لمن يدعوا، فان رأى أنه يطمئن خاطره وينجذب يقول: إني صائم فكلمة إني صائم إشعار بأنه في عبادة، والعبادة تطمئن لها كثيرا من النفوس إلا المريضة ، وهذا أبلغ وأفضل واحب من قوله لا أريد أو لا أستطيع أن آكل .
لكن أحيانا لا يعذر الداعية من أتاه ويلحظ المدعو أن في رضه حرجا، وهنا يأخذ بحديث* إذا دعي أحدكم إلا طعام فليجب * هذا من ناحية، من ناحية أخري الصوم قد يكون تطوعا، وقد يكون فرضا، فان كان فرضا لا يفطر يكتفي بقوله إني صائم، وإن كان تطوعا أفطر ولعل هذا أفضل له إن شاء الله ( والمتطوع أمير نفسه إلا من أحرم بحج أو عمرة فعليه إتمامهما).
المسالة الثانية والعشرون:(في من نسي وهو صائم فأكل وشرب).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال :* من نسي وهو صائم فأكل وشرب، فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه*.
الشرح:
هذا الحديث يتضمن قاعدة عظيمة وجليلة وهي العفو: عفو الله عز وجل عن العباد فيما نسوا من المأمورات،فالمسلم مأمورا أن يكف نهار الصيام عن الأكل والشرب وجميع المفطرات، ولكن الله عفى عن هذا المسلم الذي نسي في نهار صيامه فأكل أو شرب، فان النبي ذكر له شيئين:
1- أن يتم صومه.
2- في قوله:* فإنما أطعمه الله وسقاه*، وهذه إشارة إلى أنه لا أثم عليه ولا قضاء وهذا هو التحقيق، وان كان قال بعض أهل العلم أنه يتم صيامه ويقضي، والمرفوع عنه هو فقط الإثم، أما القضاء فهو واجب، فنقول لهؤلاء العلماء-رحمهم الله- لو أراد الشارع القضاء لقال*وليقضي يوما مكانه* ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة: لو كان القضاء واجبا فالحاجة داعية إلى أن يؤمر بالقضاء، فلما لم يؤمر بالقضاء في هذا علمنا أنه لا قضاء عليه.
المسالة الثالثة والعشرون:(في من جامع يوما في رمضان).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلي الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت، قال: وما أهلكك،قال:وقعت على امرأة في رمضان وأنا صائم،وفي رواية أصبحت أهلي في رمضان، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم هل تجد من رقبة فتعتقها، قال:لا،فقال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين، قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا، قال: لا، ثم جلس فأوتي النبي صلي الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال: تصدق بهذا، فقال: أعلى أفقر منا، فما بين لابتيها أهل بيت أحوج لمن إليه منا، فضحك النبي صلي الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك* رواه السبعة واللفظ لمسلم*
الشرح:
هذا الحديث الكلام عليه من عدة أوجه.
1- إشفاق ذلك الرجل على نفسه(في بعض الروايات هو سلمة بن صخر البياضي رضي الله عنه) فانه علم أنه عصى الله عز وجل، ولهذا عبر بعبارة " هلكتْ"،لاستشعاره بأنه فعل ما أمره الله بالإمساك عنه.
2- قال( الأعرابي كما هو في بعض الروايات ) انه يضرب صدره وينتف شعره ويقول يا رسول الله هلكت وأهلكت، عصيت أهلي في نهار رمضان(عدة أوصاف). هذه الأوصاف أي وصف منها اعتبرها النبي صلي الله عليه وسلم واعتد به في وجوب الكفارة عليه؟ وصف واحد، وهذا يسميه العلماء تنقيح المناط- تهذيب العلة وتصفيتها بإلغاء ما لا يصلح من الأوصاف واعتبار الصالح فقط، فانظروا لو جاء حضري ومشى على مهله وجلس جلوسا عاديا ثم استفتي فهل تقولون له لابد أن تفعل مثلما فعل سلمة (أي الاتصاف بأوصافه ) لا.
3- في قوله: هل ،هل،هل ثلاثة أسئلة فالكفارة هل هي مغيرة أم مرتبة وما حجتكم ، نقول مرتبة والدليل ما جاء في الحديث .
4- إذا لم يجد المسلم شيئا من هذه الكفارة ( سئل عن الرقبة فلم يجدها ، عن الصيام فأخبر أنه لا يستطيع، عن الإطعام فأخبره أنه لا يجد ذلك ) نقول سقطت عنه، ولو اغتني بعد ذلك تجب عليه لأن المانع من الكفارة في جميع مراحلها الثلاثة هو عدم القدرة ماديا وجسميا، فإذا قدر لزمه بحسبه.
هل يشترط في إعطاء هذه الكفارات عدم المسيس؟
في القرآن : قال: (من قبل أن يتماسا)، وهنا أطلق فنقول : لا يشترط عدم المسيس، سواء مس امرأته أو لم يمسها لأنه لم يقع منه ظهار ولكنه عوقب بكفارة الظهار .
-سؤال: ماذا يصنع بهذا اليوم؟ فهل هو معفو عنه أوأنه يقضيه ؟
الصواب: أنه يقضيه لأنه وردت أحاديث في المعني تفيد القضاء .
-متى نقول أن العبد مفطر في رمضان ويستحق التعذيب أو العقوبة؟
ويخرج بذلك الليل: ليل رمضان، العمد، ذِكرُ صيامه أي يكون متذكرا للصيام، مختارا .
وعلي هذا فان لاشيء على الناسي والمخطأ فلو أن رجلا نام بجوار زوجه في الظهر ثم نظر إلي الساعة يظنه قبل الفجرفجامعها ليس عليه شيء، هذا مخطئ،(أو نسي كلاهما الصيام .)
-ماذا يترتب على الفطر إذا توفرت هذه الشروط؟
الإثم ، الإمساك بقية اليوم، القضاء، الكفارة.
5- في قوله صلي الله عليه وسلم ( تصدق به)، فيه دليل على معاونة صاحب الكفارة ، سواء من قبل الإمام أو من غيره ، في قوله (وأطعمهُ أهلك أو كُله ) فيه دليل على أنه مادام محتاجا لا تجب عليه الكفارة ، في هذه الحالة إلا أن يستغني .
المسالة الرابعة والعشرون:(في تأخير قضاء رمضان إلى شعبان).
عن عائشة رضي الله عنها قالت :* كان يكون علي الصوم في رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان، فالشغل من رسول الله صلي الله عليه وسلم أو برسول الله صلي الله عليه وسلم*.
الشرح :
في الحديث عدة فوائد .
1- وطء عائشة رضي الله عنها في رمضان لزوجها لَنِعمة الزوجان هما ونعمة أم المؤمنين هي ، رغمت أنوف الرافضة، هذه فضيلة من فضائلها ، ومنقبة من مناقبها : برها ووفائها لزوجها يجعلها تؤخر القضاء حتى شعبان.
2- لاشك أنه ينبغي على المسلم الذي أفطر أياما من رمضان أن يسارع ، لأن هذا دين عليه، ولا يدري متى يأتيه أجله ، ونقول أنه من الواجب الموسع والدليل أن النبي صلي الله عليه وسلم
أقر عائشة على تأخير ما أفطرته من رمضان فلو كان الواجب مضيقا لأمر النبي المسلمين الذين أفطروا في رمضان لعذر أن يصوموا مبكرا وينهاهم عن التأخير، فتعجيل قضاء رمضان أمر مستحب ومرغوب فيه ومندوب إليه، وكلما قدمه المسلم كان خير وأفضل له ، ولاكن لا تثريب لمن أخره لكثرة مشاكل أو أمور أو أمراض كما جاء في الحديث .
هل يجوز تأخير قضاء رمضان إلى ما بعد رمضان الآخر ؟
كما قدمت لكم الأولى عدم ذلك ، ألا يؤخر عن شعبان، لكن لو أن مسلما أو مسلمة أخر قضاء رمضان حتى يدركه رمضان الآخر ، فأهل العلم متفقون على وجوب القضاء ، والجمهور قالوا : إن كان بعذر فلا شيء عليه، مثل امرأة أدركها الحمل وهي لا تستطيع أن تقضي ، أو رجل أعاقته أمراض أو أسقام عن القضاء .
أما إذا كان مفرطا فان عليه القضاء مع الكفارة: يطعم عن كل يوم مسكينا ، وحجتهم أن عائشة أخرت إلى شعبان ولم يمكنها التأخير إلى ذلك، وقالت طائفة: ليس عليه كفارة وإنما عليه القضاء فقط ، وهذا الراجح عندي وأسمعوا الأدلة:
1- حديث الباب ليس فيه إلا إقرار النبي لعائشة على تأخير القضاء لما فاتها من رمضان إلى شعبان ، وأما ما بعد ذلك فهو مسكوت عنه لم يرض فيه أمر ولا نهي وان كان أفتى به بعض الصحابة.
2- أن الشارع أطلق في قوله تعالى :( فمن كان منكم مريضا أو علي سفر فعدة من أيام أخر )، ولم يقيد هذه العدة بل أطلقها والأصل أن ما أطلقه الشارع يبقى على إطلاقه حتى يأتي دليل يقيده الشارع نفسه .
شرح:
الشيخ عبيد الله الجابري
جمع وترتيب
أم عبد الله وأم إبراهيم
الأثريتان
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعود بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمنوا اتَّقُوا الله حقَّ ثقاته ولا تمُوتُنَّ إلَّا وأنتُم مُسْلِمُونَ ﴾
﴿يا أيُّهَا النَّاس أتَّقُو ربَّكُمْ الذِي خلقكُمْ مِنْ نفس واحِدة وخلق مِنْهَا زَوْجهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رجالا كثِيًرا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الْذِي تتساءلون بهِ والأرْحام إنّ الله كانَ عليْكُمْ رقِيبَا﴾
﴿يا أيها الَّذِينَ آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ﴾
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فهدا شرح نافع إن شاء الله تعالى منقول من أشرطة الشيخ" عبيد الله الجابري" حفظه الله تعالى بتصرف يسير.
نسأل الله أن يجزي شارحها وجامعها وقارئها بخير ما يجزئ به عباده الصالحين، ويجعلها في ميزان حسناتهم أجمعين.
وان وجدت أيها القارئ خطأ أو زللا فيرجى رده إلى ناقله وجامعه لا إلى شارحه.
فجلَّ مَن لا عيب فيه وعلا
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سبيل الرشد
كتبته الفقيرتان إلي عفو ربهما
ليلة أول رمضان من سنة1423 ﻫ
بقسنطينة
بسم الله الرحمان الرحيم
المسالة الأولى : ﴿النهي عن صوم يوم الشك﴾:
عن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : * لا تُقَدِّموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه*. متفق عليه.
- عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: *من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم*
الشرح : يوم الشك : هو اليوم المكمل للثلاثين من شعبان .
والحافظ ابن حجر صدر كتاب الصيام بهذه المسألة لعدة فوائد:
1- النهي عن الصيام يوم الشك، والأصل في النهي التحريم، ومذهب الجمهور أن من صام يوم الشك ثم بان له بعدُ أنه من رمضان فإن صيامه غير مجزئ، بل عليه القضاء. وجاء عن ابن عمر وغيره: من تقدم رمضان بيوم أو يومين....فهدا اجتهاد منهم، ورحم الله من أخذ بمذهبهم.
والقاعدة الشرعية لا اجتهاد مع النص، فالعبرة بالنص لأنه فيه مراد الله ورسوله: وفيه التشريع، والاجتهاد ليس بمعصوم فنرجوا أن يكونوا مأجورين باجتهادهم.
2 – * إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه *.
رجل: للتغليب لا للتخصيص، إذ الرجال والنساء في هذا الباب سواء .
كان يصوم صوما: شامل لما كان نفلا كتعود الاثنين والخميس، أو فرضا كقضاء من رمضان أو نذرا أو كفارة، وهو غير أثم بصيام يوم الشك بل مأجور، وما ذلك إلا أنه لم يقتصد صيام يوم الشك.
3- في حديث عمار بن ياسر التشنيع الشديد على صائم يوم الشك، إذا وصفه بالمعصية، وهذا دليل على أنه متقرِّر عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تحريم صوم ذلك اليوم.
المسالة الثانية:)تحري الهلال صوما وفطرا(.
-عن ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
*إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، وإذا غُم عليكم فاقدروا *، وفي رواية فأكملوا العدة ثلاثين .
-صحابي قال للنبي صلي الله عليه وسلم * إني قد رأيت الهلال، فسأله النبي هل يشهد أن لا إله إلا الله وان محمد رسول الله، فقال نعم. فقال: يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدا * رواه الخمسة عن ابن عباس.
الشرح: في الحديث عدة فوائد:
-وجوب تحري الهلال صوما وفطرا: أُخذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم:*إذا رأيتموه....*.
-إذا تعذر هلال رمضان أُكمل شعبان ثلاثين يوما، وإذا تعذر هلال شوال أُكمل رمضان ثلاثين يوما.
-لا يقبل في الهلال صوما وفطرا إلا شهادة العدل، ومن أهل العلم من رأى قبول الواحد في الصوم واشترط شهادة الاثنين في الفطر، ولعل الراجح هو الأول إنشاء الله تعالى.
-وحديث ابن عباس صححه أهل العلم لصحة معناه.
المسالة الثالثة: )تبييت النية للصائم(.
عن حفصة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم :* قال من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له *.
عن عائشة رضي الله عنه قالت: *دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال هل عندكم شئ قالت لا فقال إني إذا صائم ثم أتانا يوما أخر فقالت أهدي إلينا... فقال: أرنيه فلقد أصبحت صائما فأكل * رواه مسلم.
في الحديثين فوائد:
-حديث حفصة بعمومه: وجوب تبييت النية من الليل فرضا كان أو نفلا. وهاهنا سؤال: من صام أيام معدودة كرمضان
)فرضا(او)نفلا( كست من شوال ، فهل يجدد النية كل ليلة أو يكتفي بالنية من أول ليلة؟
قولان لأهل العلم والراجح من قطع صيامه بفطر مبيح أو موجب ثم عاد بعده إلى الصيام فلا بد له من تجديد النية.
-يشكل على حديث حفصة في الظاهر حديث عائشة بعده، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه صائم حين لم يجد عند أهله طعاما وهذا دليل على أنه يبيت نية للصيام.
فيمكن الجمع بين الحديثين بحمل حديث حفصة على الفرض وحديث عائشة على التطوع.
-في الشطر الثاني من حديث عائشة ما يفيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل بعد أن كان صائما، وهذا لا يكون منه إلا في التطوع، وفيه شاهد من القاعدة الفقهية ( المتطوع أمير نفسه، إلا من أحرم بحج أو عمرة تطوعا فعليه إتمامهما).
المسالة الرابعة:(تعجيل الفطر).
-عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: * لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر* متفق عليه.
-قال النبي صلى الله عليه وسلم : قال الله عز وجل: ﴿ أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا ﴾ حديث قدسي.
الشرح:
-و تعجيل الفطر للصائم قد بينه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: * إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم*. فبان بهذا الحديث أن فطر الصائم لا يكون إلا بغروب الشمس، فمن أكل أو شرب ظانا غروب الشمس لأنها كانت محجوبة عنه بغيم أو قطر ثم تبين له بعد أن الشمس لم تغرب فعليه الإمساك حتى تغرب الشمس ولا قضاء عليه في الصحيح من الأقوال، لأنه لم يتعمد الفطر، بل ظن غروب الشمس فهذا من الخطأ الذي عفي لهذه الأمة عليه.
المسالة الخامسة:(الأمر بالسحور).
عن انس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: * تسحروا فان في السحور بركة*.
الشرح:
والسحور بالفتح هو الأكل في السحر، وهو سنة مؤكدة، وفي الحديث حكم وعلته:
الحكم: الأمر بالسحور، علته: البركة
فقوله صلى الله عليه وسلم (تسحروا)، أمر بالسحور.
وفي الحديث الآخر: * فصلُ ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر *.
وقوله عليه السلام: *فان في السحور بركة* علة الأمر بالسحور، والبركة في السحور ما يجده الصائم في ذلك من القوة على صيامه، فكلما كان السحور قريب من الفجر كان أقوى للصائم لا سيما في الصيف الذي يطول فيه النهار.
المسالة السادسة: (على أي شيء يفطر الصائم):
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : *إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فان لم يجد فليفطر على ماء فانه طهور * رواه الخمسة وصححه الحاكم.
الشرح: في الحديث الآخر أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يفطر على رطب،فان لم يجد فعلى تمر فان لم يجد حسا حسوات من ماء.
والمقصود أن الصائم إذا غربت عليه الشمس ينبغي له أن يفطر على ما تيسر لديه.
والقصد إلى الرطب والتمر لما في ذلك من تنشيط المعدة وراحة الكبد.
المسالة السابعة: (في الصوم عن كل قول وفعل محرم).
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:*من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه* رواه البخاري وأبو داود واللفظ له.
الشرح: في الحديث دليل على أنه لا يراد من الصيام الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المباحات فحسب، بل المراد منه الإمساك أيضا عن المحرمات، ففيه زجر وتقريع فكأنه قيل له أمسكت عما أحل الله، فلماذا لا تمسك عما حرم الله ؟
المسالة الثامنة:(القبلة والمباشرة للصائم نهارا).
عن عائشة رضي الله عنه كان النبي صلي الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه، وزاد في رواية في رمضان* متفق عليه واللفظ لمسلم.
الشرح :
أفاد هذا الحديث جواز ذلك للصيام، إذا كان قادرا على كبح جماح نفسه عن الشهوة ، أما إذا كان غير قادر فلا، سدا للذريعة ودرءا للمفسدة المترتبة على ذلك، ويرشد إلى هذا قول عائشة رضي الله عنه حين أخبرت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك(ولكنه كان أملككم لإربه). تعني أنه صلى الله عليه وسلم أقدر على كبح شهوة نفسه.
المسالة التاسعة:(الحجامة للصائم نهارا).
-عن ابن عباس رضي الله عنه * أن النبي صلي الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم * رواه البخاري.
-عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم أتى على رجل بالبقيع وهو يحتجم في رمضان فقال
أَفطَر الحاجم والمحجوم* رواه الخمسة إلا الترمذي ، وصححه ابن حبان وأحمد وابن خزيمة.
-عن انس بن مالك رضي الله عنه قال :* أول ما كُرِهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمربه صلي الله عليه وسلم فقال أفطر هاذان* ثم رخص النبي صلي الله عليه وسلم في الحجامة للصائم وكان أنس يحتجم وهو صائم، ، رواه الدارقطني وقواه .
الشرح : في المسالة ثلاثة اوجه :
1- في حديث ابن عباس النص الصريح على أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم مرتين ، إحداهما وهو صائم والأخرى وهو محرم، ولم يصح عنه أنه احتجم صائما محرما، وفي هذا دليل على أن الحجامة للصائم في النهار غير مفطرة.
2- في حديث شداد النص صراحة على تفطير الحجامة للصائم، وهذا مستفاد من قوله عليه السلام (أفطر الحاجم والمحجوم)، وهذا يُشكِل في الظاهر على حديث ابن عباس قبله، وإلى حديث شداد ذهب الامام أحمد ومن وافقه- رحمهم الله-.
3- يفيد حديث أنس أن تفطير الحجامة للصائم كان أول الأمر ثم نسخ بعد، والشاهد لذلك منه قول أنس:* ثم رخص النبي صلي الله عليه وسلم في الحجامة للصائم*، ولفضة رخص هي إحدى الطرق التي يعرف بها النسخ، وهذا هو أرجح الأقوال إن شاء الله في الباب.
وعليه فإن الحجامة غير مفطرة للصائم، ولكنها تكره في حق من خشي الضعف علي نفسه ومن ثمة الفطر، فإنه يؤمر بالحجامة ليلا ومثل الحجامة في هذا الحكم سحب الدم للتحليل أو لإسعاف المريض والله أعلم.
المسالة العاشرة:(في الاكتحال للصائم نهارا).
عن عائشة رضي الله عنه * أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتحل في رمضان وهو صائم * رواه ابن ماجة بإسناد ضعيف وقال الترمذي لا يصح في هذا الباب شيء.
الشرح:
حديث الباب ضعيف، وكما قال الترمذي لا يصح في الباب شيء، قلت: وعليه فان الاكتحال للصائم في النهار يبقى على البراءة الأصلية ما دام أنه لم يرد فيه الشارع إذن ولا منع: الأصل خلو الذمة من التكليف، ويعبر عنه: الأصل في العبادات الحظر إلا بنص، والأصل في المعاملات الإباحة إلا بنص.
المسالة الحادية عشر:(فيمن أصابه القيء وهو صائم).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : * من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء*، رواه الخمسة وعله احمد وقواه الدارقطني .
الشرح:
في هذا الحديث، بيان أن من أصابه القيء له حالتان:
أولا : أن يذرعه القيء يعني يصيبه دون اختياره، فإنه لا قضاء عليه في هذه الحالة.
ثانيا: أن يستقيء يعني يتسبب في القيء بإدخال أصبعه في فمه مثلا أو يعمد إلى شم الروائح الكريهة المنتنة فهذا عليه القضاء .
المسالة الثانية عشر:(في الرخصة للشيخ ونحوه).
عن ابن عباس رضي الله عليه * قال رُخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه*. رواه الدارقطني والحاكم وصححه.
الشرح:
هذا هو مذهب ابن عباس رضي الله عليه ، ويشير الحديث إلى أن فرض الصيام كان مرحلتين:
1- التخيير بين صوم رمضان مع الفدية فكانوا من شاء صام ومن شاء أفطر وفدا عن كل يوم مسكينا
2- نسخ هذا التخيير وتعيين صيام رمضان لقوله تعالى ﴿ فمن شهد منكم الشهر فليصمه ﴾
وبقيت هذه الآية التي ذكرها ابن عباس رخصة في حق الشيخ الكبير والعجوز الذين يتكيلفون تاصيام ويشق عليهم أو يعجزون عنه لكبر السن، فانهم عليهم الإطعام عن كل يوم مسكينا، ومثل أولئك المريض الذي لا يرجى شفاؤه إذا كان الصيام يشق عليه.
المسالة الثالثة عشر:(فيمن أدركه الصوم من الصائمين وهو جنب).
عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من الجماع ثم يغتسل ويصوم . متفق عليه.
وزاد مسلم في حديث أم سلمة(ولا يقضي).
الشرح:
في هذا الحديث فوائد عدة .
1- صحة صيام من أدركه الصبح ولم يغتسل من الجنابة.
2- صحة الاحتجاج بأخبار الآحاد وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك في وقائع كثيرة هذا منها .
3- جواز الإخبار بالسر لا سيما ما بين الزوجين إذا ترتب على ذلك مصلحة شرعية.
تنبيه: يعكر على الحديث الباب حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( من أصبح جنبا فلا صيام له)، والجواب أن هذا الحديث منسوخ والله اعلم .
المسالة الرابعة عشر:(جواز إتيان الرجل أهله في ليلة رمضان).
عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم ).
الشرح:
هذا الحديث فيه جواز إتيان الرجل أهله في ليالي رمضان وأنه لا بأس في ذلك، مصداق ّلك في قوله تعالى :
﴿ فالان باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلو واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ﴾
ولهذا يقولون من جامع أهله أدركه الفجر وهو يجامع فان نزع حين يتنبه فلا شيء عليه، وإن استمر فإنه عليه الكفارة،لأنه تعمد ، فالذي نزع وهو مجامع (في هذا الحال) ما تنبه للصبح يظن أن الوقت باق، لكن بينما هو على هذه الحالة سمع الأذان فينبغي له أن ينزع، وإلا فسد عليه صيام ذلك اليوم، وعليه الإمساك والقضاء، وكفارة عليه.
الأمر الثاني الذي أفاده الحديث ، انه لا حرج على من أتى أهله ليلة الصيام وترك الغسل حتى يقوم للصلاة( أي حتى يسمع الأذان فيغتسل ويصلي)، وهذا الحديث في الظاهر يعارضه حديث أبي هريرة :* من أدركه الصبح وهو جنب فلا صوم له*، ولما استكشف قال حد ثنيه أسامة بن زيد، فالجواب أن حديث أبي هريرة الذي أرسله عن أسامة بن زيد منسوخ لهذا الحديث .
المسالة الخامسة عشر:(صوم من أدركه الفجر وهو جنب).
عن عائشة رضي الله عنها أن رجل جاء إلى النبي صلي الله عليه وسلم يستفتيه وهي تسمع من وراء الباب،
( فقال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنب أفا أصوم ؟ فقال رسول الله: وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم، فقال : لستَ مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال : والله إني لأرجوا أن أكون أخشاكم لله أعلمكم بما أتقي ).
الشرح :
في الحديث عدة فوائد:
1- قبول خبر الواحد وقد أجمع الصحابة علي ذلك، واستدلو به في وقائع كثيرة منها إخبار أزواج النبي صلي الله عليه وسلم عن حاله في بيوته، وهذا الخبر من العزيز إذ هو من رواية عائشة،والعزيز هو من أقسام الآحاد.
2- حرص الصحابة رضي الله عنهم على فقه السنة من نبيهم وهذا حين كان موجودا بينهم فانهم قلَّ أن يأخدوا عن غيره.
3- حرص ذلك الرجل على ما ينفعه، وذلك انه قال : (يا رسول الله أنت لست مثلنا ...وما تأخر )، وهو ليس شاكا فيما اعلمه نبيه صلي الله عليه وسلم ولاكن أراد أن يستوثق وأن يطمئن قلبه حتى يكون على بينة من أمره، ولهذا فللنبي صلي الله عليه وسلم لم يقل إنك شاك وإنما قال :(إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله...أتقي ). فذل هذا الكلام أن ما يصنعه سنة وليس أمرا خاصا به صلي الله عليه وسلم .
المسالة السادسة عشر:(في وقت السحور).
عن انس بن مالك عن زيد بن ثابت رضي الله عنهما قال ( تسحرنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة قال أنس قلت لزيد كم كان بين الأذان والسحور، قال: قدر 50 آية).
الشرح :
الحديث فيه نكتة إسنادية لطيفة وهي رواية صحابي عن صحابي.
1- أفاد حديث زيد أن الاجتماع على السحور أمر مشروع، ولهذا قال تسحرنا مع رسول الله، فقد نالوا أمرين: الاجتماع، ومشاركة النبي وهذه بركة.
2- في حديث زيد تنبيه إلى انه ينبغي أن يقرب السحور من صلاة الفجر، وفي هذا حكمة وهي انه يبدأ صيامه بعد طعام وينهي سحوره في آخر الليل وهذا تنشيط وتقوية له.
فهنا قال قدر 50آية، والظاهر أنهم يقصدون القراءة المعتدلة التي ليست حدرا (هذا)ولا تمطيط فيها، وهذه لعلها تقدر بربع ساعة لأنهم رضي الله عنهم يقومون للصلاة عند الآذان أو بعيد الآذان فلا يظن ظانٌ انهم يأكلون ويشربون حتى تقام الصلاة أبدا، لان عندنا في القرآن( وكلوا وأشربوا...من الليل)،فالقول المتقرر عندهم الإمساك مع أذان الفجر لأن المؤذن عندهم يؤذن مع انبثاق الفجر وخروج الليل.
المسالة السابعة عشر:(في صفة الفجر الذي يحرم الأكل على الصائم).
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال * قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل حتى يستطيل هكذا، وحكاه حماد بيديه قال: يعني معترضا*.
الشرح:
هذه الترجمة فيها تنبيه بل الدليل الصريح على أن الفجر فجران :
-فجر لا يمنع من الأكل ولا من الشرب ، وهذا الذي بينه في قوله(لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال)، فهذا لا يمنع الصائم من شيء لا من أكل ولا من شرب ولا من جميع المفطرات، كلها مباحة له.
-فجر يمنع من الأكل و الشرب ،ويجب الإمساك معه عن جميع المفطرات وهذا هو الذي يسمى الفجر الثاني أو الفجر الصادق، وهو الأبيض المعترض في الأفق، والأول مثل ذنب السرحان(الذئب).
-وفي الحديث دليل على التأذين وقت السحر أو التأذين قبل الفجر الصادق.
المسالة الثامنة عشر:(في قوله تعالى ﴿حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ﴾).
عن سعد بن سهل رضي الله عنه قال:*لما نزلت هذه الآية(وكلوا وأشربوا...الأسود)،قال فكان الرجل إذا أراد الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأسود والخيط الأبيض، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رأيهما فأنزل الله بعد ذلك(من الفجر) فعلموا أنم يعني بذلك الليل والنهار.*
الشرح:
الآية التي نقرأ بها في مصاحفنا﴿ وكلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ﴾
وهذا الحديث يدل على أن الآية نزلت متفرقة، كما جرت حكمة الله عز وجل، وتربيته لنا بالقرآن على لسان نبيه صلي الله عليه وسلم فانه ينزل القرآن مفرقا ومنجما.
فنزل أولا(وكلوا وأشربوا...الأسود)، فقط، فعمل الصحابة على ما يعرفونه من اللغة فالله خاطبهم بلغتهم فصاروا يأكلون ويشربون حتى يروا الخيطين واحد أسود وواحد أبيض(خيطين حِسيين)، وهذا دليل على جواز العمل بالنص وفق اللغة، ولا تثريب ولا شيء عليه حتى يتبين الشارع نفسه المراد.
ثم بعد ذلك نزل قوله تعالى(من الفجر) فتوقفوا عن الخيطين وتركوهما وفهموا أن مراد الله بالخيطين هو الليل والنهار، فالخيط الأسود هو بقاء الليل والخيط الأبيض هو ظهور النهار. ولم يكن عليهم القضاء لما فعلوه قبل نزول الآية، والله له الحكمة البالغة كما له الحجة البالغة، فهو أراد أن يفعل عباده كذا ثم يفعلوا كذا، وهو صاحب الشرع لا يُسأل عن ما يفعل.
فإذا انبلج ضوء النهار بالفجر الصادق وغطى ظلام الليل أصبح الإمساك واجبا.
المسالة التاسعة عشر:(في أن بلال يؤذن بليل فكلوا وأشربوا).
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: *كان لرسول الله مؤذنان بلال وابن أم مكتوم الأعمى فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : إن بلال يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، قال فلم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا *.
الشرح:
في الحديث عدة فوائد:
1- أن الآذان الأول ليس فيه إمساك بل مجرد تنبيه، كما في بعض الروايات( حتى يستيقظ نائمكم ويعود قائمكم) أو كما قال.
2- جواز اتخاذ الأعمى مؤذنا إذا كان ضابطا للوقت، فجاء في بعض الروايات انه لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت، فلم يكن في ذلك الوقت ساعات وليس هناك مؤذن في المدينة يتبعه هذا الأعمى إلا هو فكان الناس يبتدرون المسجد وينبهونه.
والآن ولا حول ولا قوة إلا بالله ونسأل الله عز وجل أن يمن على المسلمين بفعل الخيرات ،يؤذن المؤذن ولا أحد في المسجد إلا هو.
3- وفي الحديث فضيلة من الفضائل ابن أم مكتوم رضي الله عليه إذ اتخذه النبي مؤذن مع انه أعمى .
4- الحديث يدل علي انه ليس هناك فاصل طويل بين الأذانين لان المقصود في الأذان الأول التنبيه إلى قرب الفجر، وليس المقصود منه أكلة السحر، والمقصود بالأذان الثاني دخول وقت الفجر.
المسالة العشرين:(إذا اقبل الليل وغربت الشمس أفطر الصائم).
عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال : * كان مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في سفر في شهر رمضان ، فلما غربت الشمس قال يا فلان انزل فاجدح ، قال: يا رسول الله إن عليك نهارا، قال: إنزل فاجدح لنا ، قال: فنزل فجدح فأتاه به فشرب النبي صلي الله عليه وسلم ثم قال بيده إذا غربت الشمس من ها هنا وجاء الليل من ها هنا فقد افطر الصائم*.
الشرح:
المراد بالحديث ، هو بيان الحديث الآخر( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر )، فهذا الحديث نبين لتعجيل الفطر لأنه يكون بغروب الشمس.
ثم لو بان له بعدُ أن الشمس لم تغرب فعليه الإمساك حتى تغرب الشمس ويفطر ولا قضاء عليه في الراجح من قولي أهل العلم لأنه أفطر بطريق الخطأ ليس متعمدا، والخطأ معفو عنه لهّده الأمة، وقد يسمع بعض الناس أذان ، قد يخطئ المؤذن نفسه وقد يسمع أذان في المذياع ويضنه آذان المدينة، ثم بعد أن يأكل إما أن يتفطن أو يأتيه من يفطنه ، فان كان تفطن قبل آذان بلده يمسك فورا ، وان لم يتفطن حتى يأذن مؤذن بلده فنقول لا شيء عليه لأنه لم يتبين الحال عنده حتى سمع أذان بلده.
المسالة الواحدة والعشرون:(في الصائم يدعى لطعام فيقول إني صائم).
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم:( إذا دعي أحدكم إلا طعام وهو صائم فليقل: إني صائم .).
الشرح:
الظاهر أن هذا من باب تطييب فاطر الداعي ، أحيانا يكون الداعي متكلف لمن يدعوا، فان رأى أنه يطمئن خاطره وينجذب يقول: إني صائم فكلمة إني صائم إشعار بأنه في عبادة، والعبادة تطمئن لها كثيرا من النفوس إلا المريضة ، وهذا أبلغ وأفضل واحب من قوله لا أريد أو لا أستطيع أن آكل .
لكن أحيانا لا يعذر الداعية من أتاه ويلحظ المدعو أن في رضه حرجا، وهنا يأخذ بحديث* إذا دعي أحدكم إلا طعام فليجب * هذا من ناحية، من ناحية أخري الصوم قد يكون تطوعا، وقد يكون فرضا، فان كان فرضا لا يفطر يكتفي بقوله إني صائم، وإن كان تطوعا أفطر ولعل هذا أفضل له إن شاء الله ( والمتطوع أمير نفسه إلا من أحرم بحج أو عمرة فعليه إتمامهما).
المسالة الثانية والعشرون:(في من نسي وهو صائم فأكل وشرب).
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال :* من نسي وهو صائم فأكل وشرب، فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه*.
الشرح:
هذا الحديث يتضمن قاعدة عظيمة وجليلة وهي العفو: عفو الله عز وجل عن العباد فيما نسوا من المأمورات،فالمسلم مأمورا أن يكف نهار الصيام عن الأكل والشرب وجميع المفطرات، ولكن الله عفى عن هذا المسلم الذي نسي في نهار صيامه فأكل أو شرب، فان النبي ذكر له شيئين:
1- أن يتم صومه.
2- في قوله:* فإنما أطعمه الله وسقاه*، وهذه إشارة إلى أنه لا أثم عليه ولا قضاء وهذا هو التحقيق، وان كان قال بعض أهل العلم أنه يتم صيامه ويقضي، والمرفوع عنه هو فقط الإثم، أما القضاء فهو واجب، فنقول لهؤلاء العلماء-رحمهم الله- لو أراد الشارع القضاء لقال*وليقضي يوما مكانه* ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة: لو كان القضاء واجبا فالحاجة داعية إلى أن يؤمر بالقضاء، فلما لم يؤمر بالقضاء في هذا علمنا أنه لا قضاء عليه.
المسالة الثالثة والعشرون:(في من جامع يوما في رمضان).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي صلي الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت، قال: وما أهلكك،قال:وقعت على امرأة في رمضان وأنا صائم،وفي رواية أصبحت أهلي في رمضان، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم هل تجد من رقبة فتعتقها، قال:لا،فقال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين، قال: لا، قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا، قال: لا، ثم جلس فأوتي النبي صلي الله عليه وسلم بعرق فيه تمر فقال: تصدق بهذا، فقال: أعلى أفقر منا، فما بين لابتيها أهل بيت أحوج لمن إليه منا، فضحك النبي صلي الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: اذهب فأطعمه أهلك* رواه السبعة واللفظ لمسلم*
الشرح:
هذا الحديث الكلام عليه من عدة أوجه.
1- إشفاق ذلك الرجل على نفسه(في بعض الروايات هو سلمة بن صخر البياضي رضي الله عنه) فانه علم أنه عصى الله عز وجل، ولهذا عبر بعبارة " هلكتْ"،لاستشعاره بأنه فعل ما أمره الله بالإمساك عنه.
2- قال( الأعرابي كما هو في بعض الروايات ) انه يضرب صدره وينتف شعره ويقول يا رسول الله هلكت وأهلكت، عصيت أهلي في نهار رمضان(عدة أوصاف). هذه الأوصاف أي وصف منها اعتبرها النبي صلي الله عليه وسلم واعتد به في وجوب الكفارة عليه؟ وصف واحد، وهذا يسميه العلماء تنقيح المناط- تهذيب العلة وتصفيتها بإلغاء ما لا يصلح من الأوصاف واعتبار الصالح فقط، فانظروا لو جاء حضري ومشى على مهله وجلس جلوسا عاديا ثم استفتي فهل تقولون له لابد أن تفعل مثلما فعل سلمة (أي الاتصاف بأوصافه ) لا.
3- في قوله: هل ،هل،هل ثلاثة أسئلة فالكفارة هل هي مغيرة أم مرتبة وما حجتكم ، نقول مرتبة والدليل ما جاء في الحديث .
4- إذا لم يجد المسلم شيئا من هذه الكفارة ( سئل عن الرقبة فلم يجدها ، عن الصيام فأخبر أنه لا يستطيع، عن الإطعام فأخبره أنه لا يجد ذلك ) نقول سقطت عنه، ولو اغتني بعد ذلك تجب عليه لأن المانع من الكفارة في جميع مراحلها الثلاثة هو عدم القدرة ماديا وجسميا، فإذا قدر لزمه بحسبه.
هل يشترط في إعطاء هذه الكفارات عدم المسيس؟
في القرآن : قال: (من قبل أن يتماسا)، وهنا أطلق فنقول : لا يشترط عدم المسيس، سواء مس امرأته أو لم يمسها لأنه لم يقع منه ظهار ولكنه عوقب بكفارة الظهار .
-سؤال: ماذا يصنع بهذا اليوم؟ فهل هو معفو عنه أوأنه يقضيه ؟
الصواب: أنه يقضيه لأنه وردت أحاديث في المعني تفيد القضاء .
-متى نقول أن العبد مفطر في رمضان ويستحق التعذيب أو العقوبة؟
ويخرج بذلك الليل: ليل رمضان، العمد، ذِكرُ صيامه أي يكون متذكرا للصيام، مختارا .
وعلي هذا فان لاشيء على الناسي والمخطأ فلو أن رجلا نام بجوار زوجه في الظهر ثم نظر إلي الساعة يظنه قبل الفجرفجامعها ليس عليه شيء، هذا مخطئ،(أو نسي كلاهما الصيام .)
-ماذا يترتب على الفطر إذا توفرت هذه الشروط؟
الإثم ، الإمساك بقية اليوم، القضاء، الكفارة.
5- في قوله صلي الله عليه وسلم ( تصدق به)، فيه دليل على معاونة صاحب الكفارة ، سواء من قبل الإمام أو من غيره ، في قوله (وأطعمهُ أهلك أو كُله ) فيه دليل على أنه مادام محتاجا لا تجب عليه الكفارة ، في هذه الحالة إلا أن يستغني .
المسالة الرابعة والعشرون:(في تأخير قضاء رمضان إلى شعبان).
عن عائشة رضي الله عنها قالت :* كان يكون علي الصوم في رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان، فالشغل من رسول الله صلي الله عليه وسلم أو برسول الله صلي الله عليه وسلم*.
الشرح :
في الحديث عدة فوائد .
1- وطء عائشة رضي الله عنها في رمضان لزوجها لَنِعمة الزوجان هما ونعمة أم المؤمنين هي ، رغمت أنوف الرافضة، هذه فضيلة من فضائلها ، ومنقبة من مناقبها : برها ووفائها لزوجها يجعلها تؤخر القضاء حتى شعبان.
2- لاشك أنه ينبغي على المسلم الذي أفطر أياما من رمضان أن يسارع ، لأن هذا دين عليه، ولا يدري متى يأتيه أجله ، ونقول أنه من الواجب الموسع والدليل أن النبي صلي الله عليه وسلم
أقر عائشة على تأخير ما أفطرته من رمضان فلو كان الواجب مضيقا لأمر النبي المسلمين الذين أفطروا في رمضان لعذر أن يصوموا مبكرا وينهاهم عن التأخير، فتعجيل قضاء رمضان أمر مستحب ومرغوب فيه ومندوب إليه، وكلما قدمه المسلم كان خير وأفضل له ، ولاكن لا تثريب لمن أخره لكثرة مشاكل أو أمور أو أمراض كما جاء في الحديث .
هل يجوز تأخير قضاء رمضان إلى ما بعد رمضان الآخر ؟
كما قدمت لكم الأولى عدم ذلك ، ألا يؤخر عن شعبان، لكن لو أن مسلما أو مسلمة أخر قضاء رمضان حتى يدركه رمضان الآخر ، فأهل العلم متفقون على وجوب القضاء ، والجمهور قالوا : إن كان بعذر فلا شيء عليه، مثل امرأة أدركها الحمل وهي لا تستطيع أن تقضي ، أو رجل أعاقته أمراض أو أسقام عن القضاء .
أما إذا كان مفرطا فان عليه القضاء مع الكفارة: يطعم عن كل يوم مسكينا ، وحجتهم أن عائشة أخرت إلى شعبان ولم يمكنها التأخير إلى ذلك، وقالت طائفة: ليس عليه كفارة وإنما عليه القضاء فقط ، وهذا الراجح عندي وأسمعوا الأدلة:
1- حديث الباب ليس فيه إلا إقرار النبي لعائشة على تأخير القضاء لما فاتها من رمضان إلى شعبان ، وأما ما بعد ذلك فهو مسكوت عنه لم يرض فيه أمر ولا نهي وان كان أفتى به بعض الصحابة.
2- أن الشارع أطلق في قوله تعالى :( فمن كان منكم مريضا أو علي سفر فعدة من أيام أخر )، ولم يقيد هذه العدة بل أطلقها والأصل أن ما أطلقه الشارع يبقى على إطلاقه حتى يأتي دليل يقيده الشارع نفسه .