abin shail
03-11-2004, 07:37
ما حكم الذهاب إلى العراق للجهاد ضد الأمريكيين
الكاتب: مشهور بن ناصر القبلان - الرياض:
يُشترط لصحة الجهاد وجود راية يُقاتَل من ورائها, يقودُها إمام المسلمين المبايع, أو مَن يُنيبه.
أو استئذانه لمن أراد أن يجاهد تحت راية غيره, مع بقاء البيعة للإمام الأول, وعدم خلعها.
ومن الأدلة على ذلك ما يلي:
1- قوله سبحانه: (وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر مِنهم لعلمه الذين يستنبطونه مِنهم ولولا فضلُ الله عليكم ورحمته لاتبعتمُ الشيطانَ إلا قليلاً) [النساء 83].
ففي هذه الآية: النصُّ على وجوب لزوم أولي الأمر في حال الأمن والخوف, ولا شكَّ أن الجهاد والغزو من أمور الأمن والخوف التي ينبغي عندها الرجوع إلى أولي الأمر من الأمراء, وأصحاب الولاية من العلماء.
2- وقوله تعالى: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال..) [الأنفال 65].
ففي هذه الآية: يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بحَثِّ أتباعه من المؤمنين على القتال, ولم يأمر المؤمنين بحَثِّ بعضهم بعضاً, وإنما خصَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه هو ولي الأمر, فتبين بذلك أن التحريض على القتال مِن خصائص السلطان, وليس من خصائص غيره.
3- وقد حثَّ الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم على لزوم طاعة ولي الأمر, ومَن ينيبه ولي الأمر لشؤون الغزو والجيوش, فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [النساء 59].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت - هذه الآية - في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية. 1
4- ومن السُنة حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه المخرَّج في الصحيحين: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني....) وفيه سؤاله: فما ترى إن أدركني ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم). فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها. ولو أن تعض على أصل الشجرة, حتى يدركك الموت وأنت على ذلك). 2
ووجه الدلالة من الحديث: أن المسلم مُطالب بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم, في كل حال, ومن ذلك أمور الجهاد والغزو, وأمور الأمن والخوف.
وأيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حذيفة باعتزال الفرق المخالفة للجماعة حينما لا يكون هناك جماعة ولا إمام, ولم يأمره بقتالها, فدلَّ على أن القتال لا يكون إلا خلف إمام.
ثم إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر حذيفة باعتزال هذه الفرق, حينما لا يكون إمام للمسلمين, فإن اعتزال هذه الفرق - ومنها الفرق الجهادية الموجودة اليوم - في حال وجود إمام المسلمين من باب أولى.
5- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية, وإذا استُنفِرتم فانفروا). 3
قال النووي رحمه الله عند شرحه للحديث: ( قوله : صلى الله عليه وسلم (وإذا استنفرتم فانفروا) معناه: إذا دعاكم السلطان إلى غزوٍ فاذهبوا). 4
قلت: ومفهوم الحديث إن لم يستنفركم الإمام فلا نفير, ولهذا قال الكرماني رحمه الله -كما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح- : (... يمكن أن يؤخذ من قوله: (وإذا استنفرتم فانفروا) إذ معناه: لا تغدروا بالأئمة ولا تخالفوهم لأن إيجاب الوفاء بالخروج مستلزم لتحريم الغدر..). 5
6- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد, فقال: (أحي والداك؟). قال: نعم. قال: (ففيهما فجاهد). 6
ووجه الدلالة من الحديث: أن هذا الرجل أتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد, فدلَّ ذلك على أنهم كانوا لا يجاهدون إلا بإذن النبي صلى الله عليه وسلم, ويؤخذ منه وجوب استئذان وليَّ الأمر في الجهاد.
7- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن قاتل تحت راية عُمِّيةٍ يدعو إلى عصبية, أو يغضب لعصبيةٍ فقُتِلَ, فقتلة جاهلية). 7
8- وبوّب البخاري في صحيحه بابٌ: يُقاتل من وراء الإمام ويُتقى به. ثم روى بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (.. وإنما الإمام جُنَّة, يُقاتل من ورائه, ويُتقى به, فإن أمَرَ بتقوى الله وعَدَل, فإن له بذلك أجراً, وإن قال بغيره, فإن عليه مِنْهُ). 8
قال النووي رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام جُنَّة) أي كالستر, لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام، ويتقيه الناس، ويخافون سطوته، ومعنى (يقاتل من ورائه): أي يُقاتلُ معه الكفار والبغاة والخوارج وسائر أهل الفساد والظلم مطلقاً...) ا.هـ. 9
كما أن الجملة الفعلية (يُقاتلُ من ورائه) وقعت صفة لقوله (جُنَّة) فدخلت تحت الحصر, فكأنه قال: لا قتال إلا بإمام.
9- وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الغزو غزوان, فأما من ابتغى وجه الله, وأطاع الإمام, وأنفق الكريمة (10), وياسر الشريك (11), واجتنب الفساد, فإن نومه ونبهه أجر كله, وأما من غزا فخراً ورياءً وسمعة, وعصى الإمام, وأفسد في الأرض فإنه لم يرجع بالكفاف). 12
● وقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في طاعة الإمام في الجهاد, ففي غزوة الأحزاب - وفي ليلة مطيرة شديدة البرد - عندما أمَرَ النبيُ صلى الله عليه وسلم حذيفة رضي الله عنه بأن يأتيه بخبر القوم, لم يتوانَ رضي الله عنه في الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم. قال حذيفة رضي الله عنه وهو يُحدِّثُ بهذا الحديث: (فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم).
فلما أراد أن يذهب, قال له النبيُ صلى الله عليه وسلم: (اذهب فأتني بخبر القوم, ولا تذعرهم عليَّ) وفي رواية: (يا حذيفة، فاذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون، ولا تحدثنَّ شيئاً حتى تأتينا). 13
قال حذيفة رضي الله عنه: (فلما وليتُ من عنده جعلتُ كأنما أمشي في حمَّام, حتى أتيتهم فرأيتُ أبا سفيان يُصْلي ظهره بالنار, فوضعت سهماً في كبد القوس فأردتُ أن أرميه, فذكرتُ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا تذعرهم عليَّ) ولو رميته لأصبته فرجعت..). 14
الله أكبر! تذكَّر رضي الله عنه أمرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم له بألا يُحدِث شيئاً, فالتزمه, مع تمكنه من أبي سفيان, ولو أراد قتلهُ لفعل, ولكنه قدَّم أمْرَ نبيِّه وولي أمره صلى الله عليه وسلم على حظوظ نفسه, فرضي الله عنه وأرضاه.
● وعن مجاهدٍ قال: سألتُ ابنَ عمر رضي الله عنه عن الغزو مع أئمة الجور وقد أحدثوا, فقال: اغزوا. 15
● وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في أصول السُنة (16): (والغزو ماضِ مع الأمراء إلى يوم القيامة البَرِّ والفاجر لا يُترك).
● وقال أبو داود: قلتُ لأحمدَ: إذا قال الإمامُ: لا يغزُوَنَّ أحَدٌ مِن أهلِ عينِ زِرْبةَ؟ قال: فلا يغزونَّ أحدٌ منها. 17
● وقال الطحاوي رحمه الله في العقيدة الطحاوية (18): (والحجُ والجهادُ ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين: برَّهم وفاجرهم، إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما).
جاء في تعليق الشيخ العلاّمة صالح الفوزان حفظه الله على كلام الطحاوي:
(.... ومن ينظّم القتال ويقوده؟ هو الإمام، فنحن نتبع الإمام، فإن أُمرنا بالغزو نغزو، ولا نغزو بغير إذن الإمام؛ فهذا لا يجوز؛ لأنه من صلاحيات الإمام: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض) [التوبة 38] فالقتال من صلاحيات الإمام، فإذا استنفر الإمام الناس للقتال وَجَبَ على كل من أطاق حمل السلاح، ولا يُشترط في الإمام الذي يقيم الحج والجهاد أن يكون غير عاصٍ، فقد يكون عنده بعض المعاصي والمخالفات، لكن ما دام أنه لم يخرج من الإسلام فيجب الجهاد والحج معه). 19
● وقال الموفق ابن قدامة رحمه الله في العُمدة (20): (ويُغزا مع كل إمام برٍ وفاجر, ويقاتل كلُ قومٍ مَن يليهم مِن العدو). قال شارح العمدة بهاء الدين المقدسي: (ويُغزا مع كل بر وفاجر, يعني مع كل إمام).
● وقال رحمه الله في المقنع (21): (ولا يجوز الغزو إلا بإذن الأمير, إلا أن يفاجئهم عدوٌ يخافون كَلَبُه).
● وقال في المُغني (22): (وأمرُ الجهاد موكولٌ إلى الإمام واجتهاده, ويلزم الرعية طاعته فيما يراه مِن ذلك).
● وقال الشيخ مجد الدين أبي البركات عبدالسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام, إلا أن يفاجئهم عدوٌ يُخشى كَلَبُه بالإذن فيسقط). 23
● وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية حاكياً عقيدة أهل السُنة والجماعة: (ويرون إقامة الحج والجهاد والجُمع والأعياد مع الأمراء, أبراراً كانوا أو فجّاراً). قال فضيلة الشيخ العلاّمة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله معلقاً: (... أهل السُنة والجماعة يقولون: نحن نرى إقامة الحج مع الأمراء سواء كانوا أبراراً أو فجاراً, وكذلك إقامة الجهاد مع الأمير, ولو كان فاسقاً, ويُقيمون الجهاد مع أميرٍ لا يصلي معهم الجماعة, بل يصلي في رحله. فأهل السُنة والجماعة لديهم بُعدُ نظر, لأن المخالفات في هذه الأمور معصية لله ورسوله, وتجُر إلى فتن عظيمة. فما الذي فتح باب الفتن والقتال بين المسلمين والاختلاف في الآراء إلا الخروج على الأئمة؟! فيرى أهل السُنة والجماعة وجوب إقامة الحج والجهاد مع الأمراء, وإن كانوا فجّاراً...). 24
● وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والجهاد لا يقوم به إلا ولاة الأمور, فإن لم يُغزَ معهم, لزم أنَّ أهل الخير الأبرار لا يجاهدون, فتفتر عزمات أهل الدين عن الجهاد, فإما أن يتعطل, وإما أن ينفرد به الفجّار, فيلزم مِن ذلك استيلاء الكفار, أو ظهور الفجّار, لأن الدين لمَن قاتل عليه). 25
● وقال العلاّمة الحجّاوي رحمه الله في زاد المستقنع: (ويتفقد الإمامُ جيشه عند المسير... ويلزمُ الجيشَ طاعته والصبر معه ولا يجوز الغزو إلا بإذنه).
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله معلقاً: (أي: لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر, لأن المُخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور, وليس أفراد الناس, فأفراد الناس تبعٌ لأهل الحل والعقد, فلا يجوز لأحدٍ أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع, وإذا فاجأهم عدو يخافون كَلَبَهُ فحينئذٍ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم لتعيُنِ القتال إذاً). 26
● وقال الإمامُ الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في عقيدته التي أرسلها لأهل القصيم: (وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام براً كان أو فاجراً وصلاة الجماعة خلفهم جائزة). 27
● وقال بعض أئمة الدعوة النجدية (28) رحمهم الله في بعض رسائلهم: (وأما الجهاد فهو موكولٌ إلى نظر الإمام, وعليه أن ينظر ما هو الأصلح للإسلام والمسلمين, على حسب ما تقتضيه الشريعة). 29
وقالوا (30) في بعض رسائلهم: (... ورأينا أمراً يُوجب الخلل على أهل الإسلام, ودخولَ التفرق في دولتهم, وهو الاستبداد دون إمامهم, بزعمهم أنه بنية الجهاد, ولم يعلموا أن حقيقة الجهاد ومصالحة العدو, وبذل الذمة للعامة, وإقامة الحدود, أنها مختصة بالإمام, ومتعلقة به, ولا لأحدٍ من الرعية دخلٌ في ذلك إلا بولايته..). 31
● وقال الشيخ سعد بن محمد بن عتيق رحمه الله: (ومما انتحله بعضُ هؤلاء الجهلة المغرورين: الاستخفاف بولاية المسلمين, والتساهل بمخالفة إمام المسلمين, والخروج عن طاعته, والافتيات عليه بالغزو وغيره, وهذا من الجهل والسعي في الأرض بالفساد بمكان, يَعرفُ ذلك كلُّ ذي عقل وإيمان..). 32
● وقال فضيلة الشيخ العلاّمة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: (لابد [أي للجهاد(33)] من شروط, منها القدرة على قتال العدو بحيث يكون لدى المجاهدين قدرة بشرية, ومالية, وعتادية, ومنها أن يكونوا تحت راية إمام يجاهدون بأمره). 34
● وسئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله السؤال التالي: ما هي شروط الجهاد, وهل هي متوفرة الآن؟
فأجاب: (شروط الجهاد معلومة: أن يكون في المسلمين قوة وإمكانية لمجاهدة الكفار, أما إن لم يكن عندهم إمكانية ولا قوة فإنه لا جهاد عليهم, فالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا في مكة قبل الهجرة ولم يُشرع لهم الجهاد, لأنهم لا يستطيعون. وكذلك لابد أن يكون الجهاد تحت قيادة مسلمة, وبأمر ولي الأمر, لأنه هو الذي يأمر به, وينظمه, ويتولاه, ويشرف عليه, فهو من صلاحياته, وليست من صلاحيات أي أحد أو أي جماعة تذهب أو تغزو بدون إذن ولي الأمر). 35
● وسئل حفظه الله: ما حكم الذهاب إلى الجهاد دون إذن ولي الأمر مع أنه يُغفرُ للمجاهدِ من أول قطرة مِن دمه وهل يكون شهيداً؟
فأجاب: إذا عصى ولي الأمر وعصى والديه وذهب فإنه لا يكون مُجاهداً بل يكون عاصياً. 36
________________________________________
1 رواه البخاري (4584) ومسلم (1834) والنسائي (4194) وابن الجارود في المنتقى (1040) وأحمد (3124).
2 أخرجه البخاري (7084) ومسلم (1847) وابن ماجه (3979) والحاكم (386) والبيهقي في السنن الكبرى (16387).
3 رواه البخاري ( 2783) و(2825) ومسلم (1353) و(1864) وأبو داود (2480) والترمذي (1590) والنسائي في السنن الكبرى (8703) وابن حبان (3720).
4 شرح مسلم للنووي (9/128).
5 فتح الباري (6/342).
6 رواه البخاري (3004) و(5972) ومسلم (2549) وأبو داود (2529) والترمذي (1671) والنسائي (3103) وابن حبان (318) و(420) وأحمد (6544) و(6765).
7 رواه مسلم (1848) و(1850) والنسائي (4114) وابن ماجه (3948) وابن حبان (4580) وأحمد (8047) والبيهقي في السنن الكبرى (16388).
8 رواه البخاري (2957) ومسلم (1841) والنسائي (4196) وأحمد (10787).
9 شرح مسلم للنووي (12/434).
10 أنفق الكريمة: أي النفيسة, والغالية.
11 ياسر الشريك: أي ساهل الرفيق وعامله باليسر.
12 رواه أبو داود (2515) والنسائي (3188) و(4195) ومالك في الموطأ (912) والحاكم (2435) والبيهقي في السنن الكبرى (18328) والدارمي (2421) وأحمد (22095) وعبد بن حميد في المنتخب (109) والطبراني في المعجم الكبير (20/91) وفي مسند الشاميين (1159). وابن أبي عاصم في الجهاد (133) و(134) وحسنه الألباني.
13 رواية أحمد (23382).
14 الحديث رواه مسلم (1788) وابن حبان (7125) والبيهقي في السنن الكبرى (18223).
15 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/33371).
16 أصول السنة للإمام أحمد ضمن طبقات الحنابلة (1/244).
17 مسائل الإمام أحمد, رواية أبي داود السجستاني, ص316.
18 شرح الطحاوية لابن أبي العز, بتخريج الألباني, ص387.
19 التعليقات المختصرة على العقيدة الطحاوية, ص190.
20 العدة شرح العمدة ص567.
21 المقنع في فقه الإمام أحمد, للموفق ابن قدامة المقدسي رحمه الله, ص89.
22 (13/16).
23 المُحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد (2/341).
24 شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين (2/337-338).
25 منهاج السُنة (6/118).
26 الشرح الممتع (8/25).
27 مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب (3/7).
28 هم: الشيخ سعد بن عتيق, والشيخ سليمان بن سحمان, والشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري, والشيخ عمر بن سليم, والشيخ صالح بن عبدالعزيز, والشيخ عبدالله بن حسن, والشيخ عبدالعزيز بن عبداللطيف, والشيخ عمر بن عبداللطيف, والشيخ محمد بن إبراهيم, والشيخ عبدالله بن زاحم, والشيخ محمد بن عثمان, والشيخ عبدالعزيز الشثري, رحمهم الله جميعاً.
29 الدرر السنية في الأجوبة النجدية (9/310).
30 هم: الشيخ عبدالله بن عبداللطيف, والشيخ حسن بن حسين, والشيخ سعد بن عتيق, والشيخ محمد بن عبداللطيف رحمهم الله.
31 الدرر السنية في الأجوبة النجدية (9/95-96).
32 الدرر السنية في الأجوبة النجدية (9/142-143).
33 زيادة توضيحية.
34 تفسير القرآن العظيم لابن عثيمين (3/49).
35 فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة ص205.
36 الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية ص159.
رد شبهة أن جهاد الدفع لا يُشترط له إذن الإمام على الاطلاق:
إن قيل: إن جهاد الدفع لا يُشترط له إذن الإمام, قلنا لهم: هذا كلام مجمل, يحتاج إلى تفصيل.
● فإن قالوا المراد بجهاد الدفع: الدفاع عن بلد آخر غير بلدنا, قلنا لهم: هذا لا يسمى جهاد دفع, وإنما جهاد نصرة, ونصرة المسلم لغير المسلم واجبة إن لم يكن هناك مانع منها, ومن الموانع وجود عهدٍ بين المسلمين والكفار لقوله تعالى: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير) [الأنفال 72]. والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينصر أبا بصير وأصحابه, مع حاجتهم للنصرة, لوجود عهدٍ بينه وبين قريش وهو صلح الحديبية, ولم ينصره أحدٌ من الصحابة الذين كانوا تحت إمرة النبي صلى الله عليه وسلم, مما يدل على أن جهاد النصرة لا يكون إلا بعد زوال الموانع, وأنه يُشترط فيه إذن ولي الأمر. وسيأتي قريباً تفصيل القول في جهاد النصرة وأحكامه فلينظر.
● وإن قالوا المراد بجهاد الدفع: الدفاع عن بلدنا في حالة هجوم العدو عليه, قلنا لهم: نشكركم على حرصكم على بلدكم وأهله, ونخبركم أن ولي الأمر أحرصُ منكم على حماية بلده من غزو الأعداء, وأعرف منكم بتحركاته, وكثرته وقلته, وقيامكم بالدفاع وحدكم دون الانضمام ولي الأمر وطاعته, والقتال تحت لوائه, يشتت الجهود, ويُضعف القوى, وهذا هو عين ما يريده الأعداء, لأن هزيمتكم متفرقين أسهل من هزيمتكم مجتمعين متفقين, كما قال الشاعر:
إن الأمور إذا اجتمعن فرامَها بالكسر ذو حَنَقٍ وبطشٍ مُفنِدِ
عزَّت فلم تُكسر, وإن هي بدَّدت فالكسرُ والتوهينُ للمتبدِّدِ
وقال الآخر:
تأبى الرماحُ إذا اجتمعن تكسُّراً فإذا افترقن تكسَّرت آحادا
والصحابة رضي الله عنهم دافعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق (الأحزاب) ولم ينفصلوا عنه, ولم يستبدَّ أحدٌ منهم برأيٍ دون النبي صلى الله عليه وسلم حتى كتب الله لهم النصر, ولنا في قصة حذيفة السابقة خيرُ عظةٍ وعبرةٍ.
ويُستثنى من هذه الصورة ما إذا فاجأ العدو البلد, ولم يكن هناك وقت لإبلاغ ولي الأمر, فحينئذٍ فإنه يجب دفع المعتدي, لما في تركه وتأخر دفعه من المفاسد, ولما جاء في الصحيحين (1) أن غطفان أغاروا على لِقاحٍ للنبي صلى الله عليه وسلم, وكان سلمة بن الأكوع خارجاً من المدينة فلقيه غلامٌ لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فأخبره, فتبعهم وقاتلهم من غير إذن النبي صلى الله عليه وسلم, واستنقذها منهم, ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بل مدحه وقال: (خير رجالتنا سلمة) وأعطاه سهمين سهم الفارس وسهم الراجل, ثم أردفه وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة.
ففي هذه القصة أن سلمة رضي الله عنه عندما لحق القوم لم يكن لديه وقت لاستئذان النبي صلى الله عليه وسلم, ولكن لمَّا لحق به النبيُّ صلى الله عليه وسلم وكان قد استنقذ النوق, عاد ليستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في ملاحقتهم قبل أن يعود إلى المدينة, فقال رضي الله عنه: يا رسول الله خلني فأنتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم فلا يبقى منهم مخبرٌ إلا قتلته. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (يا سلمة أتراك كنت فاعلاً) فقال: نعم, والذي أكرمك. فقال: (إنهم الآن يُقرَونُ في أرض غطفان). فهذا دليل على أنهم كانوا يرون وجوب استئذان ولي الأمر, إلا في حالة مباغتة العدو أرض المسلمين.
قال عبدالله بن الإمام أحمد: سمعتُ أبي يقول: إذا أذن الإمامُ, القومُ يأتيهم النفير فلا بأس أن يخرجوا. قلتُ لأبي: فإن خرجوا بغير إذن الإمام؟ قال: لا, إلا أن يأذن الإمام, إلا أن يكون يفاجئهم أمرٌ مِن العدو ولا يُمكِنُهم أن يستأذنوا الإمام فأرجو أن يكون ذلك دفعاً مِن المسلمين. (2)
ونصَّ على ذلك ابن قدامة رحمه الله في المغني (3) فقال: (... إذا جاء العدو، صار الجهاد عليهم فرض عين, فوجب على الجميع، فلم يَجُز لأحدٍ التخلف عنه، فإذا ثبت هذا, فإنهم لا يخرجون إلا بإذن الأمير، لأن أمر الحرب موكول إليه، وهو أعلم بكثرة العدو وقلتهم، ومكامن العدو وكيدهم، فينبغي أن يُرجع إلى رأيه, لأنه أحوط للمسلمين، إلا أن يتعذر استئذانه لمفاجـأة عدوهم لهم، فلا يجب استئذانه، لأن المصلحة تتعين في قتالهم, والخروج إليهم، لتعين الفساد في تركهم...).
● وإن قالوا المراد بجهاد الدفع: دفع الصائل الذي يصول على النفس والمال, قلنا صحيح أنه في هذه الحالة يجوز القتال دون إذن ولي الأمر, لما روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: (فلا تعطه مالك) قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتله) قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (فأنت شهيد) قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (هو في النار). (4)
ولكن دفع الصائل - كما في هذا الحديث - قتال وليس جهاد, لأنه لا تنطبق عليه ضوابط الجهاد, فهو يجوز قتاله ولكن لا يجوز قتله إلا إذا اضطر إليه, كما قال الشافعي رحمه الله - كما حكاه عنه البيهقي -: أَمَرَ اللهُ بقتال الفئة الباغية, وأمرَ بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم, وليس القتال من القتل بسبيل, قد يحل قتال المسلم ولا يحل قتله, كما يحل جرحه وضربه ولا يحل قتله. (5)
وهذا بخلاف الجهاد الذي يجوز فيه القتال والقتل جميعاً, وأما دفع الصائل فيكون بالأسهل فالأسهل, ولا يَلجأ إلى القتل إلا إذا اضطر إليه, لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن عُدي على مالي؟ قال: (فانشد بالله) قال: فإن أبوا عليَّ؟ قال: (فانشد بالله) قال: فإن أبوا عليَّ؟ قال: (فانشد بالله) قال: فإن أبوا عليَّ؟ قال: (فقاتل فإن قُتِلت ففي الجنة, وإن قَتَلت ففي النار). (6)
ولما رواه النسائي وغيره أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يأتيني فيريد مالي؟ قال: (ذكره بالله) قال: فإن لم يذَّكِر؟ قال: (فاستعن عليه من حولك مَن المسلمين) قال: فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين؟ قال: (فاستعن عليه بالسلطان) قال: فإن نأى السلطانُ عني؟ قال: (قاتل دون مالك, حتى تكون من شهداء الآخرة, أو تمنع مالك). (7)
قال ابن قدامة رحمه الله في الكافي (8): (ويدفع الصائل بأسهل ما يمكن الدفع به، فإن أمكن دفعه بيده، لم يجز ضربه بالعصا، وإن اندفع بالعصا، لم يجز ضربه بحديدة، وإن أمكن دفعه بقطع عضو، لم يجز قتله، وإن لم يمكن إلا بالقتل، قتله ولم يضمنه، لأنه قتل بحق فلم يضمنه كالباغي).
وقال الإمام أحمد: (وقتال اللصوص والخوارج جائز, إذا عَرَضوا للرجل في نفسه وماله, فله أن يقاتل عن نفسه وماله، ويدفع عنهما بكل ما يقدر. وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم، ولا يتبع آثارهم، ليس لأحدٍ إلا الإمام أو ولاة المسلمين. إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك، وينوي بجهده أن لا يقتل أحداً؛ فإن أتى على بدنه في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول, وإن قُتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجوتُ له الشهادة. كما جاء في الأحاديث. وجميع الآثار في هذا: إنما أَمَرت بقتاله، ولم تأمُر بقتله ولا اتباعه، ولا يُجهز عليه إن صُرع أو كان جريحاً، وإن أخذه أسيراً فليس له أن يقتله، ولا يقيم عليه الحد، ولكن يرفع أمره إلى من ولاَّه الله, فيحكُم فيه). (9)
ومما سبق يتبين أن دفع الصائل يكون بالأسهل فالأسهل وإن قُدِرَ عليه وجب تسليمه للسلطان ولا يُقتل, وإن جُرِحَ لا يُجهز عليه, وبهذا يتبين أنه ليس من الجهاد, لأن هذه ليست صورة الجهاد, فلا يدخل في جهاد الدفع, ولذلك تلاحظ أن الفقهاء - رحمهم الله - لا يضعون باب قتال أهل البغي وباب دفع الصائل ضمن كتاب الجهاد بل ضمن كتاب الحدود.
● ومن المناقشة السابقة يتبين خطأ هذه المقولة: إن جهاد الدفع لا يُشترط له إذن الإمام, على إطلاقها, وإنما هي استثناءٌ - كما في قصة سلمة بن الأكوع رضي الله عنه المتقدمة - قلَّ أن يحدث هذه الأزمان, لأن الدول صار لها على حدودها عيون وجند, وهو ما يُعرف في هذا الزمن باسم: سلاح الحدود, يعرفون المعتدي ويباشرون ردَّه قبل غيرهم من الناس, والله أعلم.
وجزاك الله خيراً
________________________________________
1 تجد القصة في البخاري (3041) و(4194) ومسلم (1806) و(1807) وصحيح ابن حبان (7173) ومسند الإمام أحمد (16587).
2 مسائل الإمام أحمد من رواية ابنه عبدالله. ص258.
3 المغني لابن قدامة (13/33-34).
4 رواه مسلم (140) والبيهقي في السنن الكبرى (5856).
5 السنن الكبرى للبيهقي (8/188).
6 رواه النسائي (4082) و(4083) وأحمد (8456) والبيهقي في السنن الكبرى (17418) وصححه الألباني.
7 رواه النسائي (4081) والطبراني في المعجم الكبير (20/314) وعبد الرزاق في المصنف (18572) وقال الألباني: حسن صحيح.
8 (4/112-113).
9 أصول السنة للإمام أحمد, ضمن طبقات الحنابلة (1/244).
مع تحيات ابن شعيل
أخي قارى هذه المقاله من فقه المسألة جمع مافي الباب ثم تخريج النصوص من حيث الصحة والضعف ومن ثم تحقيق المسألة وانتبه و لصحة الاستدلال
الكاتب: مشهور بن ناصر القبلان - الرياض:
يُشترط لصحة الجهاد وجود راية يُقاتَل من ورائها, يقودُها إمام المسلمين المبايع, أو مَن يُنيبه.
أو استئذانه لمن أراد أن يجاهد تحت راية غيره, مع بقاء البيعة للإمام الأول, وعدم خلعها.
ومن الأدلة على ذلك ما يلي:
1- قوله سبحانه: (وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر مِنهم لعلمه الذين يستنبطونه مِنهم ولولا فضلُ الله عليكم ورحمته لاتبعتمُ الشيطانَ إلا قليلاً) [النساء 83].
ففي هذه الآية: النصُّ على وجوب لزوم أولي الأمر في حال الأمن والخوف, ولا شكَّ أن الجهاد والغزو من أمور الأمن والخوف التي ينبغي عندها الرجوع إلى أولي الأمر من الأمراء, وأصحاب الولاية من العلماء.
2- وقوله تعالى: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال..) [الأنفال 65].
ففي هذه الآية: يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بحَثِّ أتباعه من المؤمنين على القتال, ولم يأمر المؤمنين بحَثِّ بعضهم بعضاً, وإنما خصَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه هو ولي الأمر, فتبين بذلك أن التحريض على القتال مِن خصائص السلطان, وليس من خصائص غيره.
3- وقد حثَّ الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم على لزوم طاعة ولي الأمر, ومَن ينيبه ولي الأمر لشؤون الغزو والجيوش, فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [النساء 59].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت - هذه الآية - في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية. 1
4- ومن السُنة حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه المخرَّج في الصحيحين: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني....) وفيه سؤاله: فما ترى إن أدركني ذلك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم). فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها. ولو أن تعض على أصل الشجرة, حتى يدركك الموت وأنت على ذلك). 2
ووجه الدلالة من الحديث: أن المسلم مُطالب بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم, في كل حال, ومن ذلك أمور الجهاد والغزو, وأمور الأمن والخوف.
وأيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حذيفة باعتزال الفرق المخالفة للجماعة حينما لا يكون هناك جماعة ولا إمام, ولم يأمره بقتالها, فدلَّ على أن القتال لا يكون إلا خلف إمام.
ثم إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر حذيفة باعتزال هذه الفرق, حينما لا يكون إمام للمسلمين, فإن اعتزال هذه الفرق - ومنها الفرق الجهادية الموجودة اليوم - في حال وجود إمام المسلمين من باب أولى.
5- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية, وإذا استُنفِرتم فانفروا). 3
قال النووي رحمه الله عند شرحه للحديث: ( قوله : صلى الله عليه وسلم (وإذا استنفرتم فانفروا) معناه: إذا دعاكم السلطان إلى غزوٍ فاذهبوا). 4
قلت: ومفهوم الحديث إن لم يستنفركم الإمام فلا نفير, ولهذا قال الكرماني رحمه الله -كما ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح- : (... يمكن أن يؤخذ من قوله: (وإذا استنفرتم فانفروا) إذ معناه: لا تغدروا بالأئمة ولا تخالفوهم لأن إيجاب الوفاء بالخروج مستلزم لتحريم الغدر..). 5
6- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد, فقال: (أحي والداك؟). قال: نعم. قال: (ففيهما فجاهد). 6
ووجه الدلالة من الحديث: أن هذا الرجل أتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد, فدلَّ ذلك على أنهم كانوا لا يجاهدون إلا بإذن النبي صلى الله عليه وسلم, ويؤخذ منه وجوب استئذان وليَّ الأمر في الجهاد.
7- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن قاتل تحت راية عُمِّيةٍ يدعو إلى عصبية, أو يغضب لعصبيةٍ فقُتِلَ, فقتلة جاهلية). 7
8- وبوّب البخاري في صحيحه بابٌ: يُقاتل من وراء الإمام ويُتقى به. ثم روى بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (.. وإنما الإمام جُنَّة, يُقاتل من ورائه, ويُتقى به, فإن أمَرَ بتقوى الله وعَدَل, فإن له بذلك أجراً, وإن قال بغيره, فإن عليه مِنْهُ). 8
قال النووي رحمه الله: (قوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام جُنَّة) أي كالستر, لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام، ويتقيه الناس، ويخافون سطوته، ومعنى (يقاتل من ورائه): أي يُقاتلُ معه الكفار والبغاة والخوارج وسائر أهل الفساد والظلم مطلقاً...) ا.هـ. 9
كما أن الجملة الفعلية (يُقاتلُ من ورائه) وقعت صفة لقوله (جُنَّة) فدخلت تحت الحصر, فكأنه قال: لا قتال إلا بإمام.
9- وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الغزو غزوان, فأما من ابتغى وجه الله, وأطاع الإمام, وأنفق الكريمة (10), وياسر الشريك (11), واجتنب الفساد, فإن نومه ونبهه أجر كله, وأما من غزا فخراً ورياءً وسمعة, وعصى الإمام, وأفسد في الأرض فإنه لم يرجع بالكفاف). 12
● وقد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في طاعة الإمام في الجهاد, ففي غزوة الأحزاب - وفي ليلة مطيرة شديدة البرد - عندما أمَرَ النبيُ صلى الله عليه وسلم حذيفة رضي الله عنه بأن يأتيه بخبر القوم, لم يتوانَ رضي الله عنه في الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم. قال حذيفة رضي الله عنه وهو يُحدِّثُ بهذا الحديث: (فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم).
فلما أراد أن يذهب, قال له النبيُ صلى الله عليه وسلم: (اذهب فأتني بخبر القوم, ولا تذعرهم عليَّ) وفي رواية: (يا حذيفة، فاذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون، ولا تحدثنَّ شيئاً حتى تأتينا). 13
قال حذيفة رضي الله عنه: (فلما وليتُ من عنده جعلتُ كأنما أمشي في حمَّام, حتى أتيتهم فرأيتُ أبا سفيان يُصْلي ظهره بالنار, فوضعت سهماً في كبد القوس فأردتُ أن أرميه, فذكرتُ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا تذعرهم عليَّ) ولو رميته لأصبته فرجعت..). 14
الله أكبر! تذكَّر رضي الله عنه أمرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم له بألا يُحدِث شيئاً, فالتزمه, مع تمكنه من أبي سفيان, ولو أراد قتلهُ لفعل, ولكنه قدَّم أمْرَ نبيِّه وولي أمره صلى الله عليه وسلم على حظوظ نفسه, فرضي الله عنه وأرضاه.
● وعن مجاهدٍ قال: سألتُ ابنَ عمر رضي الله عنه عن الغزو مع أئمة الجور وقد أحدثوا, فقال: اغزوا. 15
● وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في أصول السُنة (16): (والغزو ماضِ مع الأمراء إلى يوم القيامة البَرِّ والفاجر لا يُترك).
● وقال أبو داود: قلتُ لأحمدَ: إذا قال الإمامُ: لا يغزُوَنَّ أحَدٌ مِن أهلِ عينِ زِرْبةَ؟ قال: فلا يغزونَّ أحدٌ منها. 17
● وقال الطحاوي رحمه الله في العقيدة الطحاوية (18): (والحجُ والجهادُ ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين: برَّهم وفاجرهم، إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما).
جاء في تعليق الشيخ العلاّمة صالح الفوزان حفظه الله على كلام الطحاوي:
(.... ومن ينظّم القتال ويقوده؟ هو الإمام، فنحن نتبع الإمام، فإن أُمرنا بالغزو نغزو، ولا نغزو بغير إذن الإمام؛ فهذا لا يجوز؛ لأنه من صلاحيات الإمام: (يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض) [التوبة 38] فالقتال من صلاحيات الإمام، فإذا استنفر الإمام الناس للقتال وَجَبَ على كل من أطاق حمل السلاح، ولا يُشترط في الإمام الذي يقيم الحج والجهاد أن يكون غير عاصٍ، فقد يكون عنده بعض المعاصي والمخالفات، لكن ما دام أنه لم يخرج من الإسلام فيجب الجهاد والحج معه). 19
● وقال الموفق ابن قدامة رحمه الله في العُمدة (20): (ويُغزا مع كل إمام برٍ وفاجر, ويقاتل كلُ قومٍ مَن يليهم مِن العدو). قال شارح العمدة بهاء الدين المقدسي: (ويُغزا مع كل بر وفاجر, يعني مع كل إمام).
● وقال رحمه الله في المقنع (21): (ولا يجوز الغزو إلا بإذن الأمير, إلا أن يفاجئهم عدوٌ يخافون كَلَبُه).
● وقال في المُغني (22): (وأمرُ الجهاد موكولٌ إلى الإمام واجتهاده, ويلزم الرعية طاعته فيما يراه مِن ذلك).
● وقال الشيخ مجد الدين أبي البركات عبدالسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام, إلا أن يفاجئهم عدوٌ يُخشى كَلَبُه بالإذن فيسقط). 23
● وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية حاكياً عقيدة أهل السُنة والجماعة: (ويرون إقامة الحج والجهاد والجُمع والأعياد مع الأمراء, أبراراً كانوا أو فجّاراً). قال فضيلة الشيخ العلاّمة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله معلقاً: (... أهل السُنة والجماعة يقولون: نحن نرى إقامة الحج مع الأمراء سواء كانوا أبراراً أو فجاراً, وكذلك إقامة الجهاد مع الأمير, ولو كان فاسقاً, ويُقيمون الجهاد مع أميرٍ لا يصلي معهم الجماعة, بل يصلي في رحله. فأهل السُنة والجماعة لديهم بُعدُ نظر, لأن المخالفات في هذه الأمور معصية لله ورسوله, وتجُر إلى فتن عظيمة. فما الذي فتح باب الفتن والقتال بين المسلمين والاختلاف في الآراء إلا الخروج على الأئمة؟! فيرى أهل السُنة والجماعة وجوب إقامة الحج والجهاد مع الأمراء, وإن كانوا فجّاراً...). 24
● وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والجهاد لا يقوم به إلا ولاة الأمور, فإن لم يُغزَ معهم, لزم أنَّ أهل الخير الأبرار لا يجاهدون, فتفتر عزمات أهل الدين عن الجهاد, فإما أن يتعطل, وإما أن ينفرد به الفجّار, فيلزم مِن ذلك استيلاء الكفار, أو ظهور الفجّار, لأن الدين لمَن قاتل عليه). 25
● وقال العلاّمة الحجّاوي رحمه الله في زاد المستقنع: (ويتفقد الإمامُ جيشه عند المسير... ويلزمُ الجيشَ طاعته والصبر معه ولا يجوز الغزو إلا بإذنه).
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله معلقاً: (أي: لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر, لأن المُخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور, وليس أفراد الناس, فأفراد الناس تبعٌ لأهل الحل والعقد, فلا يجوز لأحدٍ أن يغزو دون إذن الإمام إلا على سبيل الدفاع, وإذا فاجأهم عدو يخافون كَلَبَهُ فحينئذٍ لهم أن يدافعوا عن أنفسهم لتعيُنِ القتال إذاً). 26
● وقال الإمامُ الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في عقيدته التي أرسلها لأهل القصيم: (وأرى الجهاد ماضياً مع كل إمام براً كان أو فاجراً وصلاة الجماعة خلفهم جائزة). 27
● وقال بعض أئمة الدعوة النجدية (28) رحمهم الله في بعض رسائلهم: (وأما الجهاد فهو موكولٌ إلى نظر الإمام, وعليه أن ينظر ما هو الأصلح للإسلام والمسلمين, على حسب ما تقتضيه الشريعة). 29
وقالوا (30) في بعض رسائلهم: (... ورأينا أمراً يُوجب الخلل على أهل الإسلام, ودخولَ التفرق في دولتهم, وهو الاستبداد دون إمامهم, بزعمهم أنه بنية الجهاد, ولم يعلموا أن حقيقة الجهاد ومصالحة العدو, وبذل الذمة للعامة, وإقامة الحدود, أنها مختصة بالإمام, ومتعلقة به, ولا لأحدٍ من الرعية دخلٌ في ذلك إلا بولايته..). 31
● وقال الشيخ سعد بن محمد بن عتيق رحمه الله: (ومما انتحله بعضُ هؤلاء الجهلة المغرورين: الاستخفاف بولاية المسلمين, والتساهل بمخالفة إمام المسلمين, والخروج عن طاعته, والافتيات عليه بالغزو وغيره, وهذا من الجهل والسعي في الأرض بالفساد بمكان, يَعرفُ ذلك كلُّ ذي عقل وإيمان..). 32
● وقال فضيلة الشيخ العلاّمة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: (لابد [أي للجهاد(33)] من شروط, منها القدرة على قتال العدو بحيث يكون لدى المجاهدين قدرة بشرية, ومالية, وعتادية, ومنها أن يكونوا تحت راية إمام يجاهدون بأمره). 34
● وسئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله السؤال التالي: ما هي شروط الجهاد, وهل هي متوفرة الآن؟
فأجاب: (شروط الجهاد معلومة: أن يكون في المسلمين قوة وإمكانية لمجاهدة الكفار, أما إن لم يكن عندهم إمكانية ولا قوة فإنه لا جهاد عليهم, فالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا في مكة قبل الهجرة ولم يُشرع لهم الجهاد, لأنهم لا يستطيعون. وكذلك لابد أن يكون الجهاد تحت قيادة مسلمة, وبأمر ولي الأمر, لأنه هو الذي يأمر به, وينظمه, ويتولاه, ويشرف عليه, فهو من صلاحياته, وليست من صلاحيات أي أحد أو أي جماعة تذهب أو تغزو بدون إذن ولي الأمر). 35
● وسئل حفظه الله: ما حكم الذهاب إلى الجهاد دون إذن ولي الأمر مع أنه يُغفرُ للمجاهدِ من أول قطرة مِن دمه وهل يكون شهيداً؟
فأجاب: إذا عصى ولي الأمر وعصى والديه وذهب فإنه لا يكون مُجاهداً بل يكون عاصياً. 36
________________________________________
1 رواه البخاري (4584) ومسلم (1834) والنسائي (4194) وابن الجارود في المنتقى (1040) وأحمد (3124).
2 أخرجه البخاري (7084) ومسلم (1847) وابن ماجه (3979) والحاكم (386) والبيهقي في السنن الكبرى (16387).
3 رواه البخاري ( 2783) و(2825) ومسلم (1353) و(1864) وأبو داود (2480) والترمذي (1590) والنسائي في السنن الكبرى (8703) وابن حبان (3720).
4 شرح مسلم للنووي (9/128).
5 فتح الباري (6/342).
6 رواه البخاري (3004) و(5972) ومسلم (2549) وأبو داود (2529) والترمذي (1671) والنسائي (3103) وابن حبان (318) و(420) وأحمد (6544) و(6765).
7 رواه مسلم (1848) و(1850) والنسائي (4114) وابن ماجه (3948) وابن حبان (4580) وأحمد (8047) والبيهقي في السنن الكبرى (16388).
8 رواه البخاري (2957) ومسلم (1841) والنسائي (4196) وأحمد (10787).
9 شرح مسلم للنووي (12/434).
10 أنفق الكريمة: أي النفيسة, والغالية.
11 ياسر الشريك: أي ساهل الرفيق وعامله باليسر.
12 رواه أبو داود (2515) والنسائي (3188) و(4195) ومالك في الموطأ (912) والحاكم (2435) والبيهقي في السنن الكبرى (18328) والدارمي (2421) وأحمد (22095) وعبد بن حميد في المنتخب (109) والطبراني في المعجم الكبير (20/91) وفي مسند الشاميين (1159). وابن أبي عاصم في الجهاد (133) و(134) وحسنه الألباني.
13 رواية أحمد (23382).
14 الحديث رواه مسلم (1788) وابن حبان (7125) والبيهقي في السنن الكبرى (18223).
15 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (6/33371).
16 أصول السنة للإمام أحمد ضمن طبقات الحنابلة (1/244).
17 مسائل الإمام أحمد, رواية أبي داود السجستاني, ص316.
18 شرح الطحاوية لابن أبي العز, بتخريج الألباني, ص387.
19 التعليقات المختصرة على العقيدة الطحاوية, ص190.
20 العدة شرح العمدة ص567.
21 المقنع في فقه الإمام أحمد, للموفق ابن قدامة المقدسي رحمه الله, ص89.
22 (13/16).
23 المُحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد (2/341).
24 شرح العقيدة الواسطية للشيخ ابن عثيمين (2/337-338).
25 منهاج السُنة (6/118).
26 الشرح الممتع (8/25).
27 مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب (3/7).
28 هم: الشيخ سعد بن عتيق, والشيخ سليمان بن سحمان, والشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العنقري, والشيخ عمر بن سليم, والشيخ صالح بن عبدالعزيز, والشيخ عبدالله بن حسن, والشيخ عبدالعزيز بن عبداللطيف, والشيخ عمر بن عبداللطيف, والشيخ محمد بن إبراهيم, والشيخ عبدالله بن زاحم, والشيخ محمد بن عثمان, والشيخ عبدالعزيز الشثري, رحمهم الله جميعاً.
29 الدرر السنية في الأجوبة النجدية (9/310).
30 هم: الشيخ عبدالله بن عبداللطيف, والشيخ حسن بن حسين, والشيخ سعد بن عتيق, والشيخ محمد بن عبداللطيف رحمهم الله.
31 الدرر السنية في الأجوبة النجدية (9/95-96).
32 الدرر السنية في الأجوبة النجدية (9/142-143).
33 زيادة توضيحية.
34 تفسير القرآن العظيم لابن عثيمين (3/49).
35 فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة ص205.
36 الفتاوى الشرعية في القضايا العصرية ص159.
رد شبهة أن جهاد الدفع لا يُشترط له إذن الإمام على الاطلاق:
إن قيل: إن جهاد الدفع لا يُشترط له إذن الإمام, قلنا لهم: هذا كلام مجمل, يحتاج إلى تفصيل.
● فإن قالوا المراد بجهاد الدفع: الدفاع عن بلد آخر غير بلدنا, قلنا لهم: هذا لا يسمى جهاد دفع, وإنما جهاد نصرة, ونصرة المسلم لغير المسلم واجبة إن لم يكن هناك مانع منها, ومن الموانع وجود عهدٍ بين المسلمين والكفار لقوله تعالى: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير) [الأنفال 72]. والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينصر أبا بصير وأصحابه, مع حاجتهم للنصرة, لوجود عهدٍ بينه وبين قريش وهو صلح الحديبية, ولم ينصره أحدٌ من الصحابة الذين كانوا تحت إمرة النبي صلى الله عليه وسلم, مما يدل على أن جهاد النصرة لا يكون إلا بعد زوال الموانع, وأنه يُشترط فيه إذن ولي الأمر. وسيأتي قريباً تفصيل القول في جهاد النصرة وأحكامه فلينظر.
● وإن قالوا المراد بجهاد الدفع: الدفاع عن بلدنا في حالة هجوم العدو عليه, قلنا لهم: نشكركم على حرصكم على بلدكم وأهله, ونخبركم أن ولي الأمر أحرصُ منكم على حماية بلده من غزو الأعداء, وأعرف منكم بتحركاته, وكثرته وقلته, وقيامكم بالدفاع وحدكم دون الانضمام ولي الأمر وطاعته, والقتال تحت لوائه, يشتت الجهود, ويُضعف القوى, وهذا هو عين ما يريده الأعداء, لأن هزيمتكم متفرقين أسهل من هزيمتكم مجتمعين متفقين, كما قال الشاعر:
إن الأمور إذا اجتمعن فرامَها بالكسر ذو حَنَقٍ وبطشٍ مُفنِدِ
عزَّت فلم تُكسر, وإن هي بدَّدت فالكسرُ والتوهينُ للمتبدِّدِ
وقال الآخر:
تأبى الرماحُ إذا اجتمعن تكسُّراً فإذا افترقن تكسَّرت آحادا
والصحابة رضي الله عنهم دافعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق (الأحزاب) ولم ينفصلوا عنه, ولم يستبدَّ أحدٌ منهم برأيٍ دون النبي صلى الله عليه وسلم حتى كتب الله لهم النصر, ولنا في قصة حذيفة السابقة خيرُ عظةٍ وعبرةٍ.
ويُستثنى من هذه الصورة ما إذا فاجأ العدو البلد, ولم يكن هناك وقت لإبلاغ ولي الأمر, فحينئذٍ فإنه يجب دفع المعتدي, لما في تركه وتأخر دفعه من المفاسد, ولما جاء في الصحيحين (1) أن غطفان أغاروا على لِقاحٍ للنبي صلى الله عليه وسلم, وكان سلمة بن الأكوع خارجاً من المدينة فلقيه غلامٌ لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فأخبره, فتبعهم وقاتلهم من غير إذن النبي صلى الله عليه وسلم, واستنقذها منهم, ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بل مدحه وقال: (خير رجالتنا سلمة) وأعطاه سهمين سهم الفارس وسهم الراجل, ثم أردفه وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة.
ففي هذه القصة أن سلمة رضي الله عنه عندما لحق القوم لم يكن لديه وقت لاستئذان النبي صلى الله عليه وسلم, ولكن لمَّا لحق به النبيُّ صلى الله عليه وسلم وكان قد استنقذ النوق, عاد ليستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في ملاحقتهم قبل أن يعود إلى المدينة, فقال رضي الله عنه: يا رسول الله خلني فأنتخب من القوم مائة رجل فأتبع القوم فلا يبقى منهم مخبرٌ إلا قتلته. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (يا سلمة أتراك كنت فاعلاً) فقال: نعم, والذي أكرمك. فقال: (إنهم الآن يُقرَونُ في أرض غطفان). فهذا دليل على أنهم كانوا يرون وجوب استئذان ولي الأمر, إلا في حالة مباغتة العدو أرض المسلمين.
قال عبدالله بن الإمام أحمد: سمعتُ أبي يقول: إذا أذن الإمامُ, القومُ يأتيهم النفير فلا بأس أن يخرجوا. قلتُ لأبي: فإن خرجوا بغير إذن الإمام؟ قال: لا, إلا أن يأذن الإمام, إلا أن يكون يفاجئهم أمرٌ مِن العدو ولا يُمكِنُهم أن يستأذنوا الإمام فأرجو أن يكون ذلك دفعاً مِن المسلمين. (2)
ونصَّ على ذلك ابن قدامة رحمه الله في المغني (3) فقال: (... إذا جاء العدو، صار الجهاد عليهم فرض عين, فوجب على الجميع، فلم يَجُز لأحدٍ التخلف عنه، فإذا ثبت هذا, فإنهم لا يخرجون إلا بإذن الأمير، لأن أمر الحرب موكول إليه، وهو أعلم بكثرة العدو وقلتهم، ومكامن العدو وكيدهم، فينبغي أن يُرجع إلى رأيه, لأنه أحوط للمسلمين، إلا أن يتعذر استئذانه لمفاجـأة عدوهم لهم، فلا يجب استئذانه، لأن المصلحة تتعين في قتالهم, والخروج إليهم، لتعين الفساد في تركهم...).
● وإن قالوا المراد بجهاد الدفع: دفع الصائل الذي يصول على النفس والمال, قلنا صحيح أنه في هذه الحالة يجوز القتال دون إذن ولي الأمر, لما روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: (فلا تعطه مالك) قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتله) قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (فأنت شهيد) قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (هو في النار). (4)
ولكن دفع الصائل - كما في هذا الحديث - قتال وليس جهاد, لأنه لا تنطبق عليه ضوابط الجهاد, فهو يجوز قتاله ولكن لا يجوز قتله إلا إذا اضطر إليه, كما قال الشافعي رحمه الله - كما حكاه عنه البيهقي -: أَمَرَ اللهُ بقتال الفئة الباغية, وأمرَ بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم, وليس القتال من القتل بسبيل, قد يحل قتال المسلم ولا يحل قتله, كما يحل جرحه وضربه ولا يحل قتله. (5)
وهذا بخلاف الجهاد الذي يجوز فيه القتال والقتل جميعاً, وأما دفع الصائل فيكون بالأسهل فالأسهل, ولا يَلجأ إلى القتل إلا إذا اضطر إليه, لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن عُدي على مالي؟ قال: (فانشد بالله) قال: فإن أبوا عليَّ؟ قال: (فانشد بالله) قال: فإن أبوا عليَّ؟ قال: (فانشد بالله) قال: فإن أبوا عليَّ؟ قال: (فقاتل فإن قُتِلت ففي الجنة, وإن قَتَلت ففي النار). (6)
ولما رواه النسائي وغيره أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يأتيني فيريد مالي؟ قال: (ذكره بالله) قال: فإن لم يذَّكِر؟ قال: (فاستعن عليه من حولك مَن المسلمين) قال: فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين؟ قال: (فاستعن عليه بالسلطان) قال: فإن نأى السلطانُ عني؟ قال: (قاتل دون مالك, حتى تكون من شهداء الآخرة, أو تمنع مالك). (7)
قال ابن قدامة رحمه الله في الكافي (8): (ويدفع الصائل بأسهل ما يمكن الدفع به، فإن أمكن دفعه بيده، لم يجز ضربه بالعصا، وإن اندفع بالعصا، لم يجز ضربه بحديدة، وإن أمكن دفعه بقطع عضو، لم يجز قتله، وإن لم يمكن إلا بالقتل، قتله ولم يضمنه، لأنه قتل بحق فلم يضمنه كالباغي).
وقال الإمام أحمد: (وقتال اللصوص والخوارج جائز, إذا عَرَضوا للرجل في نفسه وماله, فله أن يقاتل عن نفسه وماله، ويدفع عنهما بكل ما يقدر. وليس له إذا فارقوه أو تركوه أن يطلبهم، ولا يتبع آثارهم، ليس لأحدٍ إلا الإمام أو ولاة المسلمين. إنما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك، وينوي بجهده أن لا يقتل أحداً؛ فإن أتى على بدنه في دفعه عن نفسه في المعركة فأبعد الله المقتول, وإن قُتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجوتُ له الشهادة. كما جاء في الأحاديث. وجميع الآثار في هذا: إنما أَمَرت بقتاله، ولم تأمُر بقتله ولا اتباعه، ولا يُجهز عليه إن صُرع أو كان جريحاً، وإن أخذه أسيراً فليس له أن يقتله، ولا يقيم عليه الحد، ولكن يرفع أمره إلى من ولاَّه الله, فيحكُم فيه). (9)
ومما سبق يتبين أن دفع الصائل يكون بالأسهل فالأسهل وإن قُدِرَ عليه وجب تسليمه للسلطان ولا يُقتل, وإن جُرِحَ لا يُجهز عليه, وبهذا يتبين أنه ليس من الجهاد, لأن هذه ليست صورة الجهاد, فلا يدخل في جهاد الدفع, ولذلك تلاحظ أن الفقهاء - رحمهم الله - لا يضعون باب قتال أهل البغي وباب دفع الصائل ضمن كتاب الجهاد بل ضمن كتاب الحدود.
● ومن المناقشة السابقة يتبين خطأ هذه المقولة: إن جهاد الدفع لا يُشترط له إذن الإمام, على إطلاقها, وإنما هي استثناءٌ - كما في قصة سلمة بن الأكوع رضي الله عنه المتقدمة - قلَّ أن يحدث هذه الأزمان, لأن الدول صار لها على حدودها عيون وجند, وهو ما يُعرف في هذا الزمن باسم: سلاح الحدود, يعرفون المعتدي ويباشرون ردَّه قبل غيرهم من الناس, والله أعلم.
وجزاك الله خيراً
________________________________________
1 تجد القصة في البخاري (3041) و(4194) ومسلم (1806) و(1807) وصحيح ابن حبان (7173) ومسند الإمام أحمد (16587).
2 مسائل الإمام أحمد من رواية ابنه عبدالله. ص258.
3 المغني لابن قدامة (13/33-34).
4 رواه مسلم (140) والبيهقي في السنن الكبرى (5856).
5 السنن الكبرى للبيهقي (8/188).
6 رواه النسائي (4082) و(4083) وأحمد (8456) والبيهقي في السنن الكبرى (17418) وصححه الألباني.
7 رواه النسائي (4081) والطبراني في المعجم الكبير (20/314) وعبد الرزاق في المصنف (18572) وقال الألباني: حسن صحيح.
8 (4/112-113).
9 أصول السنة للإمام أحمد, ضمن طبقات الحنابلة (1/244).
مع تحيات ابن شعيل
أخي قارى هذه المقاله من فقه المسألة جمع مافي الباب ثم تخريج النصوص من حيث الصحة والضعف ومن ثم تحقيق المسألة وانتبه و لصحة الاستدلال