صلفيق ابو قناة
24-07-2004, 13:45
هل صُلِب سفر الحوالي .. كما (صُلِب) المسـيح..؟!
د . محمد الحضيف 22/07/2004
ابتــــداء .. المسيح عليه السلام ، لم يصلب ، " وما قتلوه وما صلبوه .. " ، وعقيدة الصلب .. خرافة .
مساء أمس كنت أشاهد محطة ( CNN ) ، التلفزيونية الإخبارية الأمريكية ، وفجأة ظهر شريط لامع ، لــــ ( خبر عاجل ) .. Breaking News . زاد تركيزي ، وأنا أتابع الشاشة ، عندما ظهر المذيع ، جامد القسمات ، وقال بنبرة حادة وحازمة :
( داهـــــــم أفراد من الشرطة الفيدرالية ( FBI ) ، منزل الكاتب المشــــــــــــــــهور ، الدكتور ( نعوم تشومسكي ) ، وقاموا باعتقاله ، وتفتيش منزله ، ثم اقتادوه إلى مكتبه في الجامعة ، حيث تم تفتيشه كذلك .. بدقة ، ومصادرة عدد كبير ، من الكتب والدراسات والمقالات . في هذه الأثناء ، أصـــــــدرت وزارة الأمن الداخلي بياناً ، يفــــيد بأن ( المدعو ) نعوم تشومسكي ، مسؤول عن الخطاب التحريضي ، واللغة العدائية ، التي تتبناها الجماعات اليمينية المتطرفة ، التي قـــــامت بأعمال عنف وإرهاب متعددة ، ضد أجهزة الحكومة الاتحادية ، ومؤسسات المجتمع المدني .. وثبت للجهات الرسمية ، أن اللغة التي يتبناها تشومسكي ، والآراء التي يروج لها .. معادية للديمقراطية ، ومسؤولة عن ظهور أشخاص متطرفين ، مثل ( تيموثي ماكفي ) ، الذي فجّر مبنى الحكومة الاتحادية لولاية أوكلاهوما ، بسيارة مفخخة ، أدت إلى مقتل 160 موظفاً حكومياً ).
قبل التعليق على خبر ( اعتقال ) تشومسكي ، لابد من وقفة عند عقيدة الصلب ، التي يؤمن بها المسيحيون ، وبعض ( أدعياء ) الليبرالية عندنا . تقوم عقيدة الصلب ، في صورتها الأوليّة ، على مفهوم في غاية البساطة ، مؤدّاه .. أن هنـــــــاك من يجب أن يتحمل أخطـــــــاء الآخــــــــرين ، و ( جرائمهم ) .. نيابة عنهم ، وأن تحميل ذلك الشخص ، أو تلك الجهة .. المسؤولية ، جزء من الإيمان .. وأقصر الطرق ، لادّعاء الطهرانية ، والنزاهة . . و (الوطنية) ، لبعض الفئات .
يعتقد النصارى ، أن الله -تعالى الله عما يقــــولون عـــــــــــلواً كبيراً- قد قدم ( ابنه ) بزعمهم .. المسيح عليه السلام ، فداءً وقرباناً ، ليُقتَلَ ، ويُصـــْـلَب ، ثم يـــكون ما حــدث لـــــــــه ، كفّارة للخطايا والذنوب ، التي يقع فيها أتباعه .. ويفترضون لذلك تفسيراً ، ( يبررون ) من خلاله ، حتميّة الوقوع في المعـــــاصي ، بحجة أن المسيح ، سيتحملها عنهم .
النصارى جعلوا من عيسى المسيح ، عليه السلام ، ( مُخَلّصاً ) .. ومشجباً ، يعلقون عليه خطاياهم ، فتـــــبرأ ســــــــاحة ( واحدهم ) ، من مسؤولية الخـــــــــــطأ ، الــــــذي يرتكبه بمحــض إرادتـــــه ، لأن ( يسوع ) المخلص ، كما يقولون ، قتل و ( صلب ) ، ليتحمل وزر الخطايا ، عمن يؤمنون به . من ذلـــــك .. أن راعي الكنيسة اللوثرية ، القس المشــهور ، ( جيمي سواجرت ) ، لما مُسك متلبساً بجريمة الزنا ، جاء في اليوم التالي إلى كنيسته ، ليرأس ( الصلاة ) فيها ، بحضور آلاف ( المصلين ) ، ثم يبكي .. أو يتـــباكى ، ويقول : هذا هو المعنى الحقيقي ليسوع المخلص ! ما معنى أن يكون مخلّصاً ، إن لم أخطئ ، فيغفر لي ، و ( يخلصني ) .. ؟
صـــــــــفّق الحـــــــضور ، وتعالت الصرخات ( ها لا لـــويا ) .. وأنـــــــهالت التبرعات ، وبـــــــقي ( سواجرت ) ، رئيساً للكنيسة ، وأنموذجاً مكرراً لأفراد ، ولجمهور غفير .. ساذج ، يمارس الخطيئة ، ويلقي بمسؤوليتها على ( مُخَلّص ) ما .. أو ( مسيح ) صَلَبَه ، ليُحَمّلهُ وزر عمل .. لم يقم به ، وليس مسؤولاً عنه .
أدعياء الليبرالية عندنا ، يؤمنون بعقيدة الصلب .. أو على وجه الدقة ، بمفهوم مشابه لها . منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، التي أعلنت بداية الحملة الأمــــــــــــــريكية ، على ( كل ) ما هو إســـلامي ، باسم الحرب على ( الإرهاب ) .. طفقت أسماء معينة ، تنسب نفسها للوطنية والليبرالية ، تبحث لها عن ( مسيح ) تصلبه ، وتمارس من خلاله الخطيئة وتقترف الخطايا .. بدعوى ( الإيمان ) بالوطن .
من هو ( المسيح ) الذي يجب أن يصلب ، ويحمل الخطايا ، عند أدعياء الليبرالية لدينا .. يوم امتحن الوطن ؟ الصحوة.. ومفرداتها : الوهابية ، المناهج ، المراكز الصيفية ، رموز الصحوة ومفكروها .. صارت ( مسيحاً ) ، يحمل أوزار الخاطئين .
في وقت من الأوقات ، كان ينظر للــــــوهابية ، على أنها عامل توحيد للهـــــــــوية الـــــــــــوطنية .. وكانت ( الصحوة ) تستدعى، للحد من تفشي ظاهرة المخـــدرات ، و يستعان بها لتقويم أصحاب الجنح في السجون .. ولملء أوقات فراغ الشباب ، الذين تهدد بطالتهم ، وتسيبهم .. الأمن الاجتماعي . كان شباب الصــــحوة ، ( يشجعون ) على السفر إلى البؤر المتوترة ، وجبهات القتال . تُعطى لهم التسهيلات ، وتذاكر الطيران المخفضة .. ليقدموا الغوث والعون ، الذي ( تترنم ) به وسائل الإعلام الرسمية ، بوصفه منجزاً (حكومياً) .. وليساهموا في حركة ( الجهاد ) ، التي أثبتت أنها الوحيدة ، القادرة على دحر المــــــــــــــد ( الشيوعي ) .. دون أن يعنيها ، أن تكون طـــــــرفاً في ( حرب باردة ) .. أو يكون جهـــــــــــادها .. ( حرباً بالوكالة ) .
الصحوة الآن ، بكل مفرداتها ورجالها ، ونتاجها الفكري .. ( تُصْلَبْ ) ، وتُحّمل خطايا الســـياسيين ، الذين كانوا ( بيادق ) في الحرب الباردة ، وحروب الوكالة . الصحوة الآن .. تُصــلب ، لتحمل أوزار أدعياء الليبرالية .. ممثلي الثقافة الخصم ، والقوة العدو ، من الذين رهنوا مصير الأمة ، مرّة للغرب ، و تارة للشرق ، في لعبة تبديل (ولاءات)، قادت الأمة إلى التبعيّة ، و كرست تخلفها المادي و الحضاري .. أو أولئك الذين ظهروا (فجأة) ، ممن حملتهم سحب دخان حريق الحادي عشر من سبتمبر ، و قذفتهم في سمائنا ، بقعًا من الظلام .. أين منها (الهداية) .. ؟!
قبل شهر أعلنت الدولة ، عبر بيان تلاه ولي العهد ، الأمير عبد الله ، مبادرة عفو عن المطلوبين أمنياً ، ممن يشتبه في مشاركتهم في أحداث العنف ، التي عصفت بالبلاد ، وعكرت صفو الأمن ، الذي ظللها طويلاً . كان واضحاً أن المبادرة ، في غايتها النهائية ، تسعى لخلق شعور بالأمان ، وصنع أجواء ثقة ، تدفع ( بعض ) المتورطين ، لنبذ العنف ، والانخراط في نسيج المجتمع ، واعتماد الحوار لغة ، في حل الاختلافات الفكرية .
بعد إعلان المبادرة ، التي اشتملت على إسقاط (الحق العام) .. حق الدولة ، عن أي مطلوب يسلم نفسه ، خلال مدة العفو .. اقترح الشيخ الدكتور سفر الحوالي ، إسقاط ( الحق الخاص ) .. كذلك ، عن المطلوبين ، لدفعهم لتسليم أنفسهم للسلطة .
رأى الشيخ سفر ، أن عدم إسقاط الحق الخاص ، يمثل ثغرة في المبادرة ، ويحول دون تحقيقها للهدف ، الذي تم الإعلان عنها من أجله ، المتمثل في تشجيع أفراد جماعات العنف ، على التخلي عن أعمال العنف ، والممارسات المخلة بالأمن ، مقابل ( العفو ) عنهم . استند الشـــــــــيخ ســـــــــــــــــــفر في اقتراحه ذاك ، على شواهد ومبررات شرعية ، إضـــــــافةً إلى رؤية ( منطقية ) للأحداث .. يتفق معه كثيرون حولها . ينطلق الشيخ في تلك الرؤية ، من أن مسألة الحق الخاص ، التي توقفت المبادرة فيها ، و لم تكن واضحة حيالها ، سوف يفهمها المطلوبون أمنياً ، على أنها محاولة التفاف من الدولة ، على مبادرة العفو ، وطريق رجعه ، سوف تستخدمه للتنصل من التزامها بالعفو ، عن الذي يسلّم نفسه .
اقتراح الشيخ سفر ، لا يعدو أن يكون رأياً قابلاً للنـــــــــــقاش .. فما الذي حدث ؟ ! انــــــبرى ( الوطنيون ) ، أدعياء الليبرالية ، لتصفية حساباتهم الخاصة .. على حساب الوطن . رفعوا (أهواءً شخصية ) ، إلى مستوى (المصلحة الوطنية) ، و رفعوا سفر الحوالي ، ممثلاً للصحوة ، ولتيار .. هم يكرهونه ، و( صلبوه ) ، ثم عادوا يقترفون الخطايا ، و ينسبونها له .. لـ (يحملها) عنهم . الوطن يحاول أن يلملم جراحه .. ويمد يداً ، لسفر ، و لكل مخلص .. ليوقف النزيف ، و يطفئ النار ، و هم معنيون بـ (أجندتهم) الخاصة .. يشككون في النوايا ، و يفشلون المساعي .. و يرتكبون (الخطايا) ..!
إحدى الصحف اليومية (الكبيرة) ، و هي مثال ، لأمثلة كثيرة ، تكررت في وسائل الإعلام الرسمية .. يكتب رئيس تحريرها ، محذرًا من الاقتراح ، و مستشرفَا مستقبلاً (مظلمًا) للوطن ، إذا ما عُفي عن هؤلاء الشباب ، وأعيد دمجهم في المجتمع ! يثنّي أحد موظفيه على (رؤيته) ، فيرصف (متابعات) على صفحة كاملة ، (يراجع) فيها كتب الشيخ سفر الحوالي ، ليقرر أنه هو الذي (أسس) للعنف و الإرهاب ، من خلال خطاب حدي أحادي ، كما يقول ، و أن مساعيه لوقف العنف .. بالتالي ، ليست صادقة . ليس مهمًّا أن يقف نزيف الوطن عند هؤلاء ، و لا أن تُطفأ النيران ، التي تلتهم أمنه و استقراره ، و تحرق مكتسباته . المهم ألاّ ينسب هذا (الشرف) للصحوة ، و أحد رموزها .
في بداية هذه المقالة ، أوردت (خبراً) مفترضًا ، عن (اعتقال) مزعوم ، للكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي . تشومسكي لم يعتقل ، و لن يعتقل .. أو يفتش بيته ، أو تصادر أشياؤه الخاصة ، و هو الذي يكتب منذ أكثر من 20 عاماً ، بلغة عنيفة و قاسية .. و (متطرفة) أحيانًا ، منتقداً السياسة الخارجية الأمريكية ، و مؤسسة الحكم الأمريكية .
ما دمنا إزاء خبر افتراضي .. دعونا (نفترض) ماذا يمكن أن يحدث لتشومسكي ، لو كان عندنا ؟ ماذا سيقول عنه رئيس التحرير (المذكور) ، و موظفو جريدته ؟ كم من (جرائم) العنف و الإرهاب ، سيُحمّل خطابه ؟ تشومسكي في بلده ، رغم خطابه العنيف ، و هجومه المطرد على السياسة الأمريكية ، و نقده الساخر لها ، لم يتهمه أحد بأنه (ينظّر) للعنف ، أو أنه عدوٌّ للديموقراطية .. فضلاً عن السياسة الأمريكية .. ناهيك .. أن يكون (خطراً) ، على استقرار بلده ، الولايات المتحدة الأمريكية .
اليوم الخميس 5/6/1425 ، تنتهي المهلة ، التي عرضتها مبادرة العفو ، لتسليم المطلوبين أنفسهم .. لم يكن هناك كثير نجاح . هل من حقنا ، بناء على ذلك ، أن نسأل أسئلة مشروعة :
- هل ساهمت الحملة على الصحوة ، و على الشيخ سفر الحوالي ، في إفشال مبادرة العفو ؟
- هل أدت الحملة (الليبرالية) ، إلى ضرب مصداقية الشيخ سفر لدى المطلوبين ، و إفشال مساعيه في إنجاح المبادرة ، و حقن الدماء ؟
- هل (قرأ) المطلوبون أمنيًّا ، أطروحات أدعياء الليبرالية ، على أنها هي الموقف (الحقيقي) للحكومة ، فشككوا في صدقية الدولة ، و اعتبروا المبادرة ، مجرد فخ لاستدراجهم ؟
مقال رائع جداً أحببت مشاركتكم قرائته للفائدة والاستمتاع
د . محمد الحضيف 22/07/2004
ابتــــداء .. المسيح عليه السلام ، لم يصلب ، " وما قتلوه وما صلبوه .. " ، وعقيدة الصلب .. خرافة .
مساء أمس كنت أشاهد محطة ( CNN ) ، التلفزيونية الإخبارية الأمريكية ، وفجأة ظهر شريط لامع ، لــــ ( خبر عاجل ) .. Breaking News . زاد تركيزي ، وأنا أتابع الشاشة ، عندما ظهر المذيع ، جامد القسمات ، وقال بنبرة حادة وحازمة :
( داهـــــــم أفراد من الشرطة الفيدرالية ( FBI ) ، منزل الكاتب المشــــــــــــــــهور ، الدكتور ( نعوم تشومسكي ) ، وقاموا باعتقاله ، وتفتيش منزله ، ثم اقتادوه إلى مكتبه في الجامعة ، حيث تم تفتيشه كذلك .. بدقة ، ومصادرة عدد كبير ، من الكتب والدراسات والمقالات . في هذه الأثناء ، أصـــــــدرت وزارة الأمن الداخلي بياناً ، يفــــيد بأن ( المدعو ) نعوم تشومسكي ، مسؤول عن الخطاب التحريضي ، واللغة العدائية ، التي تتبناها الجماعات اليمينية المتطرفة ، التي قـــــامت بأعمال عنف وإرهاب متعددة ، ضد أجهزة الحكومة الاتحادية ، ومؤسسات المجتمع المدني .. وثبت للجهات الرسمية ، أن اللغة التي يتبناها تشومسكي ، والآراء التي يروج لها .. معادية للديمقراطية ، ومسؤولة عن ظهور أشخاص متطرفين ، مثل ( تيموثي ماكفي ) ، الذي فجّر مبنى الحكومة الاتحادية لولاية أوكلاهوما ، بسيارة مفخخة ، أدت إلى مقتل 160 موظفاً حكومياً ).
قبل التعليق على خبر ( اعتقال ) تشومسكي ، لابد من وقفة عند عقيدة الصلب ، التي يؤمن بها المسيحيون ، وبعض ( أدعياء ) الليبرالية عندنا . تقوم عقيدة الصلب ، في صورتها الأوليّة ، على مفهوم في غاية البساطة ، مؤدّاه .. أن هنـــــــاك من يجب أن يتحمل أخطـــــــاء الآخــــــــرين ، و ( جرائمهم ) .. نيابة عنهم ، وأن تحميل ذلك الشخص ، أو تلك الجهة .. المسؤولية ، جزء من الإيمان .. وأقصر الطرق ، لادّعاء الطهرانية ، والنزاهة . . و (الوطنية) ، لبعض الفئات .
يعتقد النصارى ، أن الله -تعالى الله عما يقــــولون عـــــــــــلواً كبيراً- قد قدم ( ابنه ) بزعمهم .. المسيح عليه السلام ، فداءً وقرباناً ، ليُقتَلَ ، ويُصـــْـلَب ، ثم يـــكون ما حــدث لـــــــــه ، كفّارة للخطايا والذنوب ، التي يقع فيها أتباعه .. ويفترضون لذلك تفسيراً ، ( يبررون ) من خلاله ، حتميّة الوقوع في المعـــــاصي ، بحجة أن المسيح ، سيتحملها عنهم .
النصارى جعلوا من عيسى المسيح ، عليه السلام ، ( مُخَلّصاً ) .. ومشجباً ، يعلقون عليه خطاياهم ، فتـــــبرأ ســــــــاحة ( واحدهم ) ، من مسؤولية الخـــــــــــطأ ، الــــــذي يرتكبه بمحــض إرادتـــــه ، لأن ( يسوع ) المخلص ، كما يقولون ، قتل و ( صلب ) ، ليتحمل وزر الخطايا ، عمن يؤمنون به . من ذلـــــك .. أن راعي الكنيسة اللوثرية ، القس المشــهور ، ( جيمي سواجرت ) ، لما مُسك متلبساً بجريمة الزنا ، جاء في اليوم التالي إلى كنيسته ، ليرأس ( الصلاة ) فيها ، بحضور آلاف ( المصلين ) ، ثم يبكي .. أو يتـــباكى ، ويقول : هذا هو المعنى الحقيقي ليسوع المخلص ! ما معنى أن يكون مخلّصاً ، إن لم أخطئ ، فيغفر لي ، و ( يخلصني ) .. ؟
صـــــــــفّق الحـــــــضور ، وتعالت الصرخات ( ها لا لـــويا ) .. وأنـــــــهالت التبرعات ، وبـــــــقي ( سواجرت ) ، رئيساً للكنيسة ، وأنموذجاً مكرراً لأفراد ، ولجمهور غفير .. ساذج ، يمارس الخطيئة ، ويلقي بمسؤوليتها على ( مُخَلّص ) ما .. أو ( مسيح ) صَلَبَه ، ليُحَمّلهُ وزر عمل .. لم يقم به ، وليس مسؤولاً عنه .
أدعياء الليبرالية عندنا ، يؤمنون بعقيدة الصلب .. أو على وجه الدقة ، بمفهوم مشابه لها . منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، التي أعلنت بداية الحملة الأمــــــــــــــريكية ، على ( كل ) ما هو إســـلامي ، باسم الحرب على ( الإرهاب ) .. طفقت أسماء معينة ، تنسب نفسها للوطنية والليبرالية ، تبحث لها عن ( مسيح ) تصلبه ، وتمارس من خلاله الخطيئة وتقترف الخطايا .. بدعوى ( الإيمان ) بالوطن .
من هو ( المسيح ) الذي يجب أن يصلب ، ويحمل الخطايا ، عند أدعياء الليبرالية لدينا .. يوم امتحن الوطن ؟ الصحوة.. ومفرداتها : الوهابية ، المناهج ، المراكز الصيفية ، رموز الصحوة ومفكروها .. صارت ( مسيحاً ) ، يحمل أوزار الخاطئين .
في وقت من الأوقات ، كان ينظر للــــــوهابية ، على أنها عامل توحيد للهـــــــــوية الـــــــــــوطنية .. وكانت ( الصحوة ) تستدعى، للحد من تفشي ظاهرة المخـــدرات ، و يستعان بها لتقويم أصحاب الجنح في السجون .. ولملء أوقات فراغ الشباب ، الذين تهدد بطالتهم ، وتسيبهم .. الأمن الاجتماعي . كان شباب الصــــحوة ، ( يشجعون ) على السفر إلى البؤر المتوترة ، وجبهات القتال . تُعطى لهم التسهيلات ، وتذاكر الطيران المخفضة .. ليقدموا الغوث والعون ، الذي ( تترنم ) به وسائل الإعلام الرسمية ، بوصفه منجزاً (حكومياً) .. وليساهموا في حركة ( الجهاد ) ، التي أثبتت أنها الوحيدة ، القادرة على دحر المــــــــــــــد ( الشيوعي ) .. دون أن يعنيها ، أن تكون طـــــــرفاً في ( حرب باردة ) .. أو يكون جهـــــــــــادها .. ( حرباً بالوكالة ) .
الصحوة الآن ، بكل مفرداتها ورجالها ، ونتاجها الفكري .. ( تُصْلَبْ ) ، وتُحّمل خطايا الســـياسيين ، الذين كانوا ( بيادق ) في الحرب الباردة ، وحروب الوكالة . الصحوة الآن .. تُصــلب ، لتحمل أوزار أدعياء الليبرالية .. ممثلي الثقافة الخصم ، والقوة العدو ، من الذين رهنوا مصير الأمة ، مرّة للغرب ، و تارة للشرق ، في لعبة تبديل (ولاءات)، قادت الأمة إلى التبعيّة ، و كرست تخلفها المادي و الحضاري .. أو أولئك الذين ظهروا (فجأة) ، ممن حملتهم سحب دخان حريق الحادي عشر من سبتمبر ، و قذفتهم في سمائنا ، بقعًا من الظلام .. أين منها (الهداية) .. ؟!
قبل شهر أعلنت الدولة ، عبر بيان تلاه ولي العهد ، الأمير عبد الله ، مبادرة عفو عن المطلوبين أمنياً ، ممن يشتبه في مشاركتهم في أحداث العنف ، التي عصفت بالبلاد ، وعكرت صفو الأمن ، الذي ظللها طويلاً . كان واضحاً أن المبادرة ، في غايتها النهائية ، تسعى لخلق شعور بالأمان ، وصنع أجواء ثقة ، تدفع ( بعض ) المتورطين ، لنبذ العنف ، والانخراط في نسيج المجتمع ، واعتماد الحوار لغة ، في حل الاختلافات الفكرية .
بعد إعلان المبادرة ، التي اشتملت على إسقاط (الحق العام) .. حق الدولة ، عن أي مطلوب يسلم نفسه ، خلال مدة العفو .. اقترح الشيخ الدكتور سفر الحوالي ، إسقاط ( الحق الخاص ) .. كذلك ، عن المطلوبين ، لدفعهم لتسليم أنفسهم للسلطة .
رأى الشيخ سفر ، أن عدم إسقاط الحق الخاص ، يمثل ثغرة في المبادرة ، ويحول دون تحقيقها للهدف ، الذي تم الإعلان عنها من أجله ، المتمثل في تشجيع أفراد جماعات العنف ، على التخلي عن أعمال العنف ، والممارسات المخلة بالأمن ، مقابل ( العفو ) عنهم . استند الشـــــــــيخ ســـــــــــــــــــفر في اقتراحه ذاك ، على شواهد ومبررات شرعية ، إضـــــــافةً إلى رؤية ( منطقية ) للأحداث .. يتفق معه كثيرون حولها . ينطلق الشيخ في تلك الرؤية ، من أن مسألة الحق الخاص ، التي توقفت المبادرة فيها ، و لم تكن واضحة حيالها ، سوف يفهمها المطلوبون أمنياً ، على أنها محاولة التفاف من الدولة ، على مبادرة العفو ، وطريق رجعه ، سوف تستخدمه للتنصل من التزامها بالعفو ، عن الذي يسلّم نفسه .
اقتراح الشيخ سفر ، لا يعدو أن يكون رأياً قابلاً للنـــــــــــقاش .. فما الذي حدث ؟ ! انــــــبرى ( الوطنيون ) ، أدعياء الليبرالية ، لتصفية حساباتهم الخاصة .. على حساب الوطن . رفعوا (أهواءً شخصية ) ، إلى مستوى (المصلحة الوطنية) ، و رفعوا سفر الحوالي ، ممثلاً للصحوة ، ولتيار .. هم يكرهونه ، و( صلبوه ) ، ثم عادوا يقترفون الخطايا ، و ينسبونها له .. لـ (يحملها) عنهم . الوطن يحاول أن يلملم جراحه .. ويمد يداً ، لسفر ، و لكل مخلص .. ليوقف النزيف ، و يطفئ النار ، و هم معنيون بـ (أجندتهم) الخاصة .. يشككون في النوايا ، و يفشلون المساعي .. و يرتكبون (الخطايا) ..!
إحدى الصحف اليومية (الكبيرة) ، و هي مثال ، لأمثلة كثيرة ، تكررت في وسائل الإعلام الرسمية .. يكتب رئيس تحريرها ، محذرًا من الاقتراح ، و مستشرفَا مستقبلاً (مظلمًا) للوطن ، إذا ما عُفي عن هؤلاء الشباب ، وأعيد دمجهم في المجتمع ! يثنّي أحد موظفيه على (رؤيته) ، فيرصف (متابعات) على صفحة كاملة ، (يراجع) فيها كتب الشيخ سفر الحوالي ، ليقرر أنه هو الذي (أسس) للعنف و الإرهاب ، من خلال خطاب حدي أحادي ، كما يقول ، و أن مساعيه لوقف العنف .. بالتالي ، ليست صادقة . ليس مهمًّا أن يقف نزيف الوطن عند هؤلاء ، و لا أن تُطفأ النيران ، التي تلتهم أمنه و استقراره ، و تحرق مكتسباته . المهم ألاّ ينسب هذا (الشرف) للصحوة ، و أحد رموزها .
في بداية هذه المقالة ، أوردت (خبراً) مفترضًا ، عن (اعتقال) مزعوم ، للكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي . تشومسكي لم يعتقل ، و لن يعتقل .. أو يفتش بيته ، أو تصادر أشياؤه الخاصة ، و هو الذي يكتب منذ أكثر من 20 عاماً ، بلغة عنيفة و قاسية .. و (متطرفة) أحيانًا ، منتقداً السياسة الخارجية الأمريكية ، و مؤسسة الحكم الأمريكية .
ما دمنا إزاء خبر افتراضي .. دعونا (نفترض) ماذا يمكن أن يحدث لتشومسكي ، لو كان عندنا ؟ ماذا سيقول عنه رئيس التحرير (المذكور) ، و موظفو جريدته ؟ كم من (جرائم) العنف و الإرهاب ، سيُحمّل خطابه ؟ تشومسكي في بلده ، رغم خطابه العنيف ، و هجومه المطرد على السياسة الأمريكية ، و نقده الساخر لها ، لم يتهمه أحد بأنه (ينظّر) للعنف ، أو أنه عدوٌّ للديموقراطية .. فضلاً عن السياسة الأمريكية .. ناهيك .. أن يكون (خطراً) ، على استقرار بلده ، الولايات المتحدة الأمريكية .
اليوم الخميس 5/6/1425 ، تنتهي المهلة ، التي عرضتها مبادرة العفو ، لتسليم المطلوبين أنفسهم .. لم يكن هناك كثير نجاح . هل من حقنا ، بناء على ذلك ، أن نسأل أسئلة مشروعة :
- هل ساهمت الحملة على الصحوة ، و على الشيخ سفر الحوالي ، في إفشال مبادرة العفو ؟
- هل أدت الحملة (الليبرالية) ، إلى ضرب مصداقية الشيخ سفر لدى المطلوبين ، و إفشال مساعيه في إنجاح المبادرة ، و حقن الدماء ؟
- هل (قرأ) المطلوبون أمنيًّا ، أطروحات أدعياء الليبرالية ، على أنها هي الموقف (الحقيقي) للحكومة ، فشككوا في صدقية الدولة ، و اعتبروا المبادرة ، مجرد فخ لاستدراجهم ؟
مقال رائع جداً أحببت مشاركتكم قرائته للفائدة والاستمتاع