تذكار
25-04-2004, 15:26
بيان حول تفجير الرياض الحاصل في مقر المرور
يوم الأربعاء 2/3/1425هـ
بقلم الفقير إلى عفو ربه
محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفراج
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإن العقل ليذهل، وإن الفكر ليحار، وإن كل مسلم مشفق على دين هذه الأمة وأمنها واستقرارها ليرقب هذه الأحداث والفتن التي بُلي بها المسلمون وبدأت أحداثها تتلاحق ومراجلها تغلي، ومراحلها تتطور بقلب وجل أن تنتهي إلى فتنة عامة تأكل الأخضر واليابس لا يدري القاتل فيها: فيم قَتَل؟، ولا المقتول: فيم قُتِل.
ولقد تكلم الناصحون من أهل العلم وغيرهم، وعلّقوا على هذه الأحداث وكل أدلى بدلوه، منطلقين من منطلقات شتى، مجتمعين على إدانة الحدث واستنكاره، وهو حقيق وجدير بالإنكار والاستنكار والتنديد والبراءة منه، ومن فاعله.
وبراءةً للذمة، ونصحاً للأمة، وخاصة أنه كثر سؤالي عن موقفي ورأيي، كتبت جواباً لذلك هذه الأسطر سائلاً الله العون والتسديد والعصمة من الزلل والخلل موضحاً ما يأتي:
أولاً: أن هذا التفجير منكر عظيم وجرم جسيم، وشر مستطير، وتطورٌ للأحداث خطير، مهما كان فاعله، ومهما كانت حجته ودافعه؛ وذلك لما اشتمل عليه من مفاسد، وشرور عظيمة، واقعة أو متوقعة:
فمنها قتل الأنفس المسلمة البريئة ظلماً وعدواناً، وفي هذه الأنفس نساء وأطفال، قال الله سبحانه: "أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً" (المائدة: من الآية32)، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر قتل النساء الكافرات فكيف بالمسلمات، ولا يقبل أبداً قولهم: ما قصدنا، فإن قتلهم في مثل هذه الأعمال من شبه المؤكد وهو داخل في قتل العمد العدوان.
ومنها: أنه إشاعة للهلع والفزع في الأوساط المسلمة الآمنة، وإذا كان متوعداً بأشد العقوبات من روع مسلماً واحداً فكيف بمجموع المسلمين.
ومنها: أنه خلخلة للأمن، وإثارة للهرج، وفتح لأبواب الفوضى.
ومنها: أنه من صور التدمير الشامل، التي لا تفرق ولا تميز بين أحد وأحد، فهو قيام على المسلمين برِّهم وفاجرهم، وكفى بذلك إثماً عظيماً.
وفيه أيضاً مع إزهاق الأرواح تدمير المساكن وخلخلة البنيان وإتلاف الممتلكات وإحراق السيارات، كما شاهدناه واضحاً وصريحاً، وهذا ولا شك داخل في قوله تعالى: "وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ" (البقـرة:205).
ومنها: ما يجره من شرور عظيمة وجناية على الأبرياء وتوسيع دائرة الاعتقالات وإعاقة المسلمين بالتفتيشات، وتعطيل المصالح الدعوية والإغاثية وتسليط الكافرين على المسلمين، والواقع على هذا خير شاهد.
وكفى بهذه المفاسد، بل ببعضها دليلاً على تأثيم الفعل وفاعله وتجريمه.
ثانياً: ليُعلم أن أعداء هذه الأمة المسلمة الموحدة كثيرون، وهي أمة مستهدفة ومحسودة على ما تنعم به من خيرات وبركات ظاهرة وباطنة في الدين والدنيا وكل ذي نعمة محسودٌ، وأجل هذه النعم نعمة الدين والإسلام، قال الله تعالى: "وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ" (البقرة: من الآية109).
وفي مقدمة أعداء الأمة اليهود والنصارى، ومن يخدم أهدافهم ويحقق أغراضهم من المنافقين والرافضة وغيرهم، وكل هؤلاء مستفيدون من خلخلة أمنها وتفريق كلمتها، وتكدير صفوها، والمؤمن كيسٌ فطن لا تخفى عليه خطط القوم واستغلالهم لأغرار شبابها، ويرى في تحركاتهم، وقراراتهم، وإغلاق سفاراتهم، وإجلاء رعاياهم ما يزيده قناعة بمكرهم الكبار مكر الليل والنهار، "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال: من الآية30).
ثالثاً: ولا ينبغي لأولئك الملبسين المغالطين أن يستغلوا مثل هذا الحدث لتشكيك المسلمين، والنيل من أحكام الشريعة، ومسلمات الدين زوراً وبهتاناً كما هي عادتهم في كل مرة، يجدونها فرصة لاتهام المناهج الشرعية، وحلق تحفيظ القرآن الكريم وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله؛ فإن الجهاد في سبيل الله على وجهه الصحيح، ومواقعه الحقيقية في ثغور الجهاد، ورباطاته هو ذروة سنام الدين، وخير وسيلة لقمع الظالمين، وطرد الغزاة المحتلين من اليهود الغاصبين، والنصارى الصليبيين، والملاحدة الشيوعيين وغيرهم من أعداء الدين، وهو الذي يحفظ الله به الملة، ويصون الحرمة، ويحمي الحوزة ويكون الدين كله لله.
كما أنه التفريغ السليم لشحنات الغيظ الكامنة، والحماس المتأجج في صدور المؤمنين، جراء ما يشاهدونه من صور الاعتداء الغاشم على المسلمين وقهر الكافرين وهذا الحماس إذا كبت، رجع على أهله بشَرٍّ عظيم، قال الله تعالى: "وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ" (التوبة: 14، 15).
وفتيانِ هيجاءٍ تجيش صدورها
بأحقادها حتى تضيق دُروعُها
تقطِّعُ من وترٍ أعزَّ نفوسها
عليها بأيدٍ لا تكاد تطيعُها
إذا احتربت يوماً ففاضت دماؤها
تذكرت القربى ففاضت دموعُها
والجهاد بهذا المعنى الصحيح، يجب إقامته ومظاهرة أهله، ولا تجوز ملاحقتهم، ولا إيذاؤهم، والمسلمون بحاجة إلى نصرتهم.
وإذا كانت دول الكفر والإجرام على جبروتها الحربي، وجيوشها الجرارة تحشد أنصارها من الدول الغنية والفقيرة، والقوية والضعيفة، فأولى بالمسلمين ثم أولى، أن يتناصروا على ضعفهم وقلتهم.
رابعاً: وشأن المؤمنين المجاهدين أنهم كما بيّن القرآن الكريم: أشداء على الكفار، رحماء بينهم، أذلةٍ على المؤمنين، أعزة على الكافرين، وهم أعظم الناس لله وقاراً وخشية وأشدهم ورعاً واتقاء للمتشابه، فضلاً عن المحارم، وليس من أخلاق المجاهد بحال الجرأة على المحارم والمتشابهات والتوسع في التأويلات، كالإقدام على تفجير الأنفس، وقتل الغير وقطع الطرق على المسلمين، وتهديدهم بالسلاح، والاستيلاء على سياراتهم مهما كان الدافع، بل هذا من أخلاق قطاع الطرق والمفسدين في الأرض.
خامساً: ولا يغيب أن نذكر بأسباب هذه الفتن، ولا ينبغي أن نذهب كل مذهب في تفسيرها، وننسى السبب الرئيس، وهو الذنوب التي تبيد الشعوب، وتزيل النعم، وتجلب النقم، قال الله تعالى: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ" (الشورى: من الآية30)، وقال: "أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ" (آل عمران: من الآية165)، وقال سبحانه: "وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ" (النساء: من الآية79)، وهذا الخطاب للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والذي قبله لأصحابه، فكيف لا يتوجه لها؛ ونحن على حال من الذنوب والمعاصي عظيم، وقال تعالى: "قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ" (الأنعام: من الآية65) وما نحن فيه داخل في هذا، فقد أذاق الله بعضنا بأس بعض، نسأل الله العافية ونعوذ به من مزيد البلاء، وكم حذر الناصحون من هذا زمناً طويلاً، وقال سبحانه مبيناً عقوبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (آل عمران:104، 105).
والمتأمل في حال الناس اليوم يرى العجب العجاب من صور الشر ومظاهر الذنوب حتى استعلن أهل البدع ببدعهم، وأهل الزندقة بزندقتهم حتى سُبَّ الله ورسوله علانية، ونيل من أحكام الدين كالحجاب وغيره، وأمر القنوات الفضائية وما تشيعه من برامج الفاحشة والمجون لا يخفى على بصير، وحصل التوسع في مشاريع الاختلاط وإقحام المرأة في كل ميدان، إلى غير ذلك من أمور لا تخفى، والناس إنما يطالبون بما هم قادرون عليه من التغيير في بيوتهم وأسرهم وأنفسهم ومناصحة من ولي أمرهم.
وإذا كان الأمر كذلك فأساس العلاج هو التوبة النصوح والرجوع إلى الله والتضرع إليه لكشف البلاء عن الأمة حتى تتألف القلوب مرة أخرى "وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ" (الأنفال: من الآية63)، "فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الأنعام:43)، ولا بد من القيام لله بأمره وإشاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على يد السفيه وأطره على الحق ولو كان السفيه دكتوراً أو كبيراً، والتعاون بين المسلمين كافة لحفظ الأمن وضبطه والوقوف أمام كل عابث به.
وختاما ً: أدعو شباب المسلمين إلى التبصر والتنور والتزود من العلم النافع واتهام الرأي في الدين، ومن زلت به قدم أن يعود لله ويرجع فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولو قتل مائة نفس كما في الحديث.
وأسأل الله أن يحفظ علينا أمننا وإيماننا، وسلمنا وإسلامنا، وإن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يكفي المسلمين شرها، وأن ينصر المجاهدين الصادقين في مشارق الأرض ومغاربها.
كما أسأله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وأن يرحم المتوفين من المسلمين في هذا الحادث وغيره ويلهم ذويهم الصبر واليقين، وأن يشفي المرضى والجرحى آمين.
وصلى الله وسلم وبارك على عبد ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
وفيما يلي صورة البيان مكتوب بخط بيد الشيخ محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفراج حفظه الله
http://www.almoslim.net/images/bf1.JPG
http://www.almoslim.net/images/bf2.JPG
http://www.almoslim.net/images/bf3.JPG
http://www.almoslim.net/images/bf4.JPG
http://www.almoslim.net/images/bf5.JPG
يوم الأربعاء 2/3/1425هـ
بقلم الفقير إلى عفو ربه
محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفراج
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإن العقل ليذهل، وإن الفكر ليحار، وإن كل مسلم مشفق على دين هذه الأمة وأمنها واستقرارها ليرقب هذه الأحداث والفتن التي بُلي بها المسلمون وبدأت أحداثها تتلاحق ومراجلها تغلي، ومراحلها تتطور بقلب وجل أن تنتهي إلى فتنة عامة تأكل الأخضر واليابس لا يدري القاتل فيها: فيم قَتَل؟، ولا المقتول: فيم قُتِل.
ولقد تكلم الناصحون من أهل العلم وغيرهم، وعلّقوا على هذه الأحداث وكل أدلى بدلوه، منطلقين من منطلقات شتى، مجتمعين على إدانة الحدث واستنكاره، وهو حقيق وجدير بالإنكار والاستنكار والتنديد والبراءة منه، ومن فاعله.
وبراءةً للذمة، ونصحاً للأمة، وخاصة أنه كثر سؤالي عن موقفي ورأيي، كتبت جواباً لذلك هذه الأسطر سائلاً الله العون والتسديد والعصمة من الزلل والخلل موضحاً ما يأتي:
أولاً: أن هذا التفجير منكر عظيم وجرم جسيم، وشر مستطير، وتطورٌ للأحداث خطير، مهما كان فاعله، ومهما كانت حجته ودافعه؛ وذلك لما اشتمل عليه من مفاسد، وشرور عظيمة، واقعة أو متوقعة:
فمنها قتل الأنفس المسلمة البريئة ظلماً وعدواناً، وفي هذه الأنفس نساء وأطفال، قال الله سبحانه: "أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً" (المائدة: من الآية32)، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر قتل النساء الكافرات فكيف بالمسلمات، ولا يقبل أبداً قولهم: ما قصدنا، فإن قتلهم في مثل هذه الأعمال من شبه المؤكد وهو داخل في قتل العمد العدوان.
ومنها: أنه إشاعة للهلع والفزع في الأوساط المسلمة الآمنة، وإذا كان متوعداً بأشد العقوبات من روع مسلماً واحداً فكيف بمجموع المسلمين.
ومنها: أنه خلخلة للأمن، وإثارة للهرج، وفتح لأبواب الفوضى.
ومنها: أنه من صور التدمير الشامل، التي لا تفرق ولا تميز بين أحد وأحد، فهو قيام على المسلمين برِّهم وفاجرهم، وكفى بذلك إثماً عظيماً.
وفيه أيضاً مع إزهاق الأرواح تدمير المساكن وخلخلة البنيان وإتلاف الممتلكات وإحراق السيارات، كما شاهدناه واضحاً وصريحاً، وهذا ولا شك داخل في قوله تعالى: "وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ" (البقـرة:205).
ومنها: ما يجره من شرور عظيمة وجناية على الأبرياء وتوسيع دائرة الاعتقالات وإعاقة المسلمين بالتفتيشات، وتعطيل المصالح الدعوية والإغاثية وتسليط الكافرين على المسلمين، والواقع على هذا خير شاهد.
وكفى بهذه المفاسد، بل ببعضها دليلاً على تأثيم الفعل وفاعله وتجريمه.
ثانياً: ليُعلم أن أعداء هذه الأمة المسلمة الموحدة كثيرون، وهي أمة مستهدفة ومحسودة على ما تنعم به من خيرات وبركات ظاهرة وباطنة في الدين والدنيا وكل ذي نعمة محسودٌ، وأجل هذه النعم نعمة الدين والإسلام، قال الله تعالى: "وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ" (البقرة: من الآية109).
وفي مقدمة أعداء الأمة اليهود والنصارى، ومن يخدم أهدافهم ويحقق أغراضهم من المنافقين والرافضة وغيرهم، وكل هؤلاء مستفيدون من خلخلة أمنها وتفريق كلمتها، وتكدير صفوها، والمؤمن كيسٌ فطن لا تخفى عليه خطط القوم واستغلالهم لأغرار شبابها، ويرى في تحركاتهم، وقراراتهم، وإغلاق سفاراتهم، وإجلاء رعاياهم ما يزيده قناعة بمكرهم الكبار مكر الليل والنهار، "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال: من الآية30).
ثالثاً: ولا ينبغي لأولئك الملبسين المغالطين أن يستغلوا مثل هذا الحدث لتشكيك المسلمين، والنيل من أحكام الشريعة، ومسلمات الدين زوراً وبهتاناً كما هي عادتهم في كل مرة، يجدونها فرصة لاتهام المناهج الشرعية، وحلق تحفيظ القرآن الكريم وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله؛ فإن الجهاد في سبيل الله على وجهه الصحيح، ومواقعه الحقيقية في ثغور الجهاد، ورباطاته هو ذروة سنام الدين، وخير وسيلة لقمع الظالمين، وطرد الغزاة المحتلين من اليهود الغاصبين، والنصارى الصليبيين، والملاحدة الشيوعيين وغيرهم من أعداء الدين، وهو الذي يحفظ الله به الملة، ويصون الحرمة، ويحمي الحوزة ويكون الدين كله لله.
كما أنه التفريغ السليم لشحنات الغيظ الكامنة، والحماس المتأجج في صدور المؤمنين، جراء ما يشاهدونه من صور الاعتداء الغاشم على المسلمين وقهر الكافرين وهذا الحماس إذا كبت، رجع على أهله بشَرٍّ عظيم، قال الله تعالى: "وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ" (التوبة: 14، 15).
وفتيانِ هيجاءٍ تجيش صدورها
بأحقادها حتى تضيق دُروعُها
تقطِّعُ من وترٍ أعزَّ نفوسها
عليها بأيدٍ لا تكاد تطيعُها
إذا احتربت يوماً ففاضت دماؤها
تذكرت القربى ففاضت دموعُها
والجهاد بهذا المعنى الصحيح، يجب إقامته ومظاهرة أهله، ولا تجوز ملاحقتهم، ولا إيذاؤهم، والمسلمون بحاجة إلى نصرتهم.
وإذا كانت دول الكفر والإجرام على جبروتها الحربي، وجيوشها الجرارة تحشد أنصارها من الدول الغنية والفقيرة، والقوية والضعيفة، فأولى بالمسلمين ثم أولى، أن يتناصروا على ضعفهم وقلتهم.
رابعاً: وشأن المؤمنين المجاهدين أنهم كما بيّن القرآن الكريم: أشداء على الكفار، رحماء بينهم، أذلةٍ على المؤمنين، أعزة على الكافرين، وهم أعظم الناس لله وقاراً وخشية وأشدهم ورعاً واتقاء للمتشابه، فضلاً عن المحارم، وليس من أخلاق المجاهد بحال الجرأة على المحارم والمتشابهات والتوسع في التأويلات، كالإقدام على تفجير الأنفس، وقتل الغير وقطع الطرق على المسلمين، وتهديدهم بالسلاح، والاستيلاء على سياراتهم مهما كان الدافع، بل هذا من أخلاق قطاع الطرق والمفسدين في الأرض.
خامساً: ولا يغيب أن نذكر بأسباب هذه الفتن، ولا ينبغي أن نذهب كل مذهب في تفسيرها، وننسى السبب الرئيس، وهو الذنوب التي تبيد الشعوب، وتزيل النعم، وتجلب النقم، قال الله تعالى: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ" (الشورى: من الآية30)، وقال: "أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ" (آل عمران: من الآية165)، وقال سبحانه: "وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ" (النساء: من الآية79)، وهذا الخطاب للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والذي قبله لأصحابه، فكيف لا يتوجه لها؛ ونحن على حال من الذنوب والمعاصي عظيم، وقال تعالى: "قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ" (الأنعام: من الآية65) وما نحن فيه داخل في هذا، فقد أذاق الله بعضنا بأس بعض، نسأل الله العافية ونعوذ به من مزيد البلاء، وكم حذر الناصحون من هذا زمناً طويلاً، وقال سبحانه مبيناً عقوبة ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (آل عمران:104، 105).
والمتأمل في حال الناس اليوم يرى العجب العجاب من صور الشر ومظاهر الذنوب حتى استعلن أهل البدع ببدعهم، وأهل الزندقة بزندقتهم حتى سُبَّ الله ورسوله علانية، ونيل من أحكام الدين كالحجاب وغيره، وأمر القنوات الفضائية وما تشيعه من برامج الفاحشة والمجون لا يخفى على بصير، وحصل التوسع في مشاريع الاختلاط وإقحام المرأة في كل ميدان، إلى غير ذلك من أمور لا تخفى، والناس إنما يطالبون بما هم قادرون عليه من التغيير في بيوتهم وأسرهم وأنفسهم ومناصحة من ولي أمرهم.
وإذا كان الأمر كذلك فأساس العلاج هو التوبة النصوح والرجوع إلى الله والتضرع إليه لكشف البلاء عن الأمة حتى تتألف القلوب مرة أخرى "وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ" (الأنفال: من الآية63)، "فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الأنعام:43)، ولا بد من القيام لله بأمره وإشاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على يد السفيه وأطره على الحق ولو كان السفيه دكتوراً أو كبيراً، والتعاون بين المسلمين كافة لحفظ الأمن وضبطه والوقوف أمام كل عابث به.
وختاما ً: أدعو شباب المسلمين إلى التبصر والتنور والتزود من العلم النافع واتهام الرأي في الدين، ومن زلت به قدم أن يعود لله ويرجع فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ولو قتل مائة نفس كما في الحديث.
وأسأل الله أن يحفظ علينا أمننا وإيماننا، وسلمنا وإسلامنا، وإن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يكفي المسلمين شرها، وأن ينصر المجاهدين الصادقين في مشارق الأرض ومغاربها.
كما أسأله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه وأن يرحم المتوفين من المسلمين في هذا الحادث وغيره ويلهم ذويهم الصبر واليقين، وأن يشفي المرضى والجرحى آمين.
وصلى الله وسلم وبارك على عبد ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
وفيما يلي صورة البيان مكتوب بخط بيد الشيخ محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفراج حفظه الله
http://www.almoslim.net/images/bf1.JPG
http://www.almoslim.net/images/bf2.JPG
http://www.almoslim.net/images/bf3.JPG
http://www.almoslim.net/images/bf4.JPG
http://www.almoslim.net/images/bf5.JPG