حاكم العلي
14-04-2004, 08:22
استفادة المنطقة من الدراسات التاريخية الحديثة لشبه الجزيرة العربية كما انتفعت أمثالها في بقية مناطق الشرق القديم بأنشطة حركة البحث العلمي وجهود الكشف عن الحضارات القديمة وإحياء التراث التي نشأت في أوروبا منذ القرن الثامن عشر وما تلاه . وبفضلها ثابرت مجهودات البحث العلمي والأثرى في العصر الحديث على كشف النقاب عن التاريخ العربي القديم بنصوصه وآثاره من أجل التعرف عليه كما صنعه أصحابه أو كما سجلوه بأنفسهم .
ولفت أنظار أوائل المؤرخين والرحالة الحديثتين الأجانب إلى تاريخ وآثار شبه الجزيرة العربية ما أتت به الكتب المقدسة عن ملكة سبأ وثراء دولتها وعن أقوام مدين وعاد وثمود ....
وما كتبه الكلاسيكيون الإغريق والرومان عن أرض البخور وتجارتها ، وما قرأه المستشرقون من كتب المؤرخين والجغرافيين المسلمين، إلى جانب دافع الفضول عندهم لمعرفة المزيد عن الأرض التي انبعث الإسلام منها .
وإذا كان واقع الأمر يدعوا إلى الاعتراف بان اغلب من سنتناول جهودهم من المؤرخين والاثاريين والرحالة في العصر الحديث كانوا من الأوربيون ، فانه يجب الاعتراف كذلك بان تحفظ الدولة العثمانية التي كانت تسيطر على الشرق الإسلامي حينذاك ، وتخوف المسلمين من سوابق أطماع المستعمرين الغربيين كلاهما حدد عدد البعثات العلمية وجعل أغلب جهودها فردية تتم في غير علنية وبغير الطرق الرسمية بل وعن غير طرق المتخصصين أحيانا.
وفى الوقت نفسه لم تكن حركة الكشف العلمي الأوروبي تستهدف غرضا واحدا ، أو تستهدف العلم وحده وإنما كانت تستهدف الكشف عن خبايا الأرض والثروات الطبيعية ، وعن المعالم الجغرافية والمعالم التاريخية في آن واحد . ويبدو انه كان لوجود أعداد من اليهود والأغراب المستوطنين في مناطق الجنوب العربي أثر في اتجاه أوائل الرحلات الكشفية الحديثة إليها لسهولة التخفي في زي بعض طوائف سكانها والطارئين عليها وبالتالي إمكانية التنقل في أراضيها. وسوف نكتفي فيما يلي بحديث موجز عن الرواد الأوائل الذين يسروا السبيل إمام الدراسات الموسعة في الوقت الحاضر .
فتحت أبواب الدراسات التاريخية الحديثة لمناطق الجنوب العربي بعثة يسرت لها حكومة الدانمارك طريق الوصول إلى اليمن في عام 1761 للقيام بدراسات جغرافية ونباتية وحيوانية . وتجولت البعثة في اليمن ، وكان أنشط أعضائها وأطولهم بقاء الهولندي كارستين نيبور Karsten Niebuhr وقد زار مخا وعمان وعدة مناطق من الخليج العربي . ونشر نتائج رحلته في عام 1772 ووصف فيها ما شاهده ، ودون عددا من الملاحظات الطبوغرافية والخرائط التوضيحية للمناطق التي زارها ، كما ضمنها مستنسخات لعدد من نصوص المسند التي وجدت في مدينة ظفار إحدى عواصم دولة سبا وذوريدان القديمة ولفت الأنظار إلى أطلال المواقع الأثرية التي شاهدها وأثبتها على خرائطه .
والطريف أن تجربة نيبور مع الآثار والنصوص العربية الجنوبية فى عام 1761 شجعته على أن يجرى نفس النشاط مع الآثار والنصوص الفارسية في مدينة برسوبوليس بإيران ، فأصبح بذلك رائدا للدراسات القديمة في كل من البلدين .
واقتفى أثر نيبور الالمانى أولريخ جسبار سيتزن A.J.Seetzen الذى زار ظفار في صيف 1810 واستنسخ بعض نقوشها .
وكان من المتوقع أن يتاح لرحالة إنجلترا وفرنسا وهما الدولتان الكبيرتان في القرن التاسع عشر نصيب من الكشف عن حضارات الشرق القديم . ففي عام 1836 نجح كل من هلتون وكروتندن البريطانيين في استنساخ نقوش سبئية من صنعاء .
وباسم البحرية الهندية أو شركة الهند البريطانية كلف الكابتن ولستد R.Wellsted وزميله هاينس S.B.Haines في عام 1835 بمهمة تتبع خطوط الساحل العربي . وكانت لولستد اهتماماته الخاصة بالرحلة والآثار فوجه الأنظار في حضرموت إلى أطلال ونقوش حصن الغراب الذي كان يحمى ميناء من أكبر موانئ دولة حضرموت القديمة . وسجل ملاحظاته عن خصب وادي حضرموت . ووصل الى أطراف الربع الخالي . كما بدأ رحلاته الجغرافية في عمان حتى وصل إلى الحافة الجنوبية للجبل الأخضر .
وشابهه في مثل هذا المجهود الألماني أدولف بارون فون فريده Adolf-Barron Von Wrede .
وفى هذه الأثناء تفرغ بعض المستشرقين للتعرف على خصائص الكتابة العربية الجنوبية عن طريق مقارنتها بما يشبهها ويعرفونه من الكتابات الحبشية والعبرية والفينيقية وغيرها من الكتابات السامية القديمة .
وكان من أوائل من بدأوا هذا المجهود اللغويان اميل ريدجر Emil R.Rodiger (1837) و ولهام جيسينيوس H.F.Wilhelm Gesenius ( 1841 ) وتبعهما أرنست أوسندر.
وقامت البعثات الفرنسية بنصيبها الكشفي ، وكان أشهر رجالها أرتو ، وهاليفى.
وركز توماس جوزيف أرنو Thomas J.Arnaud وهو صيدلي رحالة ، جهوده في عام 1843 في صرواح ومأرب عاصمتي دولة سبأ - وسجل مشاهداته كتابة ورسما عن سد مأرب ، ومحرم بلقيس ( أو معبد المقه) . ونسخ حوالي 56 نقشا قديما نشرها فلجانس فرينل قنصل فرنسا في جدة في عام 1845 في كتابه " بحوث في النقوش الحميرية ) .
وأدت هذه الجهود إلى أن قررت الأكاديمية الفرنسية في باريس عام 1869 البدء في إصدار موسوعة النقوش الساميةCorpus Inscriptionum Semiticarum وكان كذلك كسبا كبيرا للدراسات العربية القديمة .
وكان جوزيف هاليفى Joseph Halevy أكثر حظا في التوغل في الجنوب العربي وفى وصف أهم آثاره الظاهرة واستنساخ العديد من نصوصه وترجمتها . وفى هيئة اليهودي الفقير وصل إلى مواضع لم يصل إليها من سبقوه . فلم يكتف بالآثار السبئية في مأرب وصرواح وصنعاء ، وإنما اجتاز أيضا منطقة الجوف الجنوبي ، وتعرف على بعض آثار دولة معين القديمة في مدينتي قرنا ويطيل بما فيهما من أسوار ومعابد وحصون . ووصل نجران وإطراف الربع الخالي في عام 1869 – ثم عاد إلى فرنسا وفى حصيلته 686 نصا من 37 موضعا . ونشر نتائج رحلته في المجلة الآسيوية في عام 1872 وشفعها بدراسة تحليلية للنصوص الجنوبية المعروفة حتى وقته . كما نشر مقالا في عام 1877 عن رحلته إلى نجران .
وأهم من يقرن بها ليفى من حديث غزارة المادة هو المستشرق النمساوي ادوارد جلاسر Edward Glaser وقد اكتست رحلاته بنوع من العلنية والرسمية بعد أن يسر له المسئولون الأتراك في صنعاء هذه الرحلات في أعوام 1887 ، 1888 ، 1892 ، وبهذا اتسعت دراساته للآثار والنصوص الحميرية في همدان وظفار ، والنصوص السبئية في مأرب ، كما اتسعت جهوده للآثار والنصوص المعينية والحضرمية والقتبانية ، وقدم تخطيطاً دقيقاً لبقايا القنوات والسدود القديمة .
ومن الشخصيات التي ساهمت في استخلاص قواعد اللغة العربية الجنوبية فريتز هومل F. Hommel في بحث أصدره عام 1893 اعتمد فيه على النصوص المعينية واعتبرها أصلاً لغيرها ، وهو ما يعارضه الآن فيه باحثون آخرون .
وهكذا مهدت رحلات ودراسات المستشرقين في القرن التاسع عشر السبيل أمام أبحاث أكثر عمقاً وشمولاً في القرن العشرين . فبرز خلال هذا القرن عدد ممن تتلمذوا على الرواد الأوائل اهتموا بتحقيق النصوص وتأريخ الأحداث والاستعانة بالدراسات المقارنة . وظلت الدراسات الجغرافية لطرق التجارة ومشروعات الري مكملة لهذه الجهود .
وتعدت الدراسات الأثرية وصف الآثار الظاهرة إلى التنقيب عن الآثار الدفينة تحت التلال وفي باطن الأرض . وتعددت على هذا السبيل بعثات نمسوية وبريطانية وأمريكية . في اليمن بأجزائها وعدن وحضرموت ومسقط وعمان . فكشف عن أعداد من المعابد والمقابر والحصون والمنازل فضلاً على النصوص والآثار المنقولة المتنوعة .
وبدأ عدد من الباحثين العرب ، ومن المصريين خاصة ، يشاركون بجهودهم في المجالات اللغوية والأثرية في شبه الجزيرة منذ عام 1936 وحتى الآن .
وعن طريق تعاون المؤرخين والاثاريين واللغويين زادت المعرفة بأسماء القبائل والمدن القديمة وتحديد مواقعها ، وزاد التعرف على بعض المعبودات الجنوبية ، والعلاقات بين الممالك ، والصلات بين حكامها ، وتتابع عهودهم وما تم فيها من تجديدات سياسية أو عمرانية .
وعن طريق تعاون المؤرخين والاثاريين واللغويين زادت المعرفة بأسماء القبائل والمدن القديمة
ولم يقل نصيب المناطق العربية الشمالية والغربية والشرقية في شبه الجزيرة من اهتمام الرحالة والباحثين في العصر الحديث كثيراً عن نصيب المناطق الجنوبية . وكان من مقدمات البحث فيها فضول بعض الرحالة الأجانب للتعرف على الأماكن الإسلامية المقدسة ، وتتبع آثار الأنباط الكبيرة التي انتشرت في جنوب الأردن وامتدت حتى شمال المناطق الحجازية . وكانت عمائرها في الأردن واضحة معروفة وإن لم تكن نصوصها قد حلت رموزها بعد . وجدير بالذكر أن رحالة يدعى عبد الغني بن أحمد بن إبراهيم النابلسي أخرج كتاباً في عام 1693 بعنوان " الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز " وصف في سياقه بعض آثار مدائن صالح والحجر ومغاير شعيب واستنسخ بعض نقوشها ، وسبق غيره من الغربيين في هذا السبيل .
وكما حدث في الجنوب العربي لم تتعمد الجهود الأولى للرحالة الأوروبيين الكشف العلمي مباشرة عن الحضارات القديمة ، وإنما صاحبتها رغبة التعرف على ثروات البلاد الطبيعية ودراسة حياة البدو . وكانت أغلب رحلاتهم في شبه الجزيرة استمراراً لرحلاتهم الأخرى في بوادي الشام وفلسطين ومناطق الخليج العربي .
وعلى الرغم من تحريم دخول المدينتين المقدستين على غير المسلمين تحريماً قاطعاً ، فقد استطاع بعضهم دخولها . وكان في تعدد أجناس الحجاج وتنوع هيئاتهم فرصة لبعض الأوروبيين الذين تظاهروا بالإسلام واستخفوا في هيئات شتى لم تكشف عن أجنبيتهم . وعن هذا الطريق تسلل عدد منهم إلى المدينتين المقدستين منذ بداية القرن السادس عشر ومن أوائلهم الأسباني Domingo Badia Leblich الذي تنكر تحت اسم على بك ووصف الأماكن المقدسة في مكة وما حولها .
وكما مهدت رحلة نيبور للدراسات الحديثة في الجنوب العربي ، مهدت رحلة السويسري لودفيج بوركهارت J.L Burckhardt السبيل لدراسات الأجزاء الشمالية الغربية من شبه الجزيرة . وقد أشهر إسلامه وتسمى … إبراهيم بن عبد الله ، وخرج من القاهرة إلى جدة في عام 1814 . وزار مكة والطائف وتتبع الطريق الساحلي. ووصل المدينة عام 1815 . ثم عاد إلى ينبع ومنها إلى القاهرة . وحاول أن يكون دقيقاً في تسجيل ما شاهده في رحلته وما نشره عنها . ولم يكن بوركهارت آثاريا ولكنه فتح الطريق أمام المهتمين بالآثار .
وكان إدوارد روبل أول أوروبي يزور مغاير شعيب وآثارها في العصر الحديث .
وإلى جانب الرحالة الأوروبيين العاديين والمندوبين السياسيين الذين زاروا أراضي نجد في منتصف القرن التاسع عشر ( مثل فالين . وسادليير ) ، وصف ر. برتون R.Barton المقابر النبطية في مغاير شعيب ، ولفت الأنظار إلى آثار المناجم القديمة في منطقة مدين ، خلال دراساته الطبوغرافية التي كان يقوم بها في الأراضي الحجازية الممتدة من هضبة حسمي إلى ساحل تهامة .
وتبعه ج.ر. ولستد في زيارة مغاير شعيب حيث استنسخ بعض نصوصها ، وكتب عن ميناء الوجه الذي يبدو أنه كان يخدم تجارة دولة ددان ولحيان .
ومن الرحالة ذوي الميول الأثرية وليم ج. بلجريف W.G. Palgrave في سياق ما نشره عن رحلاته في أراضي نجد . شمالها ووسطها وشرقها ، في عامي 1862 – 1863 . للأغراض المتنوعة التي استهدفها رحالة عصره . أشار إلى بعض المعالم الأثرية كالمقابر ونحوها في عام 1865 . ولكن أخذ عليه أنه كان يعتمد على السماع أحياناً فيما يكتبه دون أن يمحصه ودون أن يقطع الشك فيه باليقين .
ولفت أنظار أوائل المؤرخين والرحالة الحديثتين الأجانب إلى تاريخ وآثار شبه الجزيرة العربية ما أتت به الكتب المقدسة عن ملكة سبأ وثراء دولتها وعن أقوام مدين وعاد وثمود ....
وما كتبه الكلاسيكيون الإغريق والرومان عن أرض البخور وتجارتها ، وما قرأه المستشرقون من كتب المؤرخين والجغرافيين المسلمين، إلى جانب دافع الفضول عندهم لمعرفة المزيد عن الأرض التي انبعث الإسلام منها .
وإذا كان واقع الأمر يدعوا إلى الاعتراف بان اغلب من سنتناول جهودهم من المؤرخين والاثاريين والرحالة في العصر الحديث كانوا من الأوربيون ، فانه يجب الاعتراف كذلك بان تحفظ الدولة العثمانية التي كانت تسيطر على الشرق الإسلامي حينذاك ، وتخوف المسلمين من سوابق أطماع المستعمرين الغربيين كلاهما حدد عدد البعثات العلمية وجعل أغلب جهودها فردية تتم في غير علنية وبغير الطرق الرسمية بل وعن غير طرق المتخصصين أحيانا.
وفى الوقت نفسه لم تكن حركة الكشف العلمي الأوروبي تستهدف غرضا واحدا ، أو تستهدف العلم وحده وإنما كانت تستهدف الكشف عن خبايا الأرض والثروات الطبيعية ، وعن المعالم الجغرافية والمعالم التاريخية في آن واحد . ويبدو انه كان لوجود أعداد من اليهود والأغراب المستوطنين في مناطق الجنوب العربي أثر في اتجاه أوائل الرحلات الكشفية الحديثة إليها لسهولة التخفي في زي بعض طوائف سكانها والطارئين عليها وبالتالي إمكانية التنقل في أراضيها. وسوف نكتفي فيما يلي بحديث موجز عن الرواد الأوائل الذين يسروا السبيل إمام الدراسات الموسعة في الوقت الحاضر .
فتحت أبواب الدراسات التاريخية الحديثة لمناطق الجنوب العربي بعثة يسرت لها حكومة الدانمارك طريق الوصول إلى اليمن في عام 1761 للقيام بدراسات جغرافية ونباتية وحيوانية . وتجولت البعثة في اليمن ، وكان أنشط أعضائها وأطولهم بقاء الهولندي كارستين نيبور Karsten Niebuhr وقد زار مخا وعمان وعدة مناطق من الخليج العربي . ونشر نتائج رحلته في عام 1772 ووصف فيها ما شاهده ، ودون عددا من الملاحظات الطبوغرافية والخرائط التوضيحية للمناطق التي زارها ، كما ضمنها مستنسخات لعدد من نصوص المسند التي وجدت في مدينة ظفار إحدى عواصم دولة سبا وذوريدان القديمة ولفت الأنظار إلى أطلال المواقع الأثرية التي شاهدها وأثبتها على خرائطه .
والطريف أن تجربة نيبور مع الآثار والنصوص العربية الجنوبية فى عام 1761 شجعته على أن يجرى نفس النشاط مع الآثار والنصوص الفارسية في مدينة برسوبوليس بإيران ، فأصبح بذلك رائدا للدراسات القديمة في كل من البلدين .
واقتفى أثر نيبور الالمانى أولريخ جسبار سيتزن A.J.Seetzen الذى زار ظفار في صيف 1810 واستنسخ بعض نقوشها .
وكان من المتوقع أن يتاح لرحالة إنجلترا وفرنسا وهما الدولتان الكبيرتان في القرن التاسع عشر نصيب من الكشف عن حضارات الشرق القديم . ففي عام 1836 نجح كل من هلتون وكروتندن البريطانيين في استنساخ نقوش سبئية من صنعاء .
وباسم البحرية الهندية أو شركة الهند البريطانية كلف الكابتن ولستد R.Wellsted وزميله هاينس S.B.Haines في عام 1835 بمهمة تتبع خطوط الساحل العربي . وكانت لولستد اهتماماته الخاصة بالرحلة والآثار فوجه الأنظار في حضرموت إلى أطلال ونقوش حصن الغراب الذي كان يحمى ميناء من أكبر موانئ دولة حضرموت القديمة . وسجل ملاحظاته عن خصب وادي حضرموت . ووصل الى أطراف الربع الخالي . كما بدأ رحلاته الجغرافية في عمان حتى وصل إلى الحافة الجنوبية للجبل الأخضر .
وشابهه في مثل هذا المجهود الألماني أدولف بارون فون فريده Adolf-Barron Von Wrede .
وفى هذه الأثناء تفرغ بعض المستشرقين للتعرف على خصائص الكتابة العربية الجنوبية عن طريق مقارنتها بما يشبهها ويعرفونه من الكتابات الحبشية والعبرية والفينيقية وغيرها من الكتابات السامية القديمة .
وكان من أوائل من بدأوا هذا المجهود اللغويان اميل ريدجر Emil R.Rodiger (1837) و ولهام جيسينيوس H.F.Wilhelm Gesenius ( 1841 ) وتبعهما أرنست أوسندر.
وقامت البعثات الفرنسية بنصيبها الكشفي ، وكان أشهر رجالها أرتو ، وهاليفى.
وركز توماس جوزيف أرنو Thomas J.Arnaud وهو صيدلي رحالة ، جهوده في عام 1843 في صرواح ومأرب عاصمتي دولة سبأ - وسجل مشاهداته كتابة ورسما عن سد مأرب ، ومحرم بلقيس ( أو معبد المقه) . ونسخ حوالي 56 نقشا قديما نشرها فلجانس فرينل قنصل فرنسا في جدة في عام 1845 في كتابه " بحوث في النقوش الحميرية ) .
وأدت هذه الجهود إلى أن قررت الأكاديمية الفرنسية في باريس عام 1869 البدء في إصدار موسوعة النقوش الساميةCorpus Inscriptionum Semiticarum وكان كذلك كسبا كبيرا للدراسات العربية القديمة .
وكان جوزيف هاليفى Joseph Halevy أكثر حظا في التوغل في الجنوب العربي وفى وصف أهم آثاره الظاهرة واستنساخ العديد من نصوصه وترجمتها . وفى هيئة اليهودي الفقير وصل إلى مواضع لم يصل إليها من سبقوه . فلم يكتف بالآثار السبئية في مأرب وصرواح وصنعاء ، وإنما اجتاز أيضا منطقة الجوف الجنوبي ، وتعرف على بعض آثار دولة معين القديمة في مدينتي قرنا ويطيل بما فيهما من أسوار ومعابد وحصون . ووصل نجران وإطراف الربع الخالي في عام 1869 – ثم عاد إلى فرنسا وفى حصيلته 686 نصا من 37 موضعا . ونشر نتائج رحلته في المجلة الآسيوية في عام 1872 وشفعها بدراسة تحليلية للنصوص الجنوبية المعروفة حتى وقته . كما نشر مقالا في عام 1877 عن رحلته إلى نجران .
وأهم من يقرن بها ليفى من حديث غزارة المادة هو المستشرق النمساوي ادوارد جلاسر Edward Glaser وقد اكتست رحلاته بنوع من العلنية والرسمية بعد أن يسر له المسئولون الأتراك في صنعاء هذه الرحلات في أعوام 1887 ، 1888 ، 1892 ، وبهذا اتسعت دراساته للآثار والنصوص الحميرية في همدان وظفار ، والنصوص السبئية في مأرب ، كما اتسعت جهوده للآثار والنصوص المعينية والحضرمية والقتبانية ، وقدم تخطيطاً دقيقاً لبقايا القنوات والسدود القديمة .
ومن الشخصيات التي ساهمت في استخلاص قواعد اللغة العربية الجنوبية فريتز هومل F. Hommel في بحث أصدره عام 1893 اعتمد فيه على النصوص المعينية واعتبرها أصلاً لغيرها ، وهو ما يعارضه الآن فيه باحثون آخرون .
وهكذا مهدت رحلات ودراسات المستشرقين في القرن التاسع عشر السبيل أمام أبحاث أكثر عمقاً وشمولاً في القرن العشرين . فبرز خلال هذا القرن عدد ممن تتلمذوا على الرواد الأوائل اهتموا بتحقيق النصوص وتأريخ الأحداث والاستعانة بالدراسات المقارنة . وظلت الدراسات الجغرافية لطرق التجارة ومشروعات الري مكملة لهذه الجهود .
وتعدت الدراسات الأثرية وصف الآثار الظاهرة إلى التنقيب عن الآثار الدفينة تحت التلال وفي باطن الأرض . وتعددت على هذا السبيل بعثات نمسوية وبريطانية وأمريكية . في اليمن بأجزائها وعدن وحضرموت ومسقط وعمان . فكشف عن أعداد من المعابد والمقابر والحصون والمنازل فضلاً على النصوص والآثار المنقولة المتنوعة .
وبدأ عدد من الباحثين العرب ، ومن المصريين خاصة ، يشاركون بجهودهم في المجالات اللغوية والأثرية في شبه الجزيرة منذ عام 1936 وحتى الآن .
وعن طريق تعاون المؤرخين والاثاريين واللغويين زادت المعرفة بأسماء القبائل والمدن القديمة وتحديد مواقعها ، وزاد التعرف على بعض المعبودات الجنوبية ، والعلاقات بين الممالك ، والصلات بين حكامها ، وتتابع عهودهم وما تم فيها من تجديدات سياسية أو عمرانية .
وعن طريق تعاون المؤرخين والاثاريين واللغويين زادت المعرفة بأسماء القبائل والمدن القديمة
ولم يقل نصيب المناطق العربية الشمالية والغربية والشرقية في شبه الجزيرة من اهتمام الرحالة والباحثين في العصر الحديث كثيراً عن نصيب المناطق الجنوبية . وكان من مقدمات البحث فيها فضول بعض الرحالة الأجانب للتعرف على الأماكن الإسلامية المقدسة ، وتتبع آثار الأنباط الكبيرة التي انتشرت في جنوب الأردن وامتدت حتى شمال المناطق الحجازية . وكانت عمائرها في الأردن واضحة معروفة وإن لم تكن نصوصها قد حلت رموزها بعد . وجدير بالذكر أن رحالة يدعى عبد الغني بن أحمد بن إبراهيم النابلسي أخرج كتاباً في عام 1693 بعنوان " الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز " وصف في سياقه بعض آثار مدائن صالح والحجر ومغاير شعيب واستنسخ بعض نقوشها ، وسبق غيره من الغربيين في هذا السبيل .
وكما حدث في الجنوب العربي لم تتعمد الجهود الأولى للرحالة الأوروبيين الكشف العلمي مباشرة عن الحضارات القديمة ، وإنما صاحبتها رغبة التعرف على ثروات البلاد الطبيعية ودراسة حياة البدو . وكانت أغلب رحلاتهم في شبه الجزيرة استمراراً لرحلاتهم الأخرى في بوادي الشام وفلسطين ومناطق الخليج العربي .
وعلى الرغم من تحريم دخول المدينتين المقدستين على غير المسلمين تحريماً قاطعاً ، فقد استطاع بعضهم دخولها . وكان في تعدد أجناس الحجاج وتنوع هيئاتهم فرصة لبعض الأوروبيين الذين تظاهروا بالإسلام واستخفوا في هيئات شتى لم تكشف عن أجنبيتهم . وعن هذا الطريق تسلل عدد منهم إلى المدينتين المقدستين منذ بداية القرن السادس عشر ومن أوائلهم الأسباني Domingo Badia Leblich الذي تنكر تحت اسم على بك ووصف الأماكن المقدسة في مكة وما حولها .
وكما مهدت رحلة نيبور للدراسات الحديثة في الجنوب العربي ، مهدت رحلة السويسري لودفيج بوركهارت J.L Burckhardt السبيل لدراسات الأجزاء الشمالية الغربية من شبه الجزيرة . وقد أشهر إسلامه وتسمى … إبراهيم بن عبد الله ، وخرج من القاهرة إلى جدة في عام 1814 . وزار مكة والطائف وتتبع الطريق الساحلي. ووصل المدينة عام 1815 . ثم عاد إلى ينبع ومنها إلى القاهرة . وحاول أن يكون دقيقاً في تسجيل ما شاهده في رحلته وما نشره عنها . ولم يكن بوركهارت آثاريا ولكنه فتح الطريق أمام المهتمين بالآثار .
وكان إدوارد روبل أول أوروبي يزور مغاير شعيب وآثارها في العصر الحديث .
وإلى جانب الرحالة الأوروبيين العاديين والمندوبين السياسيين الذين زاروا أراضي نجد في منتصف القرن التاسع عشر ( مثل فالين . وسادليير ) ، وصف ر. برتون R.Barton المقابر النبطية في مغاير شعيب ، ولفت الأنظار إلى آثار المناجم القديمة في منطقة مدين ، خلال دراساته الطبوغرافية التي كان يقوم بها في الأراضي الحجازية الممتدة من هضبة حسمي إلى ساحل تهامة .
وتبعه ج.ر. ولستد في زيارة مغاير شعيب حيث استنسخ بعض نصوصها ، وكتب عن ميناء الوجه الذي يبدو أنه كان يخدم تجارة دولة ددان ولحيان .
ومن الرحالة ذوي الميول الأثرية وليم ج. بلجريف W.G. Palgrave في سياق ما نشره عن رحلاته في أراضي نجد . شمالها ووسطها وشرقها ، في عامي 1862 – 1863 . للأغراض المتنوعة التي استهدفها رحالة عصره . أشار إلى بعض المعالم الأثرية كالمقابر ونحوها في عام 1865 . ولكن أخذ عليه أنه كان يعتمد على السماع أحياناً فيما يكتبه دون أن يمحصه ودون أن يقطع الشك فيه باليقين .