ديمــــه
20-03-2004, 22:25
..كلمات نيرة تدفعون بها الهموم..
بسم الله الرحمن الرحيم
لا تحزن ولاتحزني
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله... أما بعد:
اخي واختي..
يا من يملّك الحزن قلبهم.. وكتم الهمّ نفسهم.. وضيّق صدرهم.. فتكدرت بهم الأحوال.. وأظلمت أمامهم الآمال.. فضاقت عليهم الحياة على سعتها.. وضاقت بهم نفسها وأيامها.. وساعتها وأنفاسها !
لا تحزن لاتحزني.. فما الحزن للأكدار علاج.. لا تيأسوا فاليأس يعكر المزاج.. والأمل قد لاح من كل فج بل فجاج !
لا تحزنوا.. فالبلوى تمحيص.. والمصيبة بإذن الله اختبار.. والنازلة امتحان.. وعند الامتحان يعز المرء أو يهان !
فالله ينعم بالبلوى يمحصنا
من منا يرضى أو يضطربُ
ماذا عساه أن يكون سبب حزنكم؟ !
إن يكن سببه مرض..
فهو لك خير.. وعاقبته الشفاء.. قال : « من يرد الله به خيراً يصب منه » ، وقال الله جل وعلا: { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [الشعراء:80].
وإن يكن سبب حزنك...
ذنب اقترفته أو خطيئة فتأملوا خطاب مولاكم الذي هو أرحم بكم من نفسكم: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً } [الزمر:53].
وإن يكن سبب حزنك...
ظلم حلّ بكم أو قريب أو بعيد، فقد وعدكم الله بالنصر ووعد ظالمكم بالخذلان والذل. فقال تعالى: { وَاللّهُ لاً يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } [آل عمران:140]، وقال تعالى في الحديث القدسي للمظلوم: « وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين » .
وقال سبحانه: { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } [المجادلة:1].
وإن يكن سبب حزنك...
الفقر والحاجة، فاصبروا وأبشروا.. قال الله تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } [البقرة:155].
لا تحزنوا.. مهما بلغ بك البلاء !
وتذكروا أن ما يجري لكم أقدار وقضاء يسري.. وأن الليل وإن طال فلا بد من الفجر !
وإليكم.. كلمات نيرة تدفعون بها الهموم.. انتقيتها لكم من مشكاة النبوة لتنير لكم الطريق.. وتكشف عنكم بإذن الله الأحزان.
أولاً: كونوا ابناء وبنات يومكم
اجعلوا شعاركم في الحياة:
ما مضى فات والمؤمل غيبُ
ولك الساعة التي أنت فيها
وأحسن منه وأجمل قول ابن عمر رضي الله عنه: « إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك » [رواه البخاري].
إنسوا الماضي مهما كان أمره، انسوه بأحزانه وأتراحه، فتذكره لا يفيد في علاج الأوجاع شيئاً وإنما ينكد على يومكم، ويزيدكم هموماً على همومكم. تصوروا دائماً أنكم وسط بين زمنين:
الأول: ماض وهو وقت فات بكل مفرداته وحلوه ومره، وفواته يعني بالتحديد عدمه فلم يعد له وجود في الواقع وإنما وجوده منحصر في ذهنكم.. ذهنكم فقط ! وما دام ليس له وجود.. فهو لا يستحق أن يكون في قاموس الهموم.. لأنه انتهى وانقضى.. وتولى ومضى !
والثاني: مستقبل وهو غيب مجهول لا تحكمه قوانين الفكر ولا تخمينات العقل.. وإنما هو غيب موغل في الغموض والسرية بحيث لا يدركه أحد.. { قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ } [النمل:65]، { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } [لقمان:34].
إذاً فالماضي عدم.. والمستقبل غيب !
فلا تحطموا الافئده بأحزان ولّت.. ولا تتشائموا بأفكار ما أحلت ! وعيشوا حياتكم لحظة.. لحظة.. وساعة ساعة.. ويوماً بيوم !
تجاهلوا الماضي.. وارموا ما وقع فيه في سراب النسيان.. وامسحوا من صفات ذكرياتكم الهموم والأحزان.. ثم تجاهلوا ما يخبئه الغد.. وتفائلوا فيه بالأفراح.. ولا تعبروا جسراً حتى تقفوا عليه.
تأملوا كيف استعاذ النبي من الهم والحزن إذ قال: « اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وقهر الدين وغلبة الرجال » [رواه البخاري ومسلم].
فالحزن يكون على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها.. والهم يكون بسبب الخوف من المستقبل والتشاؤم فيه.
اخي واختي..
يومكم يومكم تسعدوا.. أشغلوا فيه انفسكم بالأعمال النافعة..
واجتهدوا في لحظاته بالصلاح والإصلاح.. استثمروا فيه لحظاتكم في الصلاة..
في ذكر الله.. في قراءة القرآن.. في طلب العلم.. في التشاغل بالخير..
في معروف تجدينه يوم العرض على الله.. { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً } [آل عمران:30].
ثانياً: تعبدوا الله بالرضى
لا تحزنوا.. اجعلوا شعاركم عند وقوع البلاء: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها.. اهتفوا بهذه الكلمات عند أول صدمة.. تنقلب في حقكم البلية.. مزية.. والمحنة منحة.. والهلكة عطاء وبركة !
تأملوا في أدب البلاء في هذه الآية: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ، أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } [البقرة:155-157].
استرجعوا عند الجوع والفقر.. وعند الحاجة والفاقة.. وعند المرض والمصيبة.. وأبشروا بالرحمة من الله وحده !
ثالثاً: افقهوا سر البلاء
لا تحزنوا.. فالبلاء جزء لا يتجزء من الحياة.. لا يخلو منه.. غني ولا فقير.. ولا ملك ولا مملوك.. ولا نبي مرسل.. ولا عظيم مبجل.. فالناس مشتركون في وقوعه.. ومختلفون في كيفياته ودرجاته.. { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } [البلد:4].
طبعت على كدر وأنت تريدها
خالية من الأنكاد والأكدار
هكذا الحياة خلقت مجالاً للبلاء..
{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [الملك:2].. { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ } [محمد:31]..
إذن تفسير البلاء هو التمحيص ليعلم المجاهد فيأجر.. والصابر فيثاب !
لا تحزنوا.. واستشعروا في كل بلاء أنكم رشحتم لامتحان من الله !..
تثبتوا وتأملوا وتمالكوا وهدئوا الأعصاب.. وكأن منادياً يقول لكم في خفاء هامساً ومذكراً:
أنتم الآن في إمتحان جديد.. فاحذروا الفشل.
تأملوا قوله : « من يرد الله به خيراً يفقه في الدين » [رواه البخاري]، ثم قوله : « من يرد الله به خيراً يصب منه » [رواه البخاري].
فطالب العلم.. والمبتلي بالمصائب يشتركان في خير أراده الله لهما.. وهذا أمر في غاية الأهمية فقهه !
فكما أن العلم شرف.. يريده الله لمن يحب من عباده ! فكذلك البلاء شرف يريده الله لمن يحب من عباده ! يغفر به ذنباً.. ويفرج به كرباً.. ويمحي به عيباً.. ويحدث بعده أمراً لم يكن في الحسبان.
{ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } [الطلاق:1]، وفي الحديث: « إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط » [رواه البخاري].
رابعاً: لا تقلقوا
المريض سيشفى.. والغائب سيعود.. والمحزون سيفرح.. والكرب سيرفع.. والضائقة ستزول.. وهذا وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد.. { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } [الشرح:6،5].
لا تحزنوا.. فإنما كرر الله اليُسْر في الآية.. لتطمئن قلوبكم.. وتشرح صدوركم.. وقال : « لن يغلب عُسر يُسرين ».. العسِير يعقبة اليُسر.. كما الليل يعقبة الفجر..
ولرب ضائقة يضيق بها الفتى ذرعا
وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فُرجت وكنت أظنها لا تُفرج
خامساً: اجعلوا همكم في الله
اخواني.. إذا اشتدت عليكم هموم الأرض.. فاجعلوا همكم في السماء.. ففي الحديث: « من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد، كفاه الله سائر همومه، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك » [صحيح الجامع: 6189].
لا تحزنوا.. فرزقكم مقسوم.. وقدركم محسوم.. وأحوال الدنيا لا تستحق الهموم.. لأنها كلها إلى زوال.. { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } [الحديد20].
إذا آوى إليكم الهم.. فأووا به إلى الله.. والهجي بذكره: ( الله الله ربي لا أشرك به أحداً )، ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث )، ( رب إني مغلوب فانتصر )، فكلها أورد شرعية يُغفر بها الذنب ويَنفرج بها الكرب.
اطلبوا السكينة في كثرة الإستغفار.. استغفروا بصدق مرة ومرتين ومائة ومائتين وألف.. دون تحديد متلذذين بحلاوة الاستغفار.. ونشوة التوبة والإنابة.. { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة:222].
اطلبوا الطمأنينة في الأذكار بالتسبيح، والتهليل، والصلاة على النبي الأمين ، وتلاوة القرآن، { أَلاً بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد:28].. { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [الإسراء:82]..
لا تحزنوا.. وافزعوا إلى الله بالدعاء.. لا تعجزوا ففي الحديث « أعجز الناس من عجز عن الدعاء » تضرعوا إلى الله في ظلم الليالي.. وأدبار الصلوات.. اختلوا بأنفسكم في قعر بيوتكم شاكين إليه.. باكين لديه.. سائلين فَرَجُه ونَصره وفتحه.. وألحِّوا عليه.. مرة واثنتين وعشراً فهو يحب المُلحين في الدعاء.. { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة:186].
لا تحزنوا ولا تيأسوا.. { إِنَّهُ لاً يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [يوسف:87].
ستنجلي الظلمة.. وتولِّ الغمة.. وتعود البسمة.. فافرشوا لها فراش الصبر..
وهاتفوها بالدعاء والذكر.. وظنوا بالله خيراً.. يكن عند حسن ظنكم..
تحياتي
اختكم
ديمه
بسم الله الرحمن الرحيم
لا تحزن ولاتحزني
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله... أما بعد:
اخي واختي..
يا من يملّك الحزن قلبهم.. وكتم الهمّ نفسهم.. وضيّق صدرهم.. فتكدرت بهم الأحوال.. وأظلمت أمامهم الآمال.. فضاقت عليهم الحياة على سعتها.. وضاقت بهم نفسها وأيامها.. وساعتها وأنفاسها !
لا تحزن لاتحزني.. فما الحزن للأكدار علاج.. لا تيأسوا فاليأس يعكر المزاج.. والأمل قد لاح من كل فج بل فجاج !
لا تحزنوا.. فالبلوى تمحيص.. والمصيبة بإذن الله اختبار.. والنازلة امتحان.. وعند الامتحان يعز المرء أو يهان !
فالله ينعم بالبلوى يمحصنا
من منا يرضى أو يضطربُ
ماذا عساه أن يكون سبب حزنكم؟ !
إن يكن سببه مرض..
فهو لك خير.. وعاقبته الشفاء.. قال : « من يرد الله به خيراً يصب منه » ، وقال الله جل وعلا: { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [الشعراء:80].
وإن يكن سبب حزنك...
ذنب اقترفته أو خطيئة فتأملوا خطاب مولاكم الذي هو أرحم بكم من نفسكم: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً } [الزمر:53].
وإن يكن سبب حزنك...
ظلم حلّ بكم أو قريب أو بعيد، فقد وعدكم الله بالنصر ووعد ظالمكم بالخذلان والذل. فقال تعالى: { وَاللّهُ لاً يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } [آل عمران:140]، وقال تعالى في الحديث القدسي للمظلوم: « وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين » .
وقال سبحانه: { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } [المجادلة:1].
وإن يكن سبب حزنك...
الفقر والحاجة، فاصبروا وأبشروا.. قال الله تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } [البقرة:155].
لا تحزنوا.. مهما بلغ بك البلاء !
وتذكروا أن ما يجري لكم أقدار وقضاء يسري.. وأن الليل وإن طال فلا بد من الفجر !
وإليكم.. كلمات نيرة تدفعون بها الهموم.. انتقيتها لكم من مشكاة النبوة لتنير لكم الطريق.. وتكشف عنكم بإذن الله الأحزان.
أولاً: كونوا ابناء وبنات يومكم
اجعلوا شعاركم في الحياة:
ما مضى فات والمؤمل غيبُ
ولك الساعة التي أنت فيها
وأحسن منه وأجمل قول ابن عمر رضي الله عنه: « إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك » [رواه البخاري].
إنسوا الماضي مهما كان أمره، انسوه بأحزانه وأتراحه، فتذكره لا يفيد في علاج الأوجاع شيئاً وإنما ينكد على يومكم، ويزيدكم هموماً على همومكم. تصوروا دائماً أنكم وسط بين زمنين:
الأول: ماض وهو وقت فات بكل مفرداته وحلوه ومره، وفواته يعني بالتحديد عدمه فلم يعد له وجود في الواقع وإنما وجوده منحصر في ذهنكم.. ذهنكم فقط ! وما دام ليس له وجود.. فهو لا يستحق أن يكون في قاموس الهموم.. لأنه انتهى وانقضى.. وتولى ومضى !
والثاني: مستقبل وهو غيب مجهول لا تحكمه قوانين الفكر ولا تخمينات العقل.. وإنما هو غيب موغل في الغموض والسرية بحيث لا يدركه أحد.. { قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ } [النمل:65]، { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } [لقمان:34].
إذاً فالماضي عدم.. والمستقبل غيب !
فلا تحطموا الافئده بأحزان ولّت.. ولا تتشائموا بأفكار ما أحلت ! وعيشوا حياتكم لحظة.. لحظة.. وساعة ساعة.. ويوماً بيوم !
تجاهلوا الماضي.. وارموا ما وقع فيه في سراب النسيان.. وامسحوا من صفات ذكرياتكم الهموم والأحزان.. ثم تجاهلوا ما يخبئه الغد.. وتفائلوا فيه بالأفراح.. ولا تعبروا جسراً حتى تقفوا عليه.
تأملوا كيف استعاذ النبي من الهم والحزن إذ قال: « اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وقهر الدين وغلبة الرجال » [رواه البخاري ومسلم].
فالحزن يكون على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها.. والهم يكون بسبب الخوف من المستقبل والتشاؤم فيه.
اخي واختي..
يومكم يومكم تسعدوا.. أشغلوا فيه انفسكم بالأعمال النافعة..
واجتهدوا في لحظاته بالصلاح والإصلاح.. استثمروا فيه لحظاتكم في الصلاة..
في ذكر الله.. في قراءة القرآن.. في طلب العلم.. في التشاغل بالخير..
في معروف تجدينه يوم العرض على الله.. { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً } [آل عمران:30].
ثانياً: تعبدوا الله بالرضى
لا تحزنوا.. اجعلوا شعاركم عند وقوع البلاء: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيراً منها.. اهتفوا بهذه الكلمات عند أول صدمة.. تنقلب في حقكم البلية.. مزية.. والمحنة منحة.. والهلكة عطاء وبركة !
تأملوا في أدب البلاء في هذه الآية: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ، أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } [البقرة:155-157].
استرجعوا عند الجوع والفقر.. وعند الحاجة والفاقة.. وعند المرض والمصيبة.. وأبشروا بالرحمة من الله وحده !
ثالثاً: افقهوا سر البلاء
لا تحزنوا.. فالبلاء جزء لا يتجزء من الحياة.. لا يخلو منه.. غني ولا فقير.. ولا ملك ولا مملوك.. ولا نبي مرسل.. ولا عظيم مبجل.. فالناس مشتركون في وقوعه.. ومختلفون في كيفياته ودرجاته.. { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } [البلد:4].
طبعت على كدر وأنت تريدها
خالية من الأنكاد والأكدار
هكذا الحياة خلقت مجالاً للبلاء..
{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } [الملك:2].. { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ } [محمد:31]..
إذن تفسير البلاء هو التمحيص ليعلم المجاهد فيأجر.. والصابر فيثاب !
لا تحزنوا.. واستشعروا في كل بلاء أنكم رشحتم لامتحان من الله !..
تثبتوا وتأملوا وتمالكوا وهدئوا الأعصاب.. وكأن منادياً يقول لكم في خفاء هامساً ومذكراً:
أنتم الآن في إمتحان جديد.. فاحذروا الفشل.
تأملوا قوله : « من يرد الله به خيراً يفقه في الدين » [رواه البخاري]، ثم قوله : « من يرد الله به خيراً يصب منه » [رواه البخاري].
فطالب العلم.. والمبتلي بالمصائب يشتركان في خير أراده الله لهما.. وهذا أمر في غاية الأهمية فقهه !
فكما أن العلم شرف.. يريده الله لمن يحب من عباده ! فكذلك البلاء شرف يريده الله لمن يحب من عباده ! يغفر به ذنباً.. ويفرج به كرباً.. ويمحي به عيباً.. ويحدث بعده أمراً لم يكن في الحسبان.
{ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } [الطلاق:1]، وفي الحديث: « إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط » [رواه البخاري].
رابعاً: لا تقلقوا
المريض سيشفى.. والغائب سيعود.. والمحزون سيفرح.. والكرب سيرفع.. والضائقة ستزول.. وهذا وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد.. { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } [الشرح:6،5].
لا تحزنوا.. فإنما كرر الله اليُسْر في الآية.. لتطمئن قلوبكم.. وتشرح صدوركم.. وقال : « لن يغلب عُسر يُسرين ».. العسِير يعقبة اليُسر.. كما الليل يعقبة الفجر..
ولرب ضائقة يضيق بها الفتى ذرعا
وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فُرجت وكنت أظنها لا تُفرج
خامساً: اجعلوا همكم في الله
اخواني.. إذا اشتدت عليكم هموم الأرض.. فاجعلوا همكم في السماء.. ففي الحديث: « من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد، كفاه الله سائر همومه، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك » [صحيح الجامع: 6189].
لا تحزنوا.. فرزقكم مقسوم.. وقدركم محسوم.. وأحوال الدنيا لا تستحق الهموم.. لأنها كلها إلى زوال.. { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ } [الحديد20].
إذا آوى إليكم الهم.. فأووا به إلى الله.. والهجي بذكره: ( الله الله ربي لا أشرك به أحداً )، ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث )، ( رب إني مغلوب فانتصر )، فكلها أورد شرعية يُغفر بها الذنب ويَنفرج بها الكرب.
اطلبوا السكينة في كثرة الإستغفار.. استغفروا بصدق مرة ومرتين ومائة ومائتين وألف.. دون تحديد متلذذين بحلاوة الاستغفار.. ونشوة التوبة والإنابة.. { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [البقرة:222].
اطلبوا الطمأنينة في الأذكار بالتسبيح، والتهليل، والصلاة على النبي الأمين ، وتلاوة القرآن، { أَلاً بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد:28].. { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [الإسراء:82]..
لا تحزنوا.. وافزعوا إلى الله بالدعاء.. لا تعجزوا ففي الحديث « أعجز الناس من عجز عن الدعاء » تضرعوا إلى الله في ظلم الليالي.. وأدبار الصلوات.. اختلوا بأنفسكم في قعر بيوتكم شاكين إليه.. باكين لديه.. سائلين فَرَجُه ونَصره وفتحه.. وألحِّوا عليه.. مرة واثنتين وعشراً فهو يحب المُلحين في الدعاء.. { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة:186].
لا تحزنوا ولا تيأسوا.. { إِنَّهُ لاً يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [يوسف:87].
ستنجلي الظلمة.. وتولِّ الغمة.. وتعود البسمة.. فافرشوا لها فراش الصبر..
وهاتفوها بالدعاء والذكر.. وظنوا بالله خيراً.. يكن عند حسن ظنكم..
تحياتي
اختكم
ديمه