المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إبادة أهل السنة بالجملة



طلال صعفق الحافظ
23-12-2001, 12:38
إبادة أهل السنة بالجملة

أوزبكستان المسلمة



إبادة أهل السنة بالجملة
أوزبكستان المسلمة




إبادة أهل السنة بالجملة
أوزبكستان المسلمة






هذه مقالة كتبتها ممِّثلةٌ لجمعية حقوق الإنسان في أوزبكستان بعد زيارتها السرية لأحد معسكرات الاعتقال مكرِّسةًَ جهودها للسجناء المسلمين, فتقول:



معلومات عن معسكر "جَسْلِيقْ" للاعتقال


وصفت الوثائق و النشرات الإلامية التي تصدرها "جمعية حقوق الإنسان" في أوزبكستان – بالتفاصيل و على أساس من المعلومات الصحيحة - عقا باتٍ و تعذيبات مستخدمة تجاه السجناء في المعزلات التحقيقية و السجون و معسكرات الاعتقال.

إننا نقدم لرؤساء الحكومات و المنظمات الدولية معلومات تفصيلية عن التعذيبات الجارية وحالة حبس السجناء في معسكرات الاعتقال!

وهذه المعلومات تقوم على أساس من تصريحات أقرباء السجناء و رسائلهم, بل حتى على رسائل المسجونين أنفسهم!

وقد نظمنا عام: 1999م. جولات في عدد من معسكرات الاعتقال والسجون في البلاد ن أجل الاطلاع على الظروف السائدة في السجون. فقد قمت - أنا شخصيا - سنة 1999م. بزيارة المعسكر رقم 25/64 الذي يقع في مدينة "قَرَاوُولْ بَزارْ" بولاية بخُارَى وكذلك المعسكر المشدد الترتيب المرقَّم: 49/64 في مدينة "قَرْشي". وها أنا ذي قبل مدة قريبة زرت "معسكر الاعتقال رقم 71/64 الواقع على قرب محطة "جسليق" بـ"قَراقَلْباقِسْتانْ" – الجمهورية ذات الحكم الذاتي.

وبالطبع, فإن زياراتي هذه لم تكن رسمية إذ إنه من المعلوم لديكم -وأنتم على إلمام بذلك- بأنه لا يسمح بالمقابلة مع السجناء إلا لمن كان من أقربئهم ومن أجل ذا: اضطررت إلى قبول اقتراح آباء السجناء وأمهاتهم علي بأن أقوم بزيارة معهم كنسيبة لهم.

ويعلم كثير من الناس أن المعلومات المتعلقة بوجود معسكر جسليق للاعتقال ونشاطه الشديد (والذي اشتُِهر لدى المسلمين باسم "معسكر الإعدام"): تم الحصول عليها من قبل أعضاء جمعيتنا و أنها تلفت حاليا أنظار كثير من المنظمات الدولية.

هذا وقد رافقني في هذه الأسفار أعضاء عوائل "تَاجِيبايِيفْ" و "نَصْرِالدينوفْ" من مدينة "نَمَنْغانْ" و"تُورْغُونُوفْ" من مدينة "اَنْدِيجانْ" وسافرت أنا كخالة امرأة سين ولدت طفلا قبل مدة قريبة وقامت بزيارة "الجسليق" للقاء مع زوجها.

وفي الطريق تعجبنا من الناس الذين سمعوا عن معسكر "الجسليق" والذين سألوا منا قائلين: "إن الجسليق كان مملوءا بالوهابيين، اَفلمْ يعدموا رميا بالرصاص إلى الآن؟"

وقد طرحوا علينا مثل هذه الأسئلة في كل خطوة! و يبدو لنا أن كلمة "الوهابي" تعني هنا غولا! وقد تكون عندنا انطباع بأن سكان هذه المنطقة يخوِّفون أولادهم بكلمة "الوهابي"!

فقد قطعنا الطريق بمختلف وسائل النقل, و أخيرا ركبنا القطار المارّ على محطة "جسليق". ويجبالقول بأن أحد رجال الشرطة الذي كان واقفا عند الرصيف قد ساعدنا على ركوب عربة القطار. وكانت العربة مملوءة بسِلَع ولذا استقررنا في مدخلها, ولمَّا دخلنا عربتنا بجهد كبير اقترب منها رجال الشرطة و قالوا بصيغة الأمر لدليل العربة بأنهم يريدون التكلم مع بعض الركاب وتفتيشهم. فلما رأونا سألونا: "إلى أين تتوجهون؟" فأريناهم التصريح الصادر من وزارة الشؤون الداخلية في أوزبكستان الذي يسمح لأقرباء جلال الدين تُورْغُونُوفْ أن يزوروه في معسكر "جسليق" يوم 16 من كانون الأول سنة 1999م. فلما تركونا وابتعدوا قليلا اقترب منا ابان قويان وطلبا من كل واحد منا دفع خمسة آلاف سوم أوزبكي وادعا أنهما يعطيان نصف هذا المبلغ لدليل العربة والنصف الآخر لرجل الشرطة مقابل إقراره لنا للركوب في العربة.

و لم نقبل قولهما قائلين بأننا نستطيع أن ندفع للدليل أجرة السفر بأنفسنا فحينئذ انقضَّ هذان الشابان على فتيين مسافِرَيْن معنا وحاولا إخراجهما من العربة بالقوة ولم يكتفيا بذلك, بل أقذعا جميعنا بالشتائم! و لحسن الحظ أخذ القطار يتحرك و جاء إلينا دليل العربة, فأوضحنا له الوضع مشيرين إلى الشابين, وكان أحدهما في ذلك الوقت في خارج العربة و ثانيها في داخلها بجانبنا فقال الدليل بأنه لا يعرف ذينك الشابين واعتذر إلينا عنهما وسبهما باللغة القَرَاقَلْبَاقِيه، غير أن أحدهما لم يبتعد عنا بل لازمنا مراقبا لنا إلى أن وصلنا إلى محطة "جسليق", و حتى في جسليق أيضا لم يفارقنا فبدأنا نقلق منه وشبابنا أيضا قلقوا منه حتى وصلوا إلى تلك الحالة العصبية حتى كانوا مستعدين لضربه ضربا مبرحا. وبغية التخلص منه توجهنا إلى شرطيَّين فأوضحنا لهما الحال بإيجاز, فحينئذ أخذ أحد الشرطيين هذا الشاب و ذهب به إلى مكان ما، وأما الشرطي الآخر فأخذنا معه إلى قلم الشرطة بالمحطة حيث طلبا منا كتابة عريضة ومذكرة توضيحية لمقصدنا من الزيارة فسألناهم: "ما الذي ينتظرنا الآن؟" إلا أن محقق قسم القضايا الإجرامية أقنعنا بأنهم يحُلُّون هذه المسألة بأنفسهم.

بعدما أعدوا وثائقنا لدخول معسكر الاعتقال: وصلت إلينا من هناك سيارة خاصة لتنقلنا وكان قد دعي إلى المعسكر أيضا للمقابلة عشرة أشخاص آخرين غيرنا, وكلهم جاءوا من مختلف ولايات البلاد. وقد أوصلتنا السيارة إلى القسم العسكري رقم 7355 الواقع على بعد 8 كيلومترات عن محطة جسليق والمشتمل على معسكر الاعتقال. و بعد نزولنا من السيارة سَرْنا مشيا على أقامنا نحو 3 كيلومترات إلى أن وصلنا إلى المعسكر. ولكن الأمر الغريب: أننا لم نر في أي مكان من هذا القسم رقم المعسكر ولا عنوانه!!!

(لأنهم يحافظون عليه بسرية شديدة من الناس ومن ممثلي المنظمات الدولية المتخصصة بحقوق الإنسان)

وقد أدخلونا على قائد المعسكر "بَابَاجَانُوفْ آزادْ خُدَيْبِرْغَانُوفِيجْ" الذي تحدث إلينا عن الظروف والوسائل المتوفرة في المعسكر مؤكِّدا على أنه تقدم للسجناء 3 مرات يوميا وجبات لحمية ساخنة وأنواع من الفواكه والمشروبات وينظم مرة في الأسبوع يوم الاستحمام وتبديل البياضات و الحص الطبي بشكل حتمي.

إن "بَاجَانُوفْ" نفسه من خِيوَهْ حيثما يقع مجمع حياكة البسط والمفارش وأنه نصب هنا المناول والمكنات الخاصة بالحياكة لكيلا يشعر السجناء "بالملل". والآن يشتغل كل المسجونين بحياكة البسط جالسين في "غرف دافئة".

لقد بني المعسكر قريبا وقد استغربنا حينما أُخبِرنا بأن عدد السجناء هناك لم يجاوز250! وأيضا أظهر لنا باباجانوف استياءه وحزنه من بعض الناس "غير الجيدين" في طشقند والذين ينشرون إشاعات فاحشة وكاذبة- في زعمه - عن ذلك "المعسكر النموذجي"! وبعد فترة من الوقت ذهبوا بناإلى أقرب غرفة للمقابلة حيثما اضطررنا للانتظار حوالي 3 ساعات لأنه كان هناك زوار آخرون قدموا قبلنا من مختلف الولايات. وعندما خرج هؤلاء من الغرفة مكثنا ساعة أخرى في الدهليز منتظرين دعوتهم للمقابلة. و خلال هذه الفترة قمت بالتحدث مع آباء السجناء الآخرين الذين كانوا منتظرين لمجيئ دورهم للدخول إلى القائد باباجانوف و الإعراب عن شكرهم له.

إنني أسرد فيما يلي كلامهم من دون تصرف:

- "من سجن طشقند نقلوا المحبوسين في البداية إلى سجن "زَنْجِي آتا" ومن ثَم بالطائرة إلى معسكر جسليق. و كان نقلهم بخفية شدية للغاية بحيث لم يَدْرِ أحد في سجن "زَنْجِي آتا" إلى أين ينقلونهم. و لهذا السبب لم يستطع كثير من الآباء والأمهات أن يجدوا أبناءهم المسجونين.

و قد أجبر السجناء في الطائرة على أن يجلسوا جِلسة "القرفصاء" مع مد إحدى اليدين إلى الخلف و الأخرى إلى الأمام وربطت يد السجين الممدودة إلى الأمام بالأغلال إلى يد السجين الجالس أمامه – ربطا شديدا وقاسيا - وكذلك ربطت رجل كل واحد منهما ببعضهما البعض بالأصفاد! وهكذا جميع السجناء الذين ينقلون في الطائرة. حتى إنهم مُنعوا كل المنع من النظر إلى الأطراف و المحادثة م بعضهم البعض، وأي واحد منهم إذا تحرك كانت تنتظره ضربات السَّجَّان بالعصا. وحلقوا في الطائرة على هذه الحال لمدة 4 ساعات حتى وصلوا إلى "جسليق".

وعندما وصلوا إلى "جسليق" كانت الأرض هناك خلية فأجبروهم على أن يشيدوا فيها سجنا لأنفسهم. ولم يُعطِ الظلمة لهم خلال يوم كامل لا خبزا و لا ماء ولا شيئا آخر بل كانوا يضربون كل من يعترض منهم بالعصي المَّطاطية و يرفسونه ويدسونه بأرجلهم حتى يفقد وعيه!!! وبدا لأحد السجناء المضروبين بعد هذه الضربات الوحشية أنه سيموت فحمد الله تعالى على ذلك و استلقى على مدى 3 أيامبلا وعي, وحينما أفاق تكدر على أنه لم يمت!

و في الأوقات الفارغة كانوا يجبرون السجناء على جلوس "القرفصاء" مع ربط العنق باليدين وذلك من الساعة السابعة صباحا إلى الساعة العاشرة مساء. ويضربون كل من يلتفت يمنة أو يسرة بصورة عنيفة (مُلاك السجانة يتشكل أساسا من القَرَاقَلْبَاقِييْن و الروس و القَازَاقِييْن) قائلين:

"ها أنتم ترون! أوزبِككم قد باعوكم لنا! والآن لا يخرج أحد منكم من هنا حيا لأنكم إنما جئتم إلى هنا للموت!!!"

هذا والاستيقاظ بالمعسكر في الساعة السادسة صباحا و يسمح للسجناء بالرتداء خلال 3 دقائق فقط. ومن جديد الجلوس بجلسة "القرفصاء" رابطا العنق باليدين, وعلى هذه الحالة يذكر كل واحد منهم اسمه! ولكن من أجل الوقوع في "المشلَّح" والعودة إلى الوراء كان لا بد لهم من أن يمروا "بالطريق الحي!!" أي بالطريق الُمحاط الطرفين بالسجانة مع العصي.

فالسجين أينما كان -إذا رأى القائد باباجانوف- لا بد له من أن يجثو أمامه على ركبتيه و يمس بشفتيه الأرض و يسمي نفسه. وإن واحدا من السجناء حينما رأى باباجانوف مرة لم يخر له ساجدا بل رد على صيحة القائد القتال -الآمر بالسجود- قائلا: "إنني لا سجد إلا لله وحده". فأغضب هذا الكلام القائد فبدأ يضربه بحضور جمع من الناس حتى قتله.

وقد بلغ عدد القتلى من الضربات من أيار (مايو) إلى تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1999م إلى 17قتيلا.

وقد فقد كثير من السجناء وعيهم من جراء الضربات المتوالية على رؤوسهم!حتى أصبحوا لا يعرفون والدِيهم و أقربائهم!!!

وبالرغم من ذلك كله: يدخل الوالدون إلى "باباجانوف" ويظهرون شكرهم له. وليست عندهم حيلة أخرى! لأن النظام في المعسكر هكذا! فلو قدر أن أحدا من أولئك الآباء والأمهات لم يدخل إلى ذلك القائد للإعراب عن اتياحه فإن ابنه ينتظره عقاب عنيف!".

وأخيرا, أذنوا لجماعتنا بالدخول, وقبل ذلك أنذروا الجميع بعدم التكلم مع بعضهم البعض وعدم أخذ شيء أو منحه! وإلا سيوضع محضر الإخلال بالأنظمة الداخلية للسجن.

وقد تركوني في الفندق بالمعسكر إذ إنني كنت "خالة" امرأة سجين فقط!

وهناك تحدثت مع بعض الموظفين و العسكريين في المعسكر و حسب أقوالهم فإن هذا المعسكر قد تَلَقَّى قبل مدة قريبة أمرا من الأجهزة العليا بدعوة والدي السجناء بسرعة إلى المقابلة مع أبنائهم المسجونين لغاية بدء الانتخابات الرئاسية وباتخاذ إجاءات رامية إلى إيجاد انطباعات إيجابية لديهم عن حالة المعسكر و ظروفه و صحة السجناء فيه! وذلك من أجل وقف شائعات مختلفة منشورة في طشقند قد تؤثر سلبيا على عملية الانتخابات.

وهممت أن أسألهم عن صحة أقوال مخيفة سمعتها من آباء السجناء، والذين ذكروا بأن هذا ليس بشيء إذ يعاملون المسجونين هنا معاملة الكلاب أو أشد منها!وقالوا: "الأحسن أننا نصمت فإذا تحدثتم عن هذا في مكان ما ستطير رؤوسنا هنا".

و هاهو ما قالته "موجودة" - زوجة جلال الدين تُورْغُونْبَايِيفْ- بعد ملاقاتها معه: "رُمِّمَتْ غرفة الاستقبا بشكل رائع و نُصِبت فيها أرائك و مقاعد جديدة. وبعد حين ولج في الغرفة زوجي وجلس على المقعد و كان عليه لباس جديد إلا في رجليه حذاء متقطعة وكانت رجلاه مملوءة بقرحات. إنه لم يتأثر بحضوري البتة و لم يعرفني و كان يجلس بصمت الموتى شاخصا ببصره إلى نقطة واحدة! قلت له –ثلاثا- إني زوجتك " موجودة", جئت لكي أقابلك وها أنا قبل مدة يسيرة ولدت لك طفلا!!!" ولكنه لم يتكلم بشيء وما زال يجلس دون أن ينتبه إليّ, وكان السجان يدخل هذه الغرفة في كل نصف ساعة و يمكث لمدة 10 دقائق.

وفي الليل فقط بدأ زوجي بالكلام, وأخبرني ن أشياء مخيفة –قائلا-: "إن الكثير من السجناء لا يبقون هنا على قيد الحياة! لأنهم يتعرضون لتعذيبات عنيفة ويمرون كل صباح بـ"الطريق الحي" ويَلقَوْن مصرعهم من الضربات و التعذيبات التي يقوم بها السجانة وقائد المعسكر "باباجانوف" نفسه! وليست للسجناء فرصة لإقامة الصلاة! إذ منعوا كل المنع عنها وأنا أيضا لا أظن أنني أخرج من هنا حيا! وقبل شهر نقلونا إلى هنا - في سجن جديد و لسبب ما كفوا عن ضربنا و بدؤوا يغذوننا, و نظن أن هذا يُفعل بقصد ما و إنه لا يستمر طويلا".

و قد انتهت مقابلة الأقرباء مع السجناء بعد 1 ساعة، رغم أنهم وعدوا بأنها لمدة يوم وليلة! ثم دخل الوالدون واحدا - واحدا إلى القائد ليشكروا له! وقد طلبت "دَوْلِيتُوفَا" –وهي من "خَارَزِمْ"- والتي يرزح في السجن زوجُها: دوليتوف مصطفى وابنها دَوْلِيتُوفْ اُلوغْبِيكْ, طلبت من "باباجانوف" تقديم الأدوية لزوجها الذي يبول الدم. وأما القائد فقد أكد بأن الأدوية للسجناء كافية في المعسكر و أن "دَوْلِيتُوفْ" سيمر حتما بالفحص الطبي وحتى إنه أذن للمرأة –"بجوده وكرمه"- الإتيان بالأدوية.

هذا ومن معسكر الاعتقال أوصلونا بسيارة إلى قلم الشرطة بـ"جسليق, وكانت تقف هناك سيارة تنقل الركاب إلى طشقند, ووافق سائقها على أن يأخذني معه, ولكن أحاط بهذه السيارة فجأة كثير من رجال الشرطة و أجبروني على النزول منها وسألتهم: ما الأمر؟ فردّوا قائلين : إنك وصلت إلى ما وصلت! (يعني أنهم يهددونها بأنك الآن انتظري عقابك). وجاءوا بي إلى النيابة العمومية النقلية بجسليق و قدَّّم 7 أو 8 منهم تقريرا - وهم يؤدون التحية العسكرية-: "إن "عِنَا يَاتُوفَا" قد أُوصِلت". وقد سمى القائد نفسه بـ "اُرَزْبَايِيفْ" و قال بصوت عال: أتدرين ماذا ارتكبت؟ هممتِ بالمغادرة إلى طشقند بجعل الشا القَرَاقَلْبَاقِي الأمين مجرما؟ من الذي دعاكَ إلى هنا؟ و من طلب منك التوجه إلى الشرطة؟ لا رحلة لك من هنا! ينتظرك كبار المسؤولين في "قنغرات" (اسم إحدى المدن القَرَاقَلْبَاقِية)، إني أمرت بذلك فافعلي ما استطعت! من هو "اَلْمَاتُوفْ؟" وها هي تتعلق على الحائط صورة رئيسك "كَرِيمُوفْ"، اذهبي واشكي له! هنا نحن الأصحاب! هذا في مدينتك – طشقند؛ تحجز الشرطة الناس بدس شيء من المخدرات في جيوبهم! أما نحن فنعمل وفق القانون فلا تقارنينا بهم ولا نسمح لك بالذهاب من هنا إذا وقع بسببك أحد من الشباب القراقلباقيين في السن". وقد سردت كلام "اُرزباييف" بالضبط, وحينئذ قلت له: "إن زملائي سيحدثون غدا كيف عاملتموني وأن هذا سيفشى وينشر بسرعة في العالم أجمع! فافعلوا ما تريدون!".

إن ارزباييف بعد تفكير قليل أمر عماله أن يبقوني معه بانفراد, ثم قال لي بصوت منخفض: "حسنا، ارتحلي إلى طشقند, غير أنك أعيدي كتابة عريضتك" كما يزعم أن هذا الرجل لم يطلب النقود بل عامل بخشونة فقط لا أكثر. ولم تكن لدي حيلة أخرى فكتبت عريضتي من جديد. ومن ثم أمر "ارزباييف" المرتاح رجاله بمرافقتي إلى العربة و طلب مني مبتسما أن لا أنشر الحديث الذي رى فيما بيننا, وقد أركبني موظفُه في العربة وصاحبني إلى " قُنْغِرَاتْ". وبسبب عدم توفر الأماكن كنا مضطرين إلى الرحلة في مدخلها على مدى 13 ساعة و ذلك إلى مدينة "اُورْغَنْجْ", ودخل العربةَ في قنغرات 15 من رجال الأمن, و أمروني بالنزول منها على الفور! وقاومت بكل جهد, فقلت جهرا: "إذا ما زلتم تجورون علي فإني أستطيع أن أنتحر", وكانت أعصابي آنذاك قد بلغت الغاية, فطلبوا مني خفض الصوت قائلين بأنه قد يسمع الجميع لها, فحينئذ شرعت في رفع صوتي أكثر, و بدأ كثير من الناس يقترب مني و يهتم بالأمر, و أنا متشبث بباب حديي في مدخل العربة, فالأوزبك الذين في العربة بدؤوا يدافعون عني.

فعندئذ دعاني أحدهم - وهو كبيرهم - إلى غرفة دليل القطار فأبيت أن أذهب لوحدي, فقال: "لا تخافي, لا يحدث لك شيء وترتحلين إلى مدينتك و لكنك قومي بوعود بأنك لا تخبرين عمّا حدث هنا لأحد, وإلا سوف نُحَصِّلك و لو كنت في قعر الأرض ونجيء بك إلى "قنغرات" من أجل شأن ذلك الشاب". فوافقت على ذلك, فاعتذر للناس الذين اجتمعوا حولنا لما حصل من الإزعاج.

وفي طريقنا نحو طشقند منا من كانت تتحدث بهيجان عن زوجه و منا من تتحدث عن ابنها ومنا من يتحدث ع أحوال المسلمين عموما في المعسكر.

فالسجناء يُمنعون كل المنع عن إقامة الصلاة! فإن أقل شك وشبهة بأنهم يستعدون للعبادة قد يتسبب لضرب شديد. و كانوا يقيمون الصلاة في نفوسهم بدون تحريك الشفتين! وأما خلال رمضان فأفطروا بالتناوب!

ومن أجل موعد المقابلة مع الأقرباء ألبسوا المحبوسين في البداية بالأزياء الجديدة, وعندما أعادوهم إلى الزنزانة نزعوا كل ما عليهم وأعطوهم ملابسهم القديمة البالية .

وفي يوم 16 من كانون الأول – يوم زيارتنا لمعسكر جسليق كانت عليهم ألبسة صيفية, بينما كان يسود على منطقة "ُوسْتْ يُورْتْ" برد شديد للغاية, وبالرغم من ارتدائي معطفا دافئا كنت أحس بالبرودة القارسة من الرياح النافذة إلى العظام.

وقبل 20 يوما خفف السجانة من تعذيب السجناء. وجعلوا يقدمون لهم طعاما ساخنا, ولا يعلم أحد منهم إلى متى يدوم هذه المعاملة, غير أنهم على اطلاع تام بأن هذه الأمور مؤقتة لغاية الانتخابات الرئاسية.

هذا, و يعذب في هذا المعسكر من "الإرهابيين" -من مدينة "اَنْدِجانْ"- الذين حكم عليهم بالسجن – 14 شابا من 15 المحكوم عليهم – ,و3 من جماعة "ضياء خانوف" – أحد تلامذة العالم الإسلامي اشهير عَابِدْخَانْ قارئ نَظَرُوفْ!

ومن المحبوسين 3 أشخاص فقط منسوبون إلى أديان أخرى، وأما البقية فكلهم مسلمون! تم إدانتهم بتهمة الاعتداء على النظام الدستوري, و لكنهم يعدون أنهم عوقبوا بغير حق, بعقيدتهم الدينية و أن هذا ليس إلا افتراء فاحش و يرجون الخلاص من الله فقط.

وتبقى المرحلة الأولى ( يعني الفترة المتراوحة بين شهر مايو – أيار إلى الصيف) في ذاكرة المسجونين "كجهنم".

فقد بقي في قلب شركائي جرح عميق مما شاهدوا و سمعوا، فالريح الكريهة السائدة على جو المعسكر و الحيطان المحاطة بالأسلا الكهربائية و الحراسة العسكرية المشددة على مبنى شاهق مربع الأطراف ومن غير نوافذ للسجن, قد أثر عليهم كالملح المذرور على الجرح.

و قد وصلنا إلى طشقند في اليوم التالي في الساعة الثانية ليلا, وحسب قول الدليل: فإن القطار قد حبس في محطة "قنغرات" أكثر من ساعة, و لذا وصل إلى طشقند متأخرا ساعة.

فقد استقبلنا في المحطة رجال الشرطة و كان من بين الركاب كثير من الذين سافروا بلا تذاكر, ولكنهم قاموا بتفتيش تذاكرنا و وثائقنا فقط! ولما لم يجدوا شيئا "يشك فيه" سمحوا لنا بالذهاب.

وعندما ودَّع بعضنابعضا ناشدني شركائي على عدم إعلان أسمائهم و عناوينهم. ولكن في الحالة المشار إليها آنفا عليّ أن أذكر أسماء البعض منهم, حتى يكون كل ما حدثت عنه يقوم على أساس المعلومات الصحيحة .

وأحب أن أؤكد: أنني ألجأ إلى مدة ما إلى إبقاء بعض الأحداث في ذاكرتي مخفيا حتى إذا جاء الوقت المناسب سأتحدث عنه بصراحة!

وعندما رجعت إلى طشقند حصلت على معلومة جديدة عن معسكر الجسليق: حيث تبين أن المعسكر الذي قمت بزيارته إنما هو أحد المعسكرات الثلاث للاعتقال, وأنه تأسس خلال الشهرين من تشرين الأول إلى تشرين الثاني سنة 1999 بعد ما انتشر بيان جمعية حقوق الإنسان في أوزبكستان عن معسكر الاعتقال الذي شيدته سلطات البلاد للناس المحكوم عليهم بسبب عقائدهم الدينية (في20 أيلول 1999م) وأنه يعذب في أحد المعسكرات حاليا 7300 سجين و آخرها 8000 منهم. وكما تبين أنه لا يستطيع الذهاب إليها -ليس آباء السجناء فحسب- بل الناس القاطنون بالقرب منها أيضا. فإذًا, اتخذت سلطات أوزبكستان كل ما يلزم من الإجراءات حتى لا تؤثر تلك المعلومات عن معسكر جسليق - التي لفتت انتباه الأسرة العالمية- على الانتخابات الرئاسية سلبيًّا! ووفقا لأمر صادر عن سلطات البلاد بُن على الفور سجنٌ "نموذجي" جديد محسوب لـِ "250" سجينا في أرض القسم العسكري و نظمت مقابلات السجناء مع أقربائهم و الهدف من ذلك هو صرف نظر الأوساط الديمقراطية العالمية عن الحق!

ليس من الغرابة كون قائد معسكر جسليق "باباجانوف" قد نال رتبة عالية بعد الانتخابات الرئاسية و ذلك مقابل تمكنه من إقناع كثير من الناس بأن معسكر جسليق يشتمل على 250 سجينا فقط ومن ترويج شائعات بين الناس: "أن جسليق ليس معسكرا للاعتقال بل مصحة للسجناء"!.

وسيلة بنت عنايات

طشقند: 25 من كانون الأول سنة 1999 م.
r


رسالة تحية



السلام عليكم أمّاه!

كيف أنتم؟ كيف صحة النسباء ؟ و إذا ما سألتني فعندي كل شيء على ما يرام، صحتي جيدة، أماه! كيف أحوال أولادي و زوجتي؟ بلغي إليهم عني السلام. أماه! لا تضطربي من أجلي، فعندي كل شيء على ما يرام، أشتاق إليكم و سألتقي بكم إن شاء الله و بلغي عني السلام إلى الأقرباء و الجيران. وإلى اللقاء، أعانق و أقبل . ابنك يادْغارْ

و ليست عندي حاجة إلى شيء, كل شيء كاف, أودعكم, قبَّلي أولادي عني "يادغار". التوقيع.

و الرسالة المذكورة كتبها "أحمدوف يدغار" الذي كان يسكن في العنوان التالي: "طشقند, منطقة "أكمل إكراموف", الشارع "استراحت", المنزل #2 و قد حكم عليه بالسجن لمدة 8 سنوات وفقا للمادة رقم 159, القسم الثالث, البند "ب" للقانون الإجرامي لأوزبكستان. و قد نقل أحمدوف يادغار يوم 20 من كانون الأول سنة 1999م من المعسكر رقم 71/64 الواقع على محطة جسليق بجمهورية قراقلباقستان إلى السجن الصحي بطشقند وهو مصاب بمرض السل الشديد الوطأة.

يوم 10 من كانون الأول تلقت أم أحمادوف رسالة من قائد معسكر جسليق الذي سمح لها فيها بالمقابلة مع ابنها لمدة يوم وللة. فتأهبت بسرعة للسفر, وحينما وصلت إلى معسكر جسليق اطلعت على تدهور صحة ابنها فإنه كان مريضا بمرض السل, وفي أثناء مقابلتها مع ابنها كانت الممرضات يعطين له الأدوية للتناول تارة فتارة. وبغية عدم إلحاق الضرر بابنها لم تقل أمه شيئا لـ"باباجانوف" عن صحته, وعندما عادت إلى منزلها كانت تنتظرها الرسالة السالفة الذكر, حيثما أخبرت أن صحة ابنها جيدة. وبعد حين اطلعت أم أحمادوف من بعض الناس العارفين الذين زاروا جسليق على أنّ "يادغار" قد نقل إلى مكان ما ، فحاولت على أن تلتقي مع "قديروف" - قائد قسم توزيع السجناء عل المعسكرات و السجون لدى وزارة الشؤون الداخلية - إلا أن محاولتها لم تعد بأية نتائج، حيث قيل لها بصراحة: إنه لا طريق لها إلى "قديروف". ومن ثم توجهت "أحمدوفا" إلى "وسيلة بنت عنايات"- ممثلة جمعية حقوق الإنسان في أوزبكستان رجاء مساعدتها, فكتبت "وسيلة" رسالة إلى "قَديروف" طالبة منه رسميا الاطلاع على أي مكان يحبس "أحمدوف يدغار"؛ حاليا؟. وعلى رسالتها رد نائب "قديروف" - يدعى "سَريقوف" - قائلا: إن "أحمدوف يدغار" قد نقل إلى السجن الصحي رقم 18/64 بطشقند و أن أمه باستطاعتها زيارة القسم الطبي.

فذهبت "أحمدوفا" إلى المكان المشار إليه و علمت من الأطباء أن ابنها مرض بأثقل وطأة من مرض السل, وأنه قد هزُل وصار لا يأكل شيئا, وقد أمرها الطبيب بشراء الأدوية التي تقدر قيمتها بمبلغ 14000 سوم أوزبكي إجماليا. و في اليوم التالي أتت أمه بكل ما يلزم من الأدوية إلا أنها اطلعت بعد أيام من طبيب لم يرد إبداء اسمه على "أن "يدغار" لم يتناول و لم يستلم شيئا من هذه الأدوية, و أنه يحبس حاليا بالطابق التحتاني, و لا تقدم له أية مساعدة طبية, و أنه قد جاء أمر من "باباجانوف" بإرجاع السجناء فورا إلى الوراء!!!"

و توجهت "أحمدوفا" مرة أخرى إلى وسيلة بنت عنايات راجيا منها أن تعينها, فبعثت وسيلة بنت عنايات إلى "سَريقوف" باسم جمعية حقوق الإنسان رسالة طلبت فيها منه الإذن لعائلة "أحمدوف يدغار" بزيارته حتى تتحسن صحته!" وفي هذه المرة تم التوصل إلى الإذن.

وفي يوم 12 من كانون الأول سنة 1999م تلقت "تاجِيبايِيفا موجودة" رسالة من باباجانوف – قائد معسكر جسليق- والذي سمح لها بالمقابلة مع زوجها "نصرالدينوف بحر الدين" الذي ولد في مدينة نمنغان سنة 1974م ,وحكم عليه بالسجن لمدة 2,5 سنة وفق المادة رقم 159, القسم الول للقانون الإجرامي لجمهورية أوزبكستان والذي جرت محاكمته خلال نيسان سنة 1999م بعد ما نقل إلى السجن في "زنجي آتا" ثم إلى المعسكر رقم 49/64 بمدينة "قرشي" ومن هناك إلى "جسليق". وقد تأهبت "موجودة" للسفر بسرعة, وحينما وصلت إلى المعسكر سمعت من السجانة أن زوجها قد مرض بالسل!

لماذا أعلنوا هذا بصراحة؟

لأن نصر الدينوف كان قد أصبح في حالة خطرة بالقسم الصحي!

وبعد مرور شهر؛ قامت بزيارة من جديد إلى "جسليق", و لكن الوضع في المعسكر آنذاك كان قد تغير! حيث إن الاستقبالات الحارة و حسن الاستافة من قبل القائد والسجانة قد انتهت! وأما صحة زوجها فقد تدهور بصورة أكثر وهو ما زال يرقد في القسم الصحي بالمعسكر و قد استقبلها "باباجانوف" بصرخات و شتائم و تهديدات! وبصعوبة كبيرة استطاعت موجودة على أن تحصّل إذنا منه للقاء مع زوجها, وقد هددها قائلا: "إذا ما أخللت بقواعدنا الداخلية فإني لا أضيف إلى مدة زوجك أياما و أشهرا بل سنوات وعندي رخصة لهذا!".

و قد تحدث نصر الدينوف بحر الدين إلى زوجته عن تغير الوضع في المعسكر وأنه عاد كل شيء إلى حالته القديمة بحيث كفوا عن تقديم طعام ساخن للسجناء و يزجون في لزنازين المتكونة من 8 مسجونين و يعطون خبزا واحدا لليوم و يضربون و يعذبون و لا يقدمون للمرضى مساعدة طبية.و إذا ما شكل عددُ الموتى لغاية كانون الأول 17 سجينا فإن هذا العدد قد بلغ لغاية اليوم 39[1].

إن باباجانوف يشارك شخصيا في الضربات.

و قبل عدة أيام نقل إلى هنا ما يقرب من 300 سجين نصفهم في حالة الضعف و النصف الآخر مصاب بالسل و أمراض الكبد.

فقد عاينت "بنتُ تاجيبايْ" في جسم زوجها كدمات و آثارا من الضربات! وكل هذا بالرغم من أنه قد مرض مرضا شديدا و قد التقت هي حين عودتها إلى دارها مع آاء العديد من السجناء من أنديجان و صدقت على أن ما حدث لهم أبنائهم بالدموع هو الواقع المرير!!!








** ** **


||









--------------------------------------------------------------------------------

[1] هذه معلومات قديمة, و إلى يومنا هذا بلغ عدد القتلى في المعسكر نحو100.



هذه مقالة كتبتها ممِّثلةٌ لجمعية حقوق الإنسان في أوزبكستان بعد زيارتها السرية لأحد معسكرات الاعتقال مكرِّسةًَ جهودها للسجناء المسلمين, فتقو:



معلومات عن معسكر "جَسْلِيقْ" للاعتقال


وصفت الوثائق و النشرات الإعلامية التي تصدرها "جمعية حقوق الإنسان" في أوزبكستان – بالتفاصيل و على أساس من المعلومات الصحيحة - عقا باتٍ و تعذيبات مستخدمة تجاه السجناء في المعزلات التحقيقية و السجون و معسكرات الاعتقال.

إننا نقدم لرؤساء الحكومات و المنظمات الدولية معلومات تفصيلية عن التعذيبات الجارية وحالة حبس السجناء في معسكرات الاعتقال!

وهذه المعلومات تقوم على أساس من تصريحات أقرباء السجناء و رسائلهم, بل حتى على رسائل السجونين أنفسهم!

وقد نظمنا عام: 1999م. جولات في عدد من معسكرات الاعتقال والسجون في البلاد من أجل الاطلاع على الظروف السائدة في السجون. فقد قمت - أنا شخصيا - سنة 1999م. بزيارة المعسكر رقم 25/64 الذي يقع في مدينة "قَرَاوُولْ بَزارْ" بولاية بخُارَى وكذلك المعسكر المشدد الترتيب المرقَّم: 49/64 في مدينة "قَرْشي". وها أنا ذي قبل مدة قريبة زرت "معسكر الاعتقال رقم 71/64 الواقع على قرب محطة "جسليق" بـ"قَراقَلْباقِسْتانْ" – الجمهورية ذات الحكم الذاتي.

وبالطبع, فإن زياراتي هذه لم تكن رسمية إذ نه من المعلوم لديكم -وأنتم على إلمام بذلك- بأنه لا يسمح بالمقابلة مع السجناء إلا لمن كان من أقربائهم ومن أجل ذا: اضطررت إلى قبول اقتراح آباء السجناء وأمهاتهم علي بأن أقوم بزيارة معهم كنسيبة لهم.

ويعلم كثير من الناس أن المعلومات المتعلقة بوجود معسكر جسليق للاعتقال ونشاطه الشديد (والذي اشتُِهر لدى المسلمين باسم "معسكر الإعدام"): تم الحصول عليها من قبل أعضاء جمعيتنا و أنها تلفت حاليا أنظار كثير من المنظمات الدولية.

هذا وقد رافقني في هذه الأسفار أعضاء عوائل "تَاجِيبايِيفْ" و "نَصْرِالدينوْ" من مدينة "نَمَنْغانْ" و"تُورْغُونُوفْ" من مدينة "اَنْدِيجانْ" وسافرت أنا كخالة امرأة سجين ولدت طفلا قبل مدة قريبة وقامت بزيارة "الجسليق" للقاء مع زوجها.

وفي الطريق تعجبنا من الناس الذين سمعوا عن معسكر "الجسليق" والذين سألوا منا قائلين: "إن الجسليق كان مملوءا بالوهابيين، اَفلمْ يعدموا رميا بالرصاص إلى الآن؟"

وقد طرحوا علينا مثل هذه الأسئلة في كل خطوة! و يبدو لنا أن كلمة "الوهابي" تعني هنا غولا! وقد تكون عندنا انطباع بأن سكان هذه المنطقة يخوِّفون أولادهم بكلمة "الوهابي"! r

فقد قطعنا الطريق بمختلف وسائل النقل, و أخيرا ركبنا القطار المارّ على محطة "جسليق". ويجب القول بأن أحد رجال الشرطة الذي كان واقفا عند الرصيف قد ساعدنا على ركوب عربة القطار. وكانت العربة مملوءة بسِلَع ولذا استقررنا في مدخلها, ولمَّا دخلنا عربتنا بجهد كبير اقترب منها رجال الشرطة و قالوا بصيغة الأمر لدليل العربة بأنهم يريدون التكلم مع بعض الركاب وتفتيشهم. فلما رأونا سألونا: "إلى أين تتوجهون؟" فأريناهم التصريح الصادر من وزارة الشؤون الداخلية في أوزبكستان الذي يسمح لأقرباء جلال الدين تُورْغُونُوفْ أنيزوروه في معسكر "جسليق" يوم 16 من كانون الأول سنة 1999م. فلما تركونا وابتعدوا قليلا اقترب منا شابان قويان وطلبا من كل واحد منا دفع خمسة آلاف سوم أوزبكي وادعا أنهما يعطيان نصف هذا المبلغ لدليل العربة والنصف الآخر لرجل الشرطة مقابل إقراره لنا للركوب في العربة.

و لم نقبل قولهما قائلين بأننا نستطيع أن ندفع للدليل أجرة السفر بأنفسنا فحينئذ انقضَّ هذان الشابان على فتيين مسافِرَيْن معنا وحاولا إخراجهما من العربة بالقوة ولم يكتفيا بذلك, بل أقذعا جميعنا بالشتائم! و لحسن الحظ أخذ القطار يتحرك و جاء إلينا ليل العربة, فأوضحنا له الوضع مشيرين إلى الشابين, وكان أحدهما في ذلك الوقت في خارج العربة و ثانيهما في داخلها بجانبنا فقال الدليل بأنه لا يعرف ذينك الشابين واعتذر إلينا عنهما وسبهما باللغة القَرَاقَلْبَاقِيه، غير أن أحدهما لم يبتعد عنا بل لازمنا مراقبا لنا إلى أن وصلنا إلى محطة "جسليق", و حتى في جسليق أيضا لم يفارقنا فبدأنا نقلق منه وشبابنا أيضا قلقوا منه حتى وصلوا إلى تلك الحالة العصبية حتى كانوا مستعدين لضربه ضربا مبرحا. وبغية التخلص منه توجهنا إلى شرطيَّين فأوضحنا لهما الحال بإيجاز, فحينئذ أخذ أحد الشطيين هذا الشاب و ذهب به إلى مكان ما، وأما الشرطي الآخر فأخذنا معه إلى قلم الشرطة بالمحطة حيث طلبوا منا كتابة عريضة ومذكرة توضيحية لمقصدنا من الزيارة فسألناهم: "ما الذي ينتظرنا الآن؟" إلا أن محقق قسم القضايا الإجرامية أقنعنا بأنهم يحُلُّون هذه المسألة بأنفسهم.

بعدما أعدوا وثائقنا لدخول معسكر الاعتقال: وصلت إلينا من هناك سيارة خاصة لتنقلنا وكان قد دعي إلى المعسكر أيضا للمقابلة عشرة أشخاص آخرين غيرنا, وكلهم جاءوا من مختلف ولايات البلاد. وقد أوصلتنا السيارة إلى القسم العسكري رقم 7355 الواقع على بعد كيلومترات عن محطة جسليق والمشتمل على معسكر الاعتقال. و بعد نزولنا من السيارة سَرْنا مشيا على أقدامنا نحو 3 كيلومترات إلى أن وصلنا إلى المعسكر. ولكن الأمر الغريب: أننا لم نر في أي مكان من هذا القسم رقم المعسكر ولا عنوانه!!!

(لأنهم يحافظون عليه بسرية شديدة من الناس ومن ممثلي المنظمات الدولية المتخصصة بحقوق الإنسان)

وقد أدخلونا على قائد المعسكر "بَابَاجَانُوفْ آزادْ خُدَيْبِرْغَانُوفِيجْ" الذي تحدث إلينا عن الظروف والوسائل المتوفرة في المعسكر مؤكِّدا على أنه تقدم للسجناء 3 مرات يوميا وجباتلحمية ساخنة وأنواع من الفواكه والمشروبات وينظم مرة في الأسبوع يوم الاستحمام وتبديل البياضات و الفحص الطبي بشكل حتمي.

إن "بَاجَانُوفْ" نفسه من خِيوَهْ حيثما يقع مجمع حياكة البسط والمفارش وأنه نصب هنا المناول والمكنات الخاصة بالحياكة لكيلا يشعر السجناء "بالملل". والآن يشتغل كل المسجونين بحياكة البسط جالسين في "غرف دافئة".

لقد بني المعسكر قريبا وقد استغربنا حينما أُخبِرنا بأن عدد السجناء هناك لم يجاوز250! وأيضا أظهر لنا باباجانوف استياءه وحزنه من بعض الناس "غير الجيدين" في طشقند والذي ينشرون إشاعات فاحشة وكاذبة- في زعمه - عن ذلك "المعسكر النموذجي"! وبعد فترة من الوقت ذهبوا بنا إلى أقرب غرفة للمقابلة حيثما اضطررنا للانتظار حوالي 3 ساعات لأنه كان هناك زوار آخرون قدموا قبلنا من مختلف الولايات. وعندما خرج هؤلاء من الغرفة مكثنا ساعة أخرى في الدهليز منتظرين دعوتهم للمقابلة. و خلال هذه الفترة قمت بالتحدث مع آباء السجناء الآخرين الذين كانوا منتظرين لمجيئ دورهم للدخول إلى القائد باباجانوف و الإعراب عن شكرهم له.

إنني أسرد فيما يلي كلامهم من دون تصرف:

- "من سجن طشقند نقلوا المبوسين في البداية إلى سجن "زَنْجِي آتا" ومن ثَم بالطائرة إلى معسكر جسليق. و كان نقلهم بخفية شديدة للغاية بحيث لم يَدْرِ أحد في سجن "زَنْجِي آتا" إلى أين ينقلونهم. و لهذا السبب لم يستطع كثير من الآباء والأمهات أن يجدوا أبناءهم المسجونين.

و قد أجبر السجناء في الطائرة على أن يجلسوا جِلسة "القرفصاء" مع مد إحدى اليدين إلى الخلف و الأخرى إلى الأمام وربطت يد السجين الممدودة إلى الأمام بالأغلال إلى يد السجين الجالس أمامه – ربطا شديدا وقاسيا - وكذلك ربطت رجل كل واحد منهما ببعضهما البعض بالأصفاد! وهكذاجميع السجناء الذين ينقلون في الطائرة. حتى إنهم مُنعوا كل المنع من النظر إلى الأطراف و المحادثة مع بعضهم البعض، وأي واحد منهم إذا تحرك كانت تنتظره ضربات السَّجَّان بالعصا. وحلقوا في الطائرة على هذه الحال لمدة 4 ساعات حتى وصلوا إلى "جسليق".

وعندما وصلوا إلى "جسليق" كانت الأرض هناك خلية فأجبروهم على أن يشيدوا فيها سجنا لأنفسهم. ولم يُعطِ الظلمة لهم خلال يوم كامل لا خبزا و لا ماء ولا شيئا آخر بل كانوا يضربون كل من يعترض منهم بالعصي المَّطاطية و يرفسونه ويدسونه بأرجلهم حتى يفقد وعيه!!! وبدا لأحد الجناء المضروبين بعد هذه الضربات الوحشية أنه سيموت فحمد الله تعالى على ذلك و استلقى على مدى 3 أيام بلا وعي, وحينما أفاق تكدر على أنه لم يمت!

و في الأوقات الفارغة كانوا يجبرون السجناء على جلوس "القرفصاء" مع ربط العنق باليدين وذلك من الساعة السابعة صباحا إلى الساعة العاشرة مساء. ويضربون كل من يلتفت يمنة أو يسرة بصورة عنيفة (مُلاك السجانة يتشكل أساسا من القَرَاقَلْبَاقِييْن و الروس و القَازَاقِييْن) قائلين:

"ها أنتم ترون! أوزبِككم قد باعوكم لنا! والآن لا يخرج أحد منكم من هنا حيا لأنكم إنما جتم إلى هنا للموت!!!"

هذا والاستيقاظ بالمعسكر في الساعة السادسة صباحا و يسمح للسجناء بالارتداء خلال 3 دقائق فقط. ومن جديد الجلوس بجلسة "القرفصاء" رابطا العنق باليدين, وعلى هذه الحالة يذكر كل واحد منهم اسمه! ولكن من أجل الوقوع في "المشلَّح" والعودة إلى الوراء كان لا بد لهم من أن يمروا "بالطريق الحي!!" أي بالطريق الُمحاط الطرفين بالسجانة مع العصي.

فالسجين أينما كان -إذا رأى القائد باباجانوف- لا بد له من أن يجثو أمامه على ركبتيه و يمس بشفتيه الأرض و يسمي نفسه. وإن واحدا من السجناء حينمارأى باباجانوف مرة لم يخر له ساجدا بل رد على صيحة القائد القتال -الآمر بالسجود- قائلا: "إنني لا أسجد إلا لله وحده". فأغضب هذا الكلام القائد فبدأ يضربه بحضور جمع من الناس حتى قتله.

وقد بلغ عدد القتلى من الضربات من أيار (مايو) إلى تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1999م إلى 17قتيلا.

وقد فقد كثير من السجناء وعيهم من جراء الضربات المتوالية على رؤوسهم!حتى أصبحوا لا يعرفون والدِيهم و أقربائهم!!!

وبالرغم من ذلك كله: يدخل الوالدون إلى "باباجانوف" ويظهرون شكرهم له. وليست عندهم حيلة أخرى! لأن النام في المعسكر هكذا! فلو قدر أن أحدا من أولئك الآباء والأمهات لم يدخل إلى ذلك القائد للإعراب عن ارتياحه فإن ابنه ينتظره عقاب عنيف!".

وأخيرا, أذنوا لجماعتنا بالدخول, وقبل ذلك أنذروا الجميع بعدم التكلم مع بعضهم البعض وعدم أخذ شيء أو منحه! وإلا سيوضع محضر الإخلال بالأنظمة الداخلية للسجن.

<






24 October 2001
7 شعبان 1422




شرطة كريموف المجرمة قتلت شابًا مسلمًا آخر بتعذيب عنيف


أصابت مسلمي أوزبكستان 18 من تشرين الأول الجاري مصيبة أخرى، يث قتل أفراد الشرطة شابًّا مسلمًا طشقنديًا يُدعى "رَوْشانْ حَييتوفْ" بأساليب التعذيب الوحشية. فقد ذهب الوحوش به إلى إدارة الشؤون الداخلية بحيّ "صابر رحيموف" 17 تشرين الأول وأحضروا جثمانه الهامد إلى بيته بعد يوم – 18 تشرين الأول. وأخبر شهود عيان بأن عنق الشهيد و رجله كان قد كُسّر وأنّ جسده كله قد امتلئ بكدمات ناتجة من التعذيب البشع.

فكان "روشان حييتوف" بالغًا من العمر 32 سنة وله طفلان.

إنّا لله وإنّا إليه راجعون!

كان أفراد الشرطة قد اعتقلوا "روشان" مع أخيه"رسول حَيِيتوفْ" لذي بلغ من العمر 25 سنة. ويتواجد "رسول" حاليًا في حالة خطيرة من جراء ضرب وحوش الشرطة بعنف بأحد مستشفيات طشقند. غير أن الشرطة تواصل استجوابها إياه في تلك الحالة وتمنع والديه من عيادته.
وقد اتهمت الحكومة هذين الشقيقين المسلمين بالعضوية في "حزب التحرير"، إلا أنهما قد نفيا صلتهما بهذا التنظيم نفيًا باتًّا.

وقد أفاد بفاجعة القتل عدد من وسائل الإعلال العام الأجنبية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية. وعلى أخبارها فقد أقيم دعوى على 4 من أفراد الشرطة بسبب هذه المأساة وتم حبسهم.

و تشتد من يوم إلىآخر سياسة إبادة المسلمين التي يمارسها كريموف، ولم يمض شهر من قتل أخينا "سيد عليوف عبد الواثق" في السجن وها حدثت هذه المأساة. قد زاد خلال السنوات ما بين 3- 4 عدد المسلمين المقتولين من قبل الحكومة على 100 شخص.

من المعلوم المقرر لدى المسلمين فان كريموف ما أقدم على التعاون العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية إلا بغرض النجاة من نتائج جرائمه التي ارتكبها ضد المسلمين. ومن المؤسف أن الولايات المتحدة - التي تتكلم دائما عن حقوق الإنسان- بدأت تعطف على حكومة كريموف التي تنتهك حرمات المسلمين وأعراضهم وتقومبإبادة مخلصيهم بالجملة. وبعد ما نال كريموف بصعوبة عناية الإدارة الأمريكية بدأ يؤول هذا كإجازة لاضطهاده الشديد للمسلمين. فقد طرح أحد الصحفيين في مؤتمر صحفي منعقد بعد لقاء كريموف مع "رمسفلد" وزير الدفاع الأمريكي سؤالا آت: إن الولايات المتحدة كانت تدين أوزبكستان بإخلال بحقوق الإنسان، وهل ذُكر هذا الموضوع في لقائكما؟ إجابة عن هذا السؤال قال الرئيس: "أعتقد أن الكثير قد تغير في سياسة الولايات المتحدة والدول الغربية بعد زيارة السيدة "آلبريت" لأوزبكستان. إنهم بدءوا يفهموننا..." فأضاف: "نعم، إننا لم نبحث هذ الموضوع مع السيد رمسفلد". بعد ذلك هب إلى تشديد أفعاله الإجرامية و أخذ يوصل عنفه على المسلمين إلى مستوي لا يُطاق بذريعة مكافحة ما يسمى بـ"الإرهاب". واستفادًا من الحملة العسكرية التي تشنها أمريكا على المسلمين الأفغان, ألقى عدة كلمة عبر الإذاعتين المرئية والمسموعة المحليتين واستنكر فيها شديدًا من يسميهم بالإرهابيين من أبناء الإسلام, الأمر الذي أدّى إلى سُعر أفراد الشرطة تجاه المسلمين الأبرياء. وبعد كل كلمة يلقيها يتوقع الناس شيئًا ما بالخوف والذعر. فلا ندري إلى متى تدوم هذه الفظيعة؟

وكان كريموف ق أدلى بحديث لوكالة الأنباء الحكومية، حيثما قال: "علينا أن نعلم أن الصبر على الناس المغرضين الذين يشيعون أوراقًا وأقوالاً مختلقة ويعيثون فسادًا ويقومون بالدعوة باسم الدين في بعض الأحياء والإهمال بهم هما نفس الإعانة للناس الأشرار". (تلفزيون أوزبكستان، 9 تشرين الأول 2001م).

ظلّت هذه الكلمة تحريضًا للإرهابيين الحقيقيين في المناصب الحكومية على مواصلة أعمالهم العنيفة تجاه المسلمين. ومن هذه الكلمة كان عدد من منظمات الدفاع من حقوق الإنسان المحلية والدولية، يتوقع اشتداد الحملة المناهضة للمسلمين التي يشنه كريموف. ولم تمر فترة من هذا التهديد البالغ فثبت ما توقع، حيث أقدمت الشرطة الأوزبكية الوحشية على إنفاذ أمر "أبيها" بكل جهد. و كان جثمان"روشان" "هدية" أولى له بعد خطابه من عصابة "ألماتوفْ" - وزير الداخلية.

و قد أظهر الرئيس نفسه في تلك الخطبة طائعا حصفا, قائلا "لعلمنا أن القرآن الكريم اعتبر قتل النفس بغير حق أكبر الكبائر". يقول هذا ولكنه لا يعتبر قتل المسلمين حتى من الصغائر. أصبح سفك دمائهم عادة في السجون ولا يجلب إلى المسؤولية أحد من أفراد الشرطة، بل يكافئون على ذلك.



ويلعنكريموف المسلمين الذين لم يجدوا حيلة سوى قبض الأسلحة بأيديهم وإعلان الجهاد ضد الظلم والاضطهاد، منددا بهم ويصفهم بـ"عصابات حقيرة تدعي الإسلام وتخرب و تقتل الشعوب..." ولكنه لم يتساءل نفسه بإنصاف: "ومن أنا؟ وماذا فعلت؟ من أين جاءت هذه العصابات وماذا أجبرها على الأخذ بالسلاح وإعلان الجهاد، إذا كنت أنا معصوما من كل ذنب؟"

وقد اعتذر الرئيس الروسي "بوتين" إلى شعبه عبر التلفاز حاسبًا نفسه مذنبًا في غرق غواصة "كورْسْكْ الذرية. وهكذا فعل "كلينتون" حينما أوقع شعبه في الحالة الحرجة. ولكن الرئيس الأوزبك الذي لا يرضى عن أن يضع مكانته دون أحد من الجبابرة لا يتأسى بهما. ولا يعترف ولو مرة بـ"أن الذي لا عيب له هو الرب" كما يقول المثل الأوزبكي. إن اقتضت الحاجة فإنما يسب وينهر منْ الذي حوله من الوزراء خداعًا وكتمانا عيوبه.

وبمناسبة المأساة الأخيرة لنا ندعو مسلمي أوزبكستان خاصةً وكل الناس المحبين للسلام عامة إلى إدانة السياسة العدوانية التي يمارسها كريموف. ومن يصمت شاهدًا على العنف والعدوان ومن لا يعطي إشارة للظالم الطاغي الذي يتجاوز كل الحدود ولا ينهاه عن المنكر ولا يأمره بالمعروف فهو من نوع الناس الين يلحقون ضررًا بدينهم ودنياهم وهم لا يشعرون. فالنضال ضد عنف الظالم بقدر الاستطاعة بكل الوسائط التي بينها الله ورسوله هو واجبنا اليوم. ولا ينبغي للناس أن يسمعوا كل ما يلقى كريموف من الكلمة بلا رد ويقبلوه بلا اعتراض. إنما كلام الله يُسمع ويُقبل بلا أي شيء. ولذا يجب أن يخرج من الشعب الأوزبكي من يذكره وينصحه بأنه من بني آدم, يصيب ويخطئ وأن ما يفعله حاليًا تجاه الإسلام والمسلمين هو الخسارة والندامة في الدارين، وأنه يجب عليه أن يتوب أمام الخلق مما ارتكبه من الجرائم ضدهم ويفرج عن المسلمين السجناء الأبرياء أجمع ن الزنازين ويعتذر إليهم. وعلينا أن نطالبه باستمرار بعقوبة "الجلادين" الذين يعذبون المسلمين ويقتلونهم، والكف عن اضطهاد المؤمنين ولاسيما الشباب الملتزمين والفتيات المتحجبات وفي مقدمتهم، المدرسين والمدرسات والطالبين والطالبات.

وفي الواقع كان يجب على الناس المقربين من كريموف أن لا يكونوا متملقين له ولا جبناء ولا مغرضين. وكان لابد من أن يتواجد في المجتمع الأوزبكي الأعيان والمثقفين والعلماء القادرين على أن يقولوا لوجه الرئيس مباشرة خطاياه السياسية. وإذا كان الشعب الأوزبكي شجاعا وبطلاً, كما وصفه الشعرا والكتاب, فمتى يقول أبناءه قولهم النقي؟ إذ ظلم كريموف تجاوز كل الحدود، فمتى يعلن علماء هذا البلد الذين يعلمون الناس أن لا يخافوا إلا الله، نصيحتهم التاريخية له عبر رسالة مفتوحة؟ فأين أولئك العلماء والفضلاء والشعراء والكتاب؟ والنبي صلى الله عليه وسلم قال "الدين النصيحة" (رواه البخاري)، وهذه النصيحة تشتمل على ولاة الأمور أيضا ولكن من الأسف إنما يطبق هذا الحديث في بلادنا لعامة الناس.

ويلقى المسلمون الأوزبك مصرعهم في سجون كريموف من التعذيب اللامحدود ولا يجرأ أحد على النصيحة له، أفلا نتصور أن عاقبة هه السياسة الشرسة تكون شرًا للحكومة نفسها والشعب بأثره وأن مسئوليتها تحمل علينا جميعا في هذه الدنيا والآخرة؟! ويا تُرى أن كل ذنب يعود إلى "المقاتلين الإسلاميين" في الخارج؟ ولم يكن أحد يتلفظ كلمة الجهاد قبل أن يلقي كريموف في سجونه عشرات آلاف من المسلمين الأبرياء. ومنْ الذي أجبر الناس على أخذ السلاح؟

ويحسب كريموف أن كل شيء يمكن أن يُقمع بقوة وعنف وأن كل جريمة ارتكبت بهذا الغرض تبرَّر أو أنها تُنسى. كلا, تلك أمانيه, إذ بلغ خطأ الحكومة إلى تلك الغاية فالآن لن تُمحى إحدى جرائمها من ذاكرة المسلمين، حتىمن ذاكرة أطفالهم، فإنهم ينشئون عالمين بأن كريموف هو ساجن آبائهم وقاتلهم.

وإن استطاع كريموف أن يطيح بمجموعات مسلحة إسلامية تهدد الحكومة الأوزبكية، بإعانة من القوات الأمريكية، فهل يحل المسألة تماما؟ كلا, فإن القضية الحقيقية ليست في "المقاتلين الإسلاميين" بل وفي"عدم وجود الحل الوسطى السياسي". ولو كانت حكومة كريموف صابرة وقامت بفعلها مع العقل لألفت الحل الوسط مع أي مقاتل أو جماعة.

وما دام كريموف "لا يتذكر" بنفسه هذه الأفكار فمن المؤسف أنه لا يوجد أيضا في البلاد سياسي أو كاتب أو عالم أو إام يجرأ على تذكيره بموعظته الحسنة أنه آن أوان إعادة النظر في السياسة الحكومية. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على كل مسلم مستطيع. أما الناس الذين عليهم النصيحة والاستشارة للحكام فيلوذون اليوم بصمت الموتى و يبررون أفعال كريموف هذه بأدلة غير صالحة للاستدلال. آسف شيء فإن البعض منهم يشيدون بذكر الرئيس ويطرونه، والقرآن الكريم يأمرنا بغير ذاك:

"...وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور"(لقمان، 17).