تذكار
26-01-2004, 20:46
بسم الله ............
كنت قد كتبت نبذة عن الروائي عبدالرحمن منيف في سلسلة ( نظرات شرعية في فكر منحرف ) ، أحببت نشرها الآن بمناسبة هلاكه ؛ لكي يتعرف القراء على حقيقة فكره ، فلا يغتروا بمدائح أهل الصحف المضللة في مثل هذه المناسبات :
نظرة شرعية في فكر الروائي (عبد الرحمن منيف) ترجمته: - ولد في عمان (الأردن) عام 1933 - والده من نجد (السعودية) والأم عراقية . - أنهى دراسته الثانوية في عَمّان .. وبعدها التحق بكلية الحقوق في بغداد عام 1952. - في العراق، وخلال فترة الدراسة، خاض غمار النشاط السياسي خلال مرحلة هامة من تاريخ العراق.. وبعد توقيع "حلف بغداد" طُرد منيف من العراق مع عدد كبير من الطلاب العرب، عام 1955. - واصل دراسته في جامعة القاهرة. - عام 1958 سافر إلى يوغسلافيا حيث تابع الدراسة في جامعة بلغراد. - أنهى دراسته عام 1961، وحاز دكتوراه في العلوم الاقتصادية، وفي اختصاص: اقتصاديات النفط/ الأسعار والأسواق. - مارس النشاط السياسي الحزبي زمناً، ثم أنهى علاقته السياسية التنظيمية عام 1962، بعد "مؤتمر حمص" . - عمل في مجال النفط: في الشركة السورية للنفط (دمشق) شركة توزيع المحروقات، مكتب توزيع النفط الخام. - عام 1973 غادر سوريا إلى لبنان حيث عمل في مجلة "البلاغ" وكان قد بدأ الكتابة الروائية برواية (الأشجار واغتيال مرزوق) . - عام 1975 سافر إلى العراق، وتولى تحرير مجلة "النفط والتنمية".. وظل هناك حتى العام 1981. - عام 1981 غادر العراق إلى فرنسا، حيث تفرغ نهائياً لكتابة الرواية. - عام 1986 عاد إلى دمشق، حيث يقيم فيها حتى الآن. - متزوج وله ثلاثة أبناء وابنة .
مؤلفاته : الروايات حسب تاريخ صدورها أول مرة: 1- الأشجار واغتيال مرزوق (بيروت) 1973. 2- قصة حب مجوسية (بيروت) 1974. 3- شرق المتوسط (بيروت) 1975. 4- حين تركنا الجسر (بيروت) 1976. 5- النهايات (بيروت) 1977. 6- سباق المسافات الطويلة (بيروت) 1979. 7- عالم بلا خرائط بالاشتراك مع : جبرا إبراهيم جبرا (بيروت) 1982. 8- مدن الملح – خماسية: - التيه (بيروت) 1984. - الأخدود (بيروت) 1985. - تقاسيم الليل والنهار ( بيروت) 1989 - المنبت (بيروت) 1989 - بادية الظلمات (بيروت) 1989 9- الآن.. هنا أو : شرق المتوسط مرة أخرى (بيروت )1991.
مؤلفات في الاقتصاد والسياسة: 1- البترول العربي: مشاركة أو التأميم (بيروت) 1975. 2- تأميم البترول العربي (بغداد) 1976. 3- الديمقراطية أولاً .. الديمقراطية دائماً (بيروت) 1992. 4- بين الثقافة والسياسة ، بيروت 1998.
في فن الرواية: 1- الكتاب والمنفى هموم وآفاق الرواية العربية (سلسلة الكتاب الجديد- بيروت) 1992. يشارك حالياً في هيئة تحرير "قضايا وشهادات" (كتاب ثقافي دوري يصدر فصلياً) .
- أبرز أعماله هي خماسيته الطويلة ( مدن الملح) ، وهي تتمحور حول تغير البلاد العربية باكتشاف النفط فيها ، يقول منيف : "وهذا التغيير لا يزال مستمراً، ولم يقتصر على بلدان النفط وحدها، ولكنه امتد إلى البلدان الأخرى العربية غير النفطية" (الكتاب والمنفى، ص 149).
ويقول أيضاً: "مدن الملح تعالج مشكلة العلاقة بيننا وبين الآخر؛ بيننا كعرب وبين الغرب منذ بداية هذا القرن، فالاستعمار الغربي كان يحاول على الدوام الحصول على المواد الأولية، كما كان يحاول الهيمنة على الأسواق واستغلال الشعوب بشكل أو آخر.. …. عندما اكتشف النفط فقد أصبحت المنطقة هدفاً وأصبحت أرضاً مهمة " (المرجع السابق، ص335) قلت: وانظر وصفاً لهذه الخماسية وفكرتها في : (مدار الصحراء، دراسة في أدب عبد الرحمن منيف، لشاكر النابلسي، ص59، 308) . و(قراءة في أعمال الدكتور عبد الرحمن منيف، لمؤمنة بشير العوف، ص 390) .
- يعد عبد الرحمن منيف أحد أبرز الروائيين الماركسيين في عالمنا العربي، ولا زال يؤمن بهذه الفكرة البائدة !! وهو لا يخفي هذا، بل يجاهر به، فهو يقول مثلاً: "أعتبر نفسي واحداً من الذين بدؤا التفتح على الماركسية في وقت مبكر نسبياً" (الكاتب والمنفى، ص 259) . ويقول: "إن الفكر الاشتراكي ما يزال هو فكر المستقبل" (المرجع السابق، ص349) . ويقول : "إنني واحد من الكثيرين أعتبر الاشتراكية أسلوباً للحياة أكثر ملاءمة، خاصة لبلداننا" ! (المرجع السابق، ص 394). وانظر أيضاً: (مدار الصحراء) لشاكر النابلسي، ص 371 وما بعدها، و(القومية والهوية والثورة العربية) مقال لمنيف في مجلة المستقبل العربي، عدد 95، ص85.
- يقول منيف عن سقوط الاتحاد السوفيتي محضن الماركسيين في العالم العربي، والموجه الأول لهم: "لا شك أن سقوط التجربة السوفيتية خسارة كبيرة للاتحاد السوفيتي وللمنظومة الاشتراكية أولاً، وخسارة للعالم الثالث الذي فقد حليفاً مهماً ثانياً، وخسارة للعالم بأسره" ! (بين الثقافية والسياسة ، ص97) . ولكن برغم هذا السقوط المدوي للماركسية نظراً لتعارضها مع الفطرة، فإن عبد الرحمن منيف الذي تشبع بهذا الفكر لا يريد أن يصدق هذا !! بل يصر على أن الماركسية سيكون لها جولات وصولات في المستقبل ! فاعجب لهذا المفتون الواله الذي لم يصدق إلى الآن موت معشوقته !! .
يقول منيف : "إن ما سقط أو فشل في التجربة الأولى لتطبيق الاشتراكية هو شكل محدد من أشكال التطبيق، ولم تسقط الفكرة أو احتمالات تطبيقات مختلفة لها" ! (المرجع السابق، ص103) .
ويقول عن المشروع الماركسي والقومي في البلاد العربية، الذي فشل بشهادة العقلاء ! فشلاً ذريعاً : "أياً كان وصف أو تقييم المرحلة السابقة- وهذا ما يجب أن يكون عنواناً أساسياً لحوار مفتوح وجاد بين جميع القوى والعناصر، ويفترض أن يتسم الحوار بالشجاعة والصراحة والمسؤولية، لتحديد أخطاء ونواقص المرحلة الماضية- فإن من جملة الظواهر والنتائج البارزة الآن: أولاً: عجز المشروعين القومي والماركسي، بالصيغ والحيثيات والشعارات والأولويات، كما قدّما، منذ الاستقلال وحتى الآن. أي أن هذين المشروعين، نتيجة سوء التقديم والتطبيق، أو بسببهما، لم يعودا قادرين، بصيغتهما القديمة، على مواجهة تحديات المرحلة، وليسا مؤهلين، ضمن منطقهما وأسلوبهما السابقين، لكي يكونا أفقاً للمستقبل. لا يعني ذلك، بالضرورة، أن الأفكار القومية والماركسية عاجزة، ولا بد من البحث عن أفكار أخرى، ولكنه يعني بالتأكيد أن تلك الأفكار بالطريقة التي قدمت بها من حيث الصيغ والأشكال، أو من حيث الفهم، ومن ثم الترجمة في الواقع العملي، وأيضاً العلاقة بين القوى والمراحل والمفاهيم، كانت قاصرة وعاجزة، ويكمن السبب في ذلك، كما نعتقد، في الفهم الرومانسي أو الصنمي والحرفي الذي أُعطي لتلك المفاهيم، ولانعدام آلية تحقيقها، ولعجز القوى التي تبنتها عن تحقيق نتائج ملموسة، ولذلك ظلت هذه الأفكار أقرب إلى الشعارات العامة، أو اكتسبت دلالات ليست من طبيعتها، وظلت أسيرة نماذج طوباوية أو غير مقنعة.
يضاف إلى ذلك أن القوى التي تبنت تلك الشعارات والأفكار كانت عاجزة عن تحليل الواقع بموضوعية واستنباط المهمات والصيغ الملائمة لحركة هذا الواقع والتغيرات التي تفعل فيه. أكثر من ذلك، أن بعض القوى، حين وصلت إلى السلطة، أعطت بسلوكها وعلاقاتها مثلاً سلبياً، الأمر الذي انعكس على الفكر الذي تحمله أو تبشر به. المأزق، إذن الذي وصل إليه المشروعان، القومي والماركسي، كل بطريقته، وبنسب متباينة، وأيضاً نتيجة أسباب تختلف من واحد لآخر، يجب ألا يقود إلى الاستنتاج أن المشروعين عاجزان بطبيعتهما، أو غير مؤهلين لدور في المستقبل. إن استنتاجاً من هذا النوع، بالإضافة إلى خطئه، هو ما يريد الخصم أن يوصلنا إليه، لقناعته أن الصيغ الأخرى أكثر عجزاً عن مواجهة المشاكل العملية أولاً. (بين الثقافة والسياسة، ص42-43) .
قلت: صدق الله إذ يقول (تلك أمانيهم) وصدق من قال: "إن المنى رأس أموال المفاليس" ! فهذا الماركسي العجوز لم يقتنع إلى الآن –رغم الحقائق- بفشل المشروعين اللذين آمن بهما منذ مراهقته، وهما الماركسية والقومية، وتمنى لو أن بيده بعثهما من جديد، ولكن هيهات ، فقد أفاقت الأمة وعرفت أن هذين الطريقين لم يؤدياها إلا إلى البوار . فهل يفيق العجوز من سكرته قبل أن يفجأ الموت وهو على هذه الحال؟!
- يعتقد منيف أنه لم يبق أي شيء مقدّس لديه، والعياذ بالله!؛ لأنه كغيره من الماركسيين الماديين لا ينظرون إلى الإسلام كوحي إلهي، على البشر تقديس نصوصه والالتزام بها . يقول منيف: "أما موقفي من المقدّس الذي تسألني عنه، فأكاد أقول دون خشية كبيرة: لم يبق شيء مقدس! "! إلى أن يقول: "نحن الذين أعطينا للمقدس قدسيته" (الكاتب والمنفى، ص 382،383).
- كثيراً ما يتهجم عبد الرحمن منيف على الإسلام وأهله، واصفاً إياه بالأصولية، منتقصاً ثقافته وتعاليمه، كشأن غلاة الماركسيين العرب الذين تشبعوا بالفكر الشيوعي الماركسي المخاصم للدين، وإن قبله جعله أمراً (روحياً) بين العبد وربه. فهم قد جمعوا بين الماركسية والعلمانية، كما سيأتي في أقوال الماركسي عبد الرحمن منيف: فإليك شيئاً منها: يقول منيف ساخراً من الكتب الإسلامية خالطاً بينها وبين كتب السحر والتنجيم والخرافات! "ويجدر لفت النظر هنا إلى نوعية المواد التعليمية المقررة في المدارس، والتي من شأنها الحد من استعمال العقل، وتغليب النظرة الغيبية، ومراكمة المواد الحفظية، وعدم إفساح المجال أمام الأسئلة المختلفة، الأمر الذي يلغي المحاكمات العقلية والمقارنة، (فالخطان المستقيمان لا يلتقيان إلا بمشيئة الله) والأرض لا يمكن أن تكون كروية، كما يؤكد رجال الدين. وضمن الدروس التي تُعطى للأطفال، وهم دون سن العاشرة: كيفية غسل الموتى! . إن مواداً تعليمية من هذا النوع، إضافة إلى المناخ المسيطر، يعطيان فكرة عن نوع الثقافة السائدة، وعما يمكن أن يواجهه أي فكر تنويري أو مختلف.." إلى أن يقول: "هذا في الوقت الذي يتقلص دعم الأنظمة الحاكمة للكتاب الجاد والمسرح والسينما الهادفين. إذ يضيق أو يمنع استيراد الكتب الجدية والعقلانية، ويفسح المجال واسعاً أمام الكتب الغيبية والاستهلاكية. ونظرة سريعة لمعرفة نوعية الكتب الأكثر انتشاراً تثير حالة مأساوية، فكتب السحر والتنجيم وقراءة الطالع، ثم الكتب الغيبية والدينية، هي الأكثر رواجاً لأنها تلاقي الدعم بأكثر من أسلوب ومن أكثر من جهة" . (بين الثقافة والسياسة ، ص 117، 123) .
- ويقول منتقصاً ومسفهاً ومثبطاً من يدعو الدول العربية إلى تحكيم الشريعة والعودة إلى الإسلام: "أما الخيار الثاني الذي يطرح فهو الخيار الديني أي الرابطة الدينية، بالتحديد الأخوة الإسلامية التي تتجاوز الحدود القومية. إن الرابطة الدينية حتى على فرض إمكانية قيامها، لا يمكن أن تتجاوز الرابطة القومية أو أن تكفيها؛ لأن الرابطة القومية هي الأساس في قيام المجتمعات، بخاصة في العصور الحديثة. إن الرابطة الدينية، إضافة إلى استحالة تحققها في الواقع الراهن إلا كرابطة معنوية، لا تتعدى التقارب والتعاطف. وهي تنطلق من معطيات متفاوتة ومن واقع مختلف، كما أنها غير قادرة، وغير مؤهلة للإجابة عن مشكلات العصر الحديث اعتماداً على تجارب ماضية وجزئية" إلى أن يقول: "فالدين رابطة معنوية واعتقاد مبني على الاختيار الخاص، وهو أمر شخصي تماماً" ! (الديمقراطية أولاً، ص 134-137) .
قلت: يقول هذا بناءً على نظرته (العلمانية)، التي تجعل الإسلام منـزوياً في الشعائر التعبدية فقط، أما شئون الحياة فلا دخل له بها، إنما الذي يفصل فيها وينظمها هو الفكر الماركسي!!
- ويدعي منيف أن من أسباب تأخرنا: "تراجع العقلانية في الثقافة والعودة إلى الغيبية" (الديمقراطية أولاً،ص16) ونسي هذا الماركسي (المادي) أن الغيب نصف الدين !وأنه من شروط إيمان المؤمن، قال سبحانه في وصف المؤمنين بأنهم (الذين يؤمنون بالغيب) ، فلا يتم إيمان عبد حتى يؤمن بما ورد من أمور الغيب الكثيرة الواردة في الكتاب والسنة، وعلى رأسها اليوم الآخر. وأما بدون هذا الإيمان فإن العبد يكون كافراً، قد شابه إخوانه المشركين الدهريين الذين لا يؤمنون إلا بالماديات زعموا .
- ويزعم منيف كثيراً أن الحركات والتوجهات الإسلامية ما كان لها أن تنتشر لو كان الفكر الماركسي قائماً !! وإنما انتشرت بعد سقوط هذا الفكر الذي أخلى لها الساحة! فهو يحيل انتشار الالتزام بشرع الرحمن وعودة الكثيرين إلى الهداية إلى هذا السبب، لا أن الإسلام يحمل قوته في ذاته ؛ لأنه الدين الحق المستمر إلى قيام الساعة. يقول منيف: "إن الدول الغربية، في مراحل متعددة، ولا تزال إلى الآن، تتبنى وتدعم أنظمة واتجاهات أصولية في المنطقة العربية. فأنظمة الخليج العربي، وأنظمة أخرى أيضاً، تحظى برعاية وحماية الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، رغم ما تتصف به هذه الأنظمة من أصولية ورجعية، ورغم دعم هذه الأنظمة لمجموعة من الحركات الأصولية في أمكنة متعددة من العالم . إن الأصولية بشكل عام، والأصولية الإسلامية تحديداً، رغم أنها موجودة منذ وقت مبكر، إلا أنها الآن أقوى من أي وقت مضى. ومن جملة ما يفسر ذلك: ضعف أو غياب التيارات الأخرى، والمصاعب والعراقيل التي وضعت في وجهها، وكان الغرب، خلال مراحل متعددة، يقود حرباً بشكل مباشر، أو من خلال دعم الحكومات الرجعية والديكتاتورية، لمحاربة التيارات الديمقراطية والتقدمية، مما أفسح المجال أمام التيارات الأصولية لأن تقوى وتسيطر، ومثَل السادات في مصر مثال ساطع. ولقد تعززت هذه الحالة بسقوط الاتحاد السوفييتي، وما رافق هذا السقوط من حملة إعلامية غربية تقول باستحالة وجود فرص أو إمكانية للتيار الديمقراطي التقدمي كي يكون حلاً بديلاً للنظم الرجعية القائمة، مما يفسح المجال لأن يعتبر التيار الأصولي نفسه بديلاً وحيداً. في مواجهة وضع مثل هذا وجدت الأصولية مناخاً ملائماً لأن تعمل وتؤثر وتزداد قوة، خاصة وأن سياسة الدول الغربية طوال عقود متواصلة، اتسمت بضيق الأفق والأنانية، وأيضاً مناوء ة الطموحات المشروعة لشعوب المنطقة، ولعل موقفها المتحيز والظالم تجاه القضايا الأساسية، كالنفط والقضية الفلسطينية والتحرر الاقتصادي، أفسح المجال واسعاً أمام الحركات الأصولية لأن تطرح نفسها كأفق واحتمال للتحرر السياسي والاقتصادي، بغض النظر عن إمكانية ذلك لاحقاً. إن جزءاً كبيراً من الحرب الدائرة الآن في أنحاء متعددة من العالم حرب شعارات لكسب مواقع، ولو مؤقتاً، من أجل اصطفاف جديد. وهذه الحرب تمارسها، تقريباً كل الأطراف، بغض النظر عن وجود استراتيجية بعيدة الأمد أم لا. إذ المهم قهر الخصم الآن، أو تجريده من أهم الأدوات والوسائل التي يملكها أو يلجاً إليها، دون حساب للنتائج التي يمكن أن تترتب عليها في فترات لاحقة. ومن جملة ما يعزز موقف التيار الأصولي في الوقت الحاضر، ويكسبه شعبية واسعة، السياسة والشعارات التي يرفعها في مواجهة الغرب، خاصة الولايات المتحدة، لأن هذه الأخيرة لم تكف عن اللجوء إلى القوة والقهر والاستغلال في التعامل مع شعوب المنطقة، كما لا يخفى تبنيها لسياسةٍ تجرح كبرياء وطموحات شعوبها، هذا عدا عن التمييز في الموقف والمعاملة بين العرب وإسرائيل. والذاكرة العربية، والإسلامية، مثقلة بكم الوقائع التي تُظهر التحيز والقسوة والعنف الغربي، خاصة الأميركي، تجاه القضايا التي تهم شعوب هذه المنطقة. هذه إشارات ضرورية من أجل فهم الظاهرة الأصولية ووضعها في سياقها. أما إذا عزلت عن هذا السياق، وعن فهم الدوافع الكامنة وراء نهوضها وقوتها وعنفها، فسوف يؤدي ذلك إلى المزيد من الأخطاء" . (بين الثقافة والسياسة، ص 137-139) .
ويقول : "إن الحركة الدينية قوية وموجودة كحركة سياسية بقدر عجز وغياب القوى الوطنية التقدمية" (الديمقراطية أولاً، ص44).
قلت : نسي هذا الماركسي أن أصحابه الشيوعيين قد أفسح لهم المجال في أماكن عديدة من العالم الإسلامي تحت نظر الغرب وسمعه ، ورعايته ، ولكنهم فشلوا في قيادة الأمة ، بل أورثوها النكبات ، مما لم يعد يخفى على عاقل يحترم نفسه .فهلا تنحوا قليلا ، وأفسحوا المجال لأهل الإسلام ؟! ( طلع الصباح فأطفئ القنديلا!) .
- كما سبق فإن عبد الرحمن منيف من غلاة الماركسيين الذين يعادون الدين فإن قبلوه بسبب ضغط الواقع فإنهم يحصرونه في الشعائر التعبدية فقط، وقد صرح منيف بهذا وأفصح عن علمانيته بقوله: "إن الدين، أي دين، يفترض أن يبقى في إطار الاعتقاد الشخصي، أما إذا تحول إلى عمل سياسي فيصبح عندئذٍ ذريعة لسلب حرية الإنسان، ولإرغامه على الامتثال، كما يصبح وسيلة لقهر الآخر" . (بين الثقافة والسياسة ، 148 ).
- ويقول عن أسباب اختيار الماركسيين وغيرهم من أهل الضلال للعلمانية : "العلمانية في البلاد العربية كانت بالدرجة الأولى في مواجهة الدولة القومية المتستترة بالدين " (الديمقراطية أولاً، ص 95) .
- يتأفف منيف كثيراً ما يسميه (رقابة المجتمع) ! ويتمنى لو أنه يستطيع البوح بما في نفسه دون خوف منها. فهو باختصار يريد أن يكفر ويفوه بالمنكرات دون أن يحاسبه أحد، وهذا ما لا يُقره الإسلام لأبنائه؛ لأنه يربأ بهم عن الكفر . يقول منيف: "أما كيف أتعامل مع رقابة المجتمع والدولة فإن الإشكالية الأساسية التي تثير حيرتي هي رقابة المجتمع. الدولة تدافع عن نفسها، تحصّن نفسها، ولذلك تلجأ إلى القسوة والتمويه والمخادعة، وربما هذا "حق" من حقوق الدفاع عن النفس، ضمن منطق الدولة وأسلوبها. ولكن ماذا بخصوص رقابة المجتمع المقموع، المضطهد، والذي يمارس أيضاً كل المحرمات سراً، ويتمتع بها إلى أقصى حد في الحياة اليومية، من خلال الشتائم والنميمة والصور العارية والفضائح، وفي نفس الوقت، يمنع أن يُكتب ذلك. إن المجتمع العربي من أغرب المجتمعات قاطبة، لأنه يمارس كل شيء سرياً، ويخشى أن تقال كلمة، ولو غير مباشرة، عن هذه الحياة السرية. الله كم تحت قشرة العفة والطهارة والتقوى المدّعاة من الفضائح والوساخات والزنى بالمحرمات ! مجتمع يمارس العادة السرية. يعمل كل شيء، وبشجاعة سرية فائقة، لكنه يخشى أي شيء، ولو كان بريئاً وسمحاً، أن يظهر إلى الخارج! ليس ذلك فقط. إنه يلاحق ويعاقب من يقول جزءاً من الحقيقة!" (الكاتب والمنفى، ص 380) .
قلت: كون أحد من الناس يمارس الأخطاء والمحرمات وسواء علناً أم سراً، هل يبيح هذا لنا أن نُقر هذه المحرمات والأخطاء ولا ننكرها؟! لا يقول هذا مسلم يعرف دينه. ومن ارتكب المحرمات والأخطاء فحسابه على الله، وهو ليس حجة على شرع الله.
- ويرى منيف أن الإسلام يعوق بين الأديب وحريته! ويقصد بالحرية ما لا يقره الإسلام من التفوه بالكفريات والضلالات، فهو يريد –كما سيأتي- إسلاماً لا دخل له بالمجتمع كله، بل ينحصر في المسجد وبين المرء وربه، كما في النصرانية الآن. يقول منيف: "الهم الرابع: المحرمات: ما أود أن أشير إليه هنا، ومجرد إشارة، هو موضوع المحرمات في السياسة والدين والجنس، وهذه عوائق أو تحديات أمام نمو الرواية وتطورها" (الكاتب والمنفى، ص51).
- دائماً ما يحمل منيف –كغيره من الماركسيين- على الدول النفطية وعلى رأسها السعودية ! بأنها قد استغلت النفط لنشر التخلف والرجعية!! ويعني بهما الإسلام السلفي، وهذه شنشة معهودة من غلاة الماركسيين في فترة مضت، فما بال منيف لا زال يرددها إلى اليوم ؟! يقول منيف : "إن ثروة النفط ظهرت سلبياتها أكثر من إيجابياتها في أحيان كثيرة، بما في ذلك تشجيع المد السلفي" (الديمقراطية أولاً، ص 220). ويقول: "إن حجم التخريب الذي ولدته الفورة النفطية، في مجالات شتى، بما فيها الثقافة، والتي طالت عدداً من "المثقفين" في الغرب أيضاً، ترك تأثيرات سلبية مدمرة على الأفكار والقيم والعلاقات والمقاييس، وقد أبرزت أزمة الخليج بعضاً من ذلك، حيث حُشدت أعداد من الكتبة المستأجرين، واستخرجت الفتاوى لإدانة أية أصوات تعارض التدخل الأميركي أو الحرب الهمجية التي شُنّت على شعب العراق، وزيفت الوقائع أو أُخفيت، وساد جو قاسٍ من الإرهاب والتعبئة، بحيث لم يظهر إلا صوت واحد: الصوت الرسمي. ومما زاد في خلق هذا المناخ حالة الضياع التي سادت بعد الزلزال الذي وقع في المعسكر الاشتراكي، إذ سقط الكثير من الأفكار والمقاييس، وطغت موجة سلفية جديدة في المنطقة، كما عمت حالة من القلق وعدم اليقين" . (الديمقراطية أولاً، ص 280-281) .
- من أطرف ما مر بي أثناء دراستي لفكر (الماركسي) عبد الرحمن منيف أنني وجدت له تصريحاً جديداً بأنه يؤمن بالليبرالية !! وهي نقيض الماركسية! لتعلم بعدها أن القوم أصحاب أهواء، مستعدون للتنقل بينها ولو كانت متعارضة ما دامت مخالفة للإسلام ولا تؤدي إليه ! ، يقول منيف: " لا أخفي : في المرحلة الحالية أميل إلى الليبرالية " !! (الكاتب والمنفى، ص308) . قلت : صدق من قال : يوماً يمانٍ إذا لاقيتَ ذا يمنٍ وإن لقيتَ معِّدياً فعدناني ! فأنتم لما هوى صنمكم القديم الماركسية، هرعتم إلى تمجيد صنمٍ آخر هو الليبرالية، ومن لم يرض بعبودية الرحمن رضي بعبودية النفس والشيطان. فروا من الرِّق الذي خُلقوا له وبُلوا برق النفس والشيطان.
- كلمات منيف عن المرأة قليلة جداً حتى في رواياته ، وهذا مما يستغرب على روائي ماركسي!؛ لأن أدباء الماركسية اشتهروا في الأدب بجنوحهم إلى نشر الرذيلة والدفاع عنها، وعذر أصحابها من المومسات ونحوهن، وتحميل الظروف الاقتصادية جميع خطاياهن… الخ، وهذا تجده على سبيل المثال في روايات: نجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهما من رؤس الأدباء الماركسيين العرب . فالله أعلم عن سبب قلة هذا الأمر عند منيف ، هل هو بسبب أسرته أم بيئته؟!
لكنه إذا تعرض في مقابلاته لسؤال حول المرأة فإنه لا يعدو نظرة المتحررين نحوها! يقول منيف : " لا شك أن المرأة في الواقع، وفي مجتمعنا تحديداً ، خاصة في المرحلة الراهنة تعاني الكثير لكونها امرأة. ففي مجتمع متخلف ويخضع إلى القمع المتدرج ، من الطبيعي أن يكون استعباد المرأة أو وضعها في مرتبة أدنى أمراً طبيعياً. هذه حالة وصفية، خاصة وأن هذا المجتمع يمتلك إرثاً من ناحية الدين والتقاليد يعزز مثل تلك النظرة، ويعطيها من المبررات الكثير" (بين الثقافة والسياسة ، ص 152-153). فهذا الماركسي يرى أن الشرع قد جاء بانتقاص واستبعاد المرأة ! وهذا كفر لا شك فيه، والعياذ بالله، وهو ليس بغريب على من يدين بدين الماركسية.
أسأل الله أن يهدينا صراطه المستقيم ، وأن ينصر الإسلام والمسلمين ، ويكبت المنافقين والكافرين ، والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
الشيخ .. سليمان الخراشى وفقه الله
كنت قد كتبت نبذة عن الروائي عبدالرحمن منيف في سلسلة ( نظرات شرعية في فكر منحرف ) ، أحببت نشرها الآن بمناسبة هلاكه ؛ لكي يتعرف القراء على حقيقة فكره ، فلا يغتروا بمدائح أهل الصحف المضللة في مثل هذه المناسبات :
نظرة شرعية في فكر الروائي (عبد الرحمن منيف) ترجمته: - ولد في عمان (الأردن) عام 1933 - والده من نجد (السعودية) والأم عراقية . - أنهى دراسته الثانوية في عَمّان .. وبعدها التحق بكلية الحقوق في بغداد عام 1952. - في العراق، وخلال فترة الدراسة، خاض غمار النشاط السياسي خلال مرحلة هامة من تاريخ العراق.. وبعد توقيع "حلف بغداد" طُرد منيف من العراق مع عدد كبير من الطلاب العرب، عام 1955. - واصل دراسته في جامعة القاهرة. - عام 1958 سافر إلى يوغسلافيا حيث تابع الدراسة في جامعة بلغراد. - أنهى دراسته عام 1961، وحاز دكتوراه في العلوم الاقتصادية، وفي اختصاص: اقتصاديات النفط/ الأسعار والأسواق. - مارس النشاط السياسي الحزبي زمناً، ثم أنهى علاقته السياسية التنظيمية عام 1962، بعد "مؤتمر حمص" . - عمل في مجال النفط: في الشركة السورية للنفط (دمشق) شركة توزيع المحروقات، مكتب توزيع النفط الخام. - عام 1973 غادر سوريا إلى لبنان حيث عمل في مجلة "البلاغ" وكان قد بدأ الكتابة الروائية برواية (الأشجار واغتيال مرزوق) . - عام 1975 سافر إلى العراق، وتولى تحرير مجلة "النفط والتنمية".. وظل هناك حتى العام 1981. - عام 1981 غادر العراق إلى فرنسا، حيث تفرغ نهائياً لكتابة الرواية. - عام 1986 عاد إلى دمشق، حيث يقيم فيها حتى الآن. - متزوج وله ثلاثة أبناء وابنة .
مؤلفاته : الروايات حسب تاريخ صدورها أول مرة: 1- الأشجار واغتيال مرزوق (بيروت) 1973. 2- قصة حب مجوسية (بيروت) 1974. 3- شرق المتوسط (بيروت) 1975. 4- حين تركنا الجسر (بيروت) 1976. 5- النهايات (بيروت) 1977. 6- سباق المسافات الطويلة (بيروت) 1979. 7- عالم بلا خرائط بالاشتراك مع : جبرا إبراهيم جبرا (بيروت) 1982. 8- مدن الملح – خماسية: - التيه (بيروت) 1984. - الأخدود (بيروت) 1985. - تقاسيم الليل والنهار ( بيروت) 1989 - المنبت (بيروت) 1989 - بادية الظلمات (بيروت) 1989 9- الآن.. هنا أو : شرق المتوسط مرة أخرى (بيروت )1991.
مؤلفات في الاقتصاد والسياسة: 1- البترول العربي: مشاركة أو التأميم (بيروت) 1975. 2- تأميم البترول العربي (بغداد) 1976. 3- الديمقراطية أولاً .. الديمقراطية دائماً (بيروت) 1992. 4- بين الثقافة والسياسة ، بيروت 1998.
في فن الرواية: 1- الكتاب والمنفى هموم وآفاق الرواية العربية (سلسلة الكتاب الجديد- بيروت) 1992. يشارك حالياً في هيئة تحرير "قضايا وشهادات" (كتاب ثقافي دوري يصدر فصلياً) .
- أبرز أعماله هي خماسيته الطويلة ( مدن الملح) ، وهي تتمحور حول تغير البلاد العربية باكتشاف النفط فيها ، يقول منيف : "وهذا التغيير لا يزال مستمراً، ولم يقتصر على بلدان النفط وحدها، ولكنه امتد إلى البلدان الأخرى العربية غير النفطية" (الكتاب والمنفى، ص 149).
ويقول أيضاً: "مدن الملح تعالج مشكلة العلاقة بيننا وبين الآخر؛ بيننا كعرب وبين الغرب منذ بداية هذا القرن، فالاستعمار الغربي كان يحاول على الدوام الحصول على المواد الأولية، كما كان يحاول الهيمنة على الأسواق واستغلال الشعوب بشكل أو آخر.. …. عندما اكتشف النفط فقد أصبحت المنطقة هدفاً وأصبحت أرضاً مهمة " (المرجع السابق، ص335) قلت: وانظر وصفاً لهذه الخماسية وفكرتها في : (مدار الصحراء، دراسة في أدب عبد الرحمن منيف، لشاكر النابلسي، ص59، 308) . و(قراءة في أعمال الدكتور عبد الرحمن منيف، لمؤمنة بشير العوف، ص 390) .
- يعد عبد الرحمن منيف أحد أبرز الروائيين الماركسيين في عالمنا العربي، ولا زال يؤمن بهذه الفكرة البائدة !! وهو لا يخفي هذا، بل يجاهر به، فهو يقول مثلاً: "أعتبر نفسي واحداً من الذين بدؤا التفتح على الماركسية في وقت مبكر نسبياً" (الكاتب والمنفى، ص 259) . ويقول: "إن الفكر الاشتراكي ما يزال هو فكر المستقبل" (المرجع السابق، ص349) . ويقول : "إنني واحد من الكثيرين أعتبر الاشتراكية أسلوباً للحياة أكثر ملاءمة، خاصة لبلداننا" ! (المرجع السابق، ص 394). وانظر أيضاً: (مدار الصحراء) لشاكر النابلسي، ص 371 وما بعدها، و(القومية والهوية والثورة العربية) مقال لمنيف في مجلة المستقبل العربي، عدد 95، ص85.
- يقول منيف عن سقوط الاتحاد السوفيتي محضن الماركسيين في العالم العربي، والموجه الأول لهم: "لا شك أن سقوط التجربة السوفيتية خسارة كبيرة للاتحاد السوفيتي وللمنظومة الاشتراكية أولاً، وخسارة للعالم الثالث الذي فقد حليفاً مهماً ثانياً، وخسارة للعالم بأسره" ! (بين الثقافية والسياسة ، ص97) . ولكن برغم هذا السقوط المدوي للماركسية نظراً لتعارضها مع الفطرة، فإن عبد الرحمن منيف الذي تشبع بهذا الفكر لا يريد أن يصدق هذا !! بل يصر على أن الماركسية سيكون لها جولات وصولات في المستقبل ! فاعجب لهذا المفتون الواله الذي لم يصدق إلى الآن موت معشوقته !! .
يقول منيف : "إن ما سقط أو فشل في التجربة الأولى لتطبيق الاشتراكية هو شكل محدد من أشكال التطبيق، ولم تسقط الفكرة أو احتمالات تطبيقات مختلفة لها" ! (المرجع السابق، ص103) .
ويقول عن المشروع الماركسي والقومي في البلاد العربية، الذي فشل بشهادة العقلاء ! فشلاً ذريعاً : "أياً كان وصف أو تقييم المرحلة السابقة- وهذا ما يجب أن يكون عنواناً أساسياً لحوار مفتوح وجاد بين جميع القوى والعناصر، ويفترض أن يتسم الحوار بالشجاعة والصراحة والمسؤولية، لتحديد أخطاء ونواقص المرحلة الماضية- فإن من جملة الظواهر والنتائج البارزة الآن: أولاً: عجز المشروعين القومي والماركسي، بالصيغ والحيثيات والشعارات والأولويات، كما قدّما، منذ الاستقلال وحتى الآن. أي أن هذين المشروعين، نتيجة سوء التقديم والتطبيق، أو بسببهما، لم يعودا قادرين، بصيغتهما القديمة، على مواجهة تحديات المرحلة، وليسا مؤهلين، ضمن منطقهما وأسلوبهما السابقين، لكي يكونا أفقاً للمستقبل. لا يعني ذلك، بالضرورة، أن الأفكار القومية والماركسية عاجزة، ولا بد من البحث عن أفكار أخرى، ولكنه يعني بالتأكيد أن تلك الأفكار بالطريقة التي قدمت بها من حيث الصيغ والأشكال، أو من حيث الفهم، ومن ثم الترجمة في الواقع العملي، وأيضاً العلاقة بين القوى والمراحل والمفاهيم، كانت قاصرة وعاجزة، ويكمن السبب في ذلك، كما نعتقد، في الفهم الرومانسي أو الصنمي والحرفي الذي أُعطي لتلك المفاهيم، ولانعدام آلية تحقيقها، ولعجز القوى التي تبنتها عن تحقيق نتائج ملموسة، ولذلك ظلت هذه الأفكار أقرب إلى الشعارات العامة، أو اكتسبت دلالات ليست من طبيعتها، وظلت أسيرة نماذج طوباوية أو غير مقنعة.
يضاف إلى ذلك أن القوى التي تبنت تلك الشعارات والأفكار كانت عاجزة عن تحليل الواقع بموضوعية واستنباط المهمات والصيغ الملائمة لحركة هذا الواقع والتغيرات التي تفعل فيه. أكثر من ذلك، أن بعض القوى، حين وصلت إلى السلطة، أعطت بسلوكها وعلاقاتها مثلاً سلبياً، الأمر الذي انعكس على الفكر الذي تحمله أو تبشر به. المأزق، إذن الذي وصل إليه المشروعان، القومي والماركسي، كل بطريقته، وبنسب متباينة، وأيضاً نتيجة أسباب تختلف من واحد لآخر، يجب ألا يقود إلى الاستنتاج أن المشروعين عاجزان بطبيعتهما، أو غير مؤهلين لدور في المستقبل. إن استنتاجاً من هذا النوع، بالإضافة إلى خطئه، هو ما يريد الخصم أن يوصلنا إليه، لقناعته أن الصيغ الأخرى أكثر عجزاً عن مواجهة المشاكل العملية أولاً. (بين الثقافة والسياسة، ص42-43) .
قلت: صدق الله إذ يقول (تلك أمانيهم) وصدق من قال: "إن المنى رأس أموال المفاليس" ! فهذا الماركسي العجوز لم يقتنع إلى الآن –رغم الحقائق- بفشل المشروعين اللذين آمن بهما منذ مراهقته، وهما الماركسية والقومية، وتمنى لو أن بيده بعثهما من جديد، ولكن هيهات ، فقد أفاقت الأمة وعرفت أن هذين الطريقين لم يؤدياها إلا إلى البوار . فهل يفيق العجوز من سكرته قبل أن يفجأ الموت وهو على هذه الحال؟!
- يعتقد منيف أنه لم يبق أي شيء مقدّس لديه، والعياذ بالله!؛ لأنه كغيره من الماركسيين الماديين لا ينظرون إلى الإسلام كوحي إلهي، على البشر تقديس نصوصه والالتزام بها . يقول منيف: "أما موقفي من المقدّس الذي تسألني عنه، فأكاد أقول دون خشية كبيرة: لم يبق شيء مقدس! "! إلى أن يقول: "نحن الذين أعطينا للمقدس قدسيته" (الكاتب والمنفى، ص 382،383).
- كثيراً ما يتهجم عبد الرحمن منيف على الإسلام وأهله، واصفاً إياه بالأصولية، منتقصاً ثقافته وتعاليمه، كشأن غلاة الماركسيين العرب الذين تشبعوا بالفكر الشيوعي الماركسي المخاصم للدين، وإن قبله جعله أمراً (روحياً) بين العبد وربه. فهم قد جمعوا بين الماركسية والعلمانية، كما سيأتي في أقوال الماركسي عبد الرحمن منيف: فإليك شيئاً منها: يقول منيف ساخراً من الكتب الإسلامية خالطاً بينها وبين كتب السحر والتنجيم والخرافات! "ويجدر لفت النظر هنا إلى نوعية المواد التعليمية المقررة في المدارس، والتي من شأنها الحد من استعمال العقل، وتغليب النظرة الغيبية، ومراكمة المواد الحفظية، وعدم إفساح المجال أمام الأسئلة المختلفة، الأمر الذي يلغي المحاكمات العقلية والمقارنة، (فالخطان المستقيمان لا يلتقيان إلا بمشيئة الله) والأرض لا يمكن أن تكون كروية، كما يؤكد رجال الدين. وضمن الدروس التي تُعطى للأطفال، وهم دون سن العاشرة: كيفية غسل الموتى! . إن مواداً تعليمية من هذا النوع، إضافة إلى المناخ المسيطر، يعطيان فكرة عن نوع الثقافة السائدة، وعما يمكن أن يواجهه أي فكر تنويري أو مختلف.." إلى أن يقول: "هذا في الوقت الذي يتقلص دعم الأنظمة الحاكمة للكتاب الجاد والمسرح والسينما الهادفين. إذ يضيق أو يمنع استيراد الكتب الجدية والعقلانية، ويفسح المجال واسعاً أمام الكتب الغيبية والاستهلاكية. ونظرة سريعة لمعرفة نوعية الكتب الأكثر انتشاراً تثير حالة مأساوية، فكتب السحر والتنجيم وقراءة الطالع، ثم الكتب الغيبية والدينية، هي الأكثر رواجاً لأنها تلاقي الدعم بأكثر من أسلوب ومن أكثر من جهة" . (بين الثقافة والسياسة ، ص 117، 123) .
- ويقول منتقصاً ومسفهاً ومثبطاً من يدعو الدول العربية إلى تحكيم الشريعة والعودة إلى الإسلام: "أما الخيار الثاني الذي يطرح فهو الخيار الديني أي الرابطة الدينية، بالتحديد الأخوة الإسلامية التي تتجاوز الحدود القومية. إن الرابطة الدينية حتى على فرض إمكانية قيامها، لا يمكن أن تتجاوز الرابطة القومية أو أن تكفيها؛ لأن الرابطة القومية هي الأساس في قيام المجتمعات، بخاصة في العصور الحديثة. إن الرابطة الدينية، إضافة إلى استحالة تحققها في الواقع الراهن إلا كرابطة معنوية، لا تتعدى التقارب والتعاطف. وهي تنطلق من معطيات متفاوتة ومن واقع مختلف، كما أنها غير قادرة، وغير مؤهلة للإجابة عن مشكلات العصر الحديث اعتماداً على تجارب ماضية وجزئية" إلى أن يقول: "فالدين رابطة معنوية واعتقاد مبني على الاختيار الخاص، وهو أمر شخصي تماماً" ! (الديمقراطية أولاً، ص 134-137) .
قلت: يقول هذا بناءً على نظرته (العلمانية)، التي تجعل الإسلام منـزوياً في الشعائر التعبدية فقط، أما شئون الحياة فلا دخل له بها، إنما الذي يفصل فيها وينظمها هو الفكر الماركسي!!
- ويدعي منيف أن من أسباب تأخرنا: "تراجع العقلانية في الثقافة والعودة إلى الغيبية" (الديمقراطية أولاً،ص16) ونسي هذا الماركسي (المادي) أن الغيب نصف الدين !وأنه من شروط إيمان المؤمن، قال سبحانه في وصف المؤمنين بأنهم (الذين يؤمنون بالغيب) ، فلا يتم إيمان عبد حتى يؤمن بما ورد من أمور الغيب الكثيرة الواردة في الكتاب والسنة، وعلى رأسها اليوم الآخر. وأما بدون هذا الإيمان فإن العبد يكون كافراً، قد شابه إخوانه المشركين الدهريين الذين لا يؤمنون إلا بالماديات زعموا .
- ويزعم منيف كثيراً أن الحركات والتوجهات الإسلامية ما كان لها أن تنتشر لو كان الفكر الماركسي قائماً !! وإنما انتشرت بعد سقوط هذا الفكر الذي أخلى لها الساحة! فهو يحيل انتشار الالتزام بشرع الرحمن وعودة الكثيرين إلى الهداية إلى هذا السبب، لا أن الإسلام يحمل قوته في ذاته ؛ لأنه الدين الحق المستمر إلى قيام الساعة. يقول منيف: "إن الدول الغربية، في مراحل متعددة، ولا تزال إلى الآن، تتبنى وتدعم أنظمة واتجاهات أصولية في المنطقة العربية. فأنظمة الخليج العربي، وأنظمة أخرى أيضاً، تحظى برعاية وحماية الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، رغم ما تتصف به هذه الأنظمة من أصولية ورجعية، ورغم دعم هذه الأنظمة لمجموعة من الحركات الأصولية في أمكنة متعددة من العالم . إن الأصولية بشكل عام، والأصولية الإسلامية تحديداً، رغم أنها موجودة منذ وقت مبكر، إلا أنها الآن أقوى من أي وقت مضى. ومن جملة ما يفسر ذلك: ضعف أو غياب التيارات الأخرى، والمصاعب والعراقيل التي وضعت في وجهها، وكان الغرب، خلال مراحل متعددة، يقود حرباً بشكل مباشر، أو من خلال دعم الحكومات الرجعية والديكتاتورية، لمحاربة التيارات الديمقراطية والتقدمية، مما أفسح المجال أمام التيارات الأصولية لأن تقوى وتسيطر، ومثَل السادات في مصر مثال ساطع. ولقد تعززت هذه الحالة بسقوط الاتحاد السوفييتي، وما رافق هذا السقوط من حملة إعلامية غربية تقول باستحالة وجود فرص أو إمكانية للتيار الديمقراطي التقدمي كي يكون حلاً بديلاً للنظم الرجعية القائمة، مما يفسح المجال لأن يعتبر التيار الأصولي نفسه بديلاً وحيداً. في مواجهة وضع مثل هذا وجدت الأصولية مناخاً ملائماً لأن تعمل وتؤثر وتزداد قوة، خاصة وأن سياسة الدول الغربية طوال عقود متواصلة، اتسمت بضيق الأفق والأنانية، وأيضاً مناوء ة الطموحات المشروعة لشعوب المنطقة، ولعل موقفها المتحيز والظالم تجاه القضايا الأساسية، كالنفط والقضية الفلسطينية والتحرر الاقتصادي، أفسح المجال واسعاً أمام الحركات الأصولية لأن تطرح نفسها كأفق واحتمال للتحرر السياسي والاقتصادي، بغض النظر عن إمكانية ذلك لاحقاً. إن جزءاً كبيراً من الحرب الدائرة الآن في أنحاء متعددة من العالم حرب شعارات لكسب مواقع، ولو مؤقتاً، من أجل اصطفاف جديد. وهذه الحرب تمارسها، تقريباً كل الأطراف، بغض النظر عن وجود استراتيجية بعيدة الأمد أم لا. إذ المهم قهر الخصم الآن، أو تجريده من أهم الأدوات والوسائل التي يملكها أو يلجاً إليها، دون حساب للنتائج التي يمكن أن تترتب عليها في فترات لاحقة. ومن جملة ما يعزز موقف التيار الأصولي في الوقت الحاضر، ويكسبه شعبية واسعة، السياسة والشعارات التي يرفعها في مواجهة الغرب، خاصة الولايات المتحدة، لأن هذه الأخيرة لم تكف عن اللجوء إلى القوة والقهر والاستغلال في التعامل مع شعوب المنطقة، كما لا يخفى تبنيها لسياسةٍ تجرح كبرياء وطموحات شعوبها، هذا عدا عن التمييز في الموقف والمعاملة بين العرب وإسرائيل. والذاكرة العربية، والإسلامية، مثقلة بكم الوقائع التي تُظهر التحيز والقسوة والعنف الغربي، خاصة الأميركي، تجاه القضايا التي تهم شعوب هذه المنطقة. هذه إشارات ضرورية من أجل فهم الظاهرة الأصولية ووضعها في سياقها. أما إذا عزلت عن هذا السياق، وعن فهم الدوافع الكامنة وراء نهوضها وقوتها وعنفها، فسوف يؤدي ذلك إلى المزيد من الأخطاء" . (بين الثقافة والسياسة، ص 137-139) .
ويقول : "إن الحركة الدينية قوية وموجودة كحركة سياسية بقدر عجز وغياب القوى الوطنية التقدمية" (الديمقراطية أولاً، ص44).
قلت : نسي هذا الماركسي أن أصحابه الشيوعيين قد أفسح لهم المجال في أماكن عديدة من العالم الإسلامي تحت نظر الغرب وسمعه ، ورعايته ، ولكنهم فشلوا في قيادة الأمة ، بل أورثوها النكبات ، مما لم يعد يخفى على عاقل يحترم نفسه .فهلا تنحوا قليلا ، وأفسحوا المجال لأهل الإسلام ؟! ( طلع الصباح فأطفئ القنديلا!) .
- كما سبق فإن عبد الرحمن منيف من غلاة الماركسيين الذين يعادون الدين فإن قبلوه بسبب ضغط الواقع فإنهم يحصرونه في الشعائر التعبدية فقط، وقد صرح منيف بهذا وأفصح عن علمانيته بقوله: "إن الدين، أي دين، يفترض أن يبقى في إطار الاعتقاد الشخصي، أما إذا تحول إلى عمل سياسي فيصبح عندئذٍ ذريعة لسلب حرية الإنسان، ولإرغامه على الامتثال، كما يصبح وسيلة لقهر الآخر" . (بين الثقافة والسياسة ، 148 ).
- ويقول عن أسباب اختيار الماركسيين وغيرهم من أهل الضلال للعلمانية : "العلمانية في البلاد العربية كانت بالدرجة الأولى في مواجهة الدولة القومية المتستترة بالدين " (الديمقراطية أولاً، ص 95) .
- يتأفف منيف كثيراً ما يسميه (رقابة المجتمع) ! ويتمنى لو أنه يستطيع البوح بما في نفسه دون خوف منها. فهو باختصار يريد أن يكفر ويفوه بالمنكرات دون أن يحاسبه أحد، وهذا ما لا يُقره الإسلام لأبنائه؛ لأنه يربأ بهم عن الكفر . يقول منيف: "أما كيف أتعامل مع رقابة المجتمع والدولة فإن الإشكالية الأساسية التي تثير حيرتي هي رقابة المجتمع. الدولة تدافع عن نفسها، تحصّن نفسها، ولذلك تلجأ إلى القسوة والتمويه والمخادعة، وربما هذا "حق" من حقوق الدفاع عن النفس، ضمن منطق الدولة وأسلوبها. ولكن ماذا بخصوص رقابة المجتمع المقموع، المضطهد، والذي يمارس أيضاً كل المحرمات سراً، ويتمتع بها إلى أقصى حد في الحياة اليومية، من خلال الشتائم والنميمة والصور العارية والفضائح، وفي نفس الوقت، يمنع أن يُكتب ذلك. إن المجتمع العربي من أغرب المجتمعات قاطبة، لأنه يمارس كل شيء سرياً، ويخشى أن تقال كلمة، ولو غير مباشرة، عن هذه الحياة السرية. الله كم تحت قشرة العفة والطهارة والتقوى المدّعاة من الفضائح والوساخات والزنى بالمحرمات ! مجتمع يمارس العادة السرية. يعمل كل شيء، وبشجاعة سرية فائقة، لكنه يخشى أي شيء، ولو كان بريئاً وسمحاً، أن يظهر إلى الخارج! ليس ذلك فقط. إنه يلاحق ويعاقب من يقول جزءاً من الحقيقة!" (الكاتب والمنفى، ص 380) .
قلت: كون أحد من الناس يمارس الأخطاء والمحرمات وسواء علناً أم سراً، هل يبيح هذا لنا أن نُقر هذه المحرمات والأخطاء ولا ننكرها؟! لا يقول هذا مسلم يعرف دينه. ومن ارتكب المحرمات والأخطاء فحسابه على الله، وهو ليس حجة على شرع الله.
- ويرى منيف أن الإسلام يعوق بين الأديب وحريته! ويقصد بالحرية ما لا يقره الإسلام من التفوه بالكفريات والضلالات، فهو يريد –كما سيأتي- إسلاماً لا دخل له بالمجتمع كله، بل ينحصر في المسجد وبين المرء وربه، كما في النصرانية الآن. يقول منيف: "الهم الرابع: المحرمات: ما أود أن أشير إليه هنا، ومجرد إشارة، هو موضوع المحرمات في السياسة والدين والجنس، وهذه عوائق أو تحديات أمام نمو الرواية وتطورها" (الكاتب والمنفى، ص51).
- دائماً ما يحمل منيف –كغيره من الماركسيين- على الدول النفطية وعلى رأسها السعودية ! بأنها قد استغلت النفط لنشر التخلف والرجعية!! ويعني بهما الإسلام السلفي، وهذه شنشة معهودة من غلاة الماركسيين في فترة مضت، فما بال منيف لا زال يرددها إلى اليوم ؟! يقول منيف : "إن ثروة النفط ظهرت سلبياتها أكثر من إيجابياتها في أحيان كثيرة، بما في ذلك تشجيع المد السلفي" (الديمقراطية أولاً، ص 220). ويقول: "إن حجم التخريب الذي ولدته الفورة النفطية، في مجالات شتى، بما فيها الثقافة، والتي طالت عدداً من "المثقفين" في الغرب أيضاً، ترك تأثيرات سلبية مدمرة على الأفكار والقيم والعلاقات والمقاييس، وقد أبرزت أزمة الخليج بعضاً من ذلك، حيث حُشدت أعداد من الكتبة المستأجرين، واستخرجت الفتاوى لإدانة أية أصوات تعارض التدخل الأميركي أو الحرب الهمجية التي شُنّت على شعب العراق، وزيفت الوقائع أو أُخفيت، وساد جو قاسٍ من الإرهاب والتعبئة، بحيث لم يظهر إلا صوت واحد: الصوت الرسمي. ومما زاد في خلق هذا المناخ حالة الضياع التي سادت بعد الزلزال الذي وقع في المعسكر الاشتراكي، إذ سقط الكثير من الأفكار والمقاييس، وطغت موجة سلفية جديدة في المنطقة، كما عمت حالة من القلق وعدم اليقين" . (الديمقراطية أولاً، ص 280-281) .
- من أطرف ما مر بي أثناء دراستي لفكر (الماركسي) عبد الرحمن منيف أنني وجدت له تصريحاً جديداً بأنه يؤمن بالليبرالية !! وهي نقيض الماركسية! لتعلم بعدها أن القوم أصحاب أهواء، مستعدون للتنقل بينها ولو كانت متعارضة ما دامت مخالفة للإسلام ولا تؤدي إليه ! ، يقول منيف: " لا أخفي : في المرحلة الحالية أميل إلى الليبرالية " !! (الكاتب والمنفى، ص308) . قلت : صدق من قال : يوماً يمانٍ إذا لاقيتَ ذا يمنٍ وإن لقيتَ معِّدياً فعدناني ! فأنتم لما هوى صنمكم القديم الماركسية، هرعتم إلى تمجيد صنمٍ آخر هو الليبرالية، ومن لم يرض بعبودية الرحمن رضي بعبودية النفس والشيطان. فروا من الرِّق الذي خُلقوا له وبُلوا برق النفس والشيطان.
- كلمات منيف عن المرأة قليلة جداً حتى في رواياته ، وهذا مما يستغرب على روائي ماركسي!؛ لأن أدباء الماركسية اشتهروا في الأدب بجنوحهم إلى نشر الرذيلة والدفاع عنها، وعذر أصحابها من المومسات ونحوهن، وتحميل الظروف الاقتصادية جميع خطاياهن… الخ، وهذا تجده على سبيل المثال في روايات: نجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهما من رؤس الأدباء الماركسيين العرب . فالله أعلم عن سبب قلة هذا الأمر عند منيف ، هل هو بسبب أسرته أم بيئته؟!
لكنه إذا تعرض في مقابلاته لسؤال حول المرأة فإنه لا يعدو نظرة المتحررين نحوها! يقول منيف : " لا شك أن المرأة في الواقع، وفي مجتمعنا تحديداً ، خاصة في المرحلة الراهنة تعاني الكثير لكونها امرأة. ففي مجتمع متخلف ويخضع إلى القمع المتدرج ، من الطبيعي أن يكون استعباد المرأة أو وضعها في مرتبة أدنى أمراً طبيعياً. هذه حالة وصفية، خاصة وأن هذا المجتمع يمتلك إرثاً من ناحية الدين والتقاليد يعزز مثل تلك النظرة، ويعطيها من المبررات الكثير" (بين الثقافة والسياسة ، ص 152-153). فهذا الماركسي يرى أن الشرع قد جاء بانتقاص واستبعاد المرأة ! وهذا كفر لا شك فيه، والعياذ بالله، وهو ليس بغريب على من يدين بدين الماركسية.
أسأل الله أن يهدينا صراطه المستقيم ، وأن ينصر الإسلام والمسلمين ، ويكبت المنافقين والكافرين ، والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
الشيخ .. سليمان الخراشى وفقه الله