نجلا
04-01-2004, 10:50
الحمد رب العالمين، والصلاة السلام على سيد المرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فنحن نعلم أن الله تبارك وتعالى قد جعل نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأكمل له ولأُمَّته الدين، وبعثه على حين فترة من الرسل، وظهور الكفر، وانطماس السبل، وظهور جاهلية جهلاء لا تعرف من الحق شيئاً، ولا تنتحل من العادات والعبادات والأفكار إلا ما وجدت عليه آباءَها، واستحسنه أسلافُها، فببعثة هذا الرسول صلى الله عليه وسلم البشير النذير؛ قمع الله به أهل الشرك والكفر من عَبَدَةِ الأوثان والنِّيران والصُّلْبان، فأحيا الله به ما دُرِسَ وانخفى من معالم الإيمان، وأذلَّ به كفار أهل الكتاب، وأهل الشرك والارْتياب، فأظهر عليه الصلاة وأتم التسليم ما كان مخفياً عند أهل الكتاب، وكشف ضلالهم وانحرافهم.
فبين عليه الصلاة والسلام أن الكتب السماوية حقٌ؛ كالتوراة والزبور والإنجيل، وبين أن دين الأنبياء والمرسلين واحد، وإن كان لكل ٍ منهم شِرعة ومنهاجاً.
ولكن اليهود والنصارى كفروا بتبديلهم ما في كتبهم السَّماويَّة؛ فشرَّعوا لأنفسهم شرائع ابتدعوها من عند أنفسهم بغير إذنٍ من الله، وخالفوا بها الشرع الذي بعث الله به أنبياءه ورسله، مثل قوله بالتثليث، والأقانيم، والقول بالحلول والإتحاد بين اللاهوت والنّاسوت، وقولهم عُزَيْرٌ ابن الله، وأن المسيح هو الله وابن له، وقالوا يد الله مغلولة، وأحلوا ما حرَّم الله، وحرَّموا ما أحله الله، وتكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي هو موجود عندهم في التوراة والإنجيل، فبأفعالهم هذه وغيرها الكثير؛ قد كفروا وانتسبوا إلى موسى وعيسى عليهما الصلاة السَّلام زوراً وبهتاناً.
قال تعالى: { قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليكم من ربكم }
وقال الله جل ذكره: { ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم }
وقال الله تعالى: {وقالت اليهود عُزَيْرٌ ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون}
وقال جلَّت قدرته: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم } وقال سبحانه وتعالى :{لقد كفر الذي قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إلهٍ إلا إلهٌ واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم }
فهؤلاء الناس كفروا لتبديلهم دينهم، وإلاَّ فدين الأنبياء والمرسلين واحد؛ وهو الإسلام - أي الاستسلام له بالتوحيد، والانقياد له سبحانه بالطاعة، والابتعاد عن الشرك، ومعه الاعتقاد بالقلب، والنطق باللسان والعمل بالجوارح والأركان - قال الله تبارك وتعالى :{ بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون }
والله سبحانه وتعالى لما أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض قال: { قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون }
فالدين أيها المسلمون الذي ارتضاه الله لنفسه هو الإسلام الذي بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل، ولا يقبل الله من أحدٍ ديناً غيره، لا من الأولين ولا من الآخرين، وهو دين الأنبياء وأتباعهم.
فأخبر الله تعالى عن نوح عليه السلام فقال: { فإن توليتم فما سألتكم من أجرٍ إن أجريَ إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين }
وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام:{إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
وقال تعالى عن يوسف عليه السلام:{ربِّ آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطرُ السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين}
وقال تعالى عن موسى عليه السلام:{ يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين}
وأخبر الله عن السحرة أنهم قالوا لفرعون: { وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين }
وقال تعالى عن بلقيس ملكة اليمن :{ ربِّ إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين }
وقال تعالى عن أنبياء بني إسرائيل :{إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا }
وقال تعالى عن الحواريين :{فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهدوا بأنا مسلمون } وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه :(( إنا معشر الأنبياء ديننا واحد وأنا أولى الناس بابن مريم لأنه ليس بيني وبينه نبي ))
فالدين إذن واحد؛ وهو دين الإسلام؛ وهو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وعبادته تعالى تكون في كل زمان ومكان؛ بطاعة رسله عليهم السلام، قال تعالى: { وما أرسلنا من رسول إلا ليُطاع بإذن الله } فدين المرسلين يخالف دين المشركين والمبتدعين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزبٍ بما لديهم فرحون.
عباد الله! وبهذا الكلام الموجز اليسير؛ أقول:
أن من أوجب الواجبات على المسلمين جميعاً أن يهتموا ويعتنوا بكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ويهتموا أيضا ويعتنوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهمهما على فهم السلف الصالح، وأقل شيء على المسلم أن يتعلمه هو الحلال ويتعرف على الحرام، لألىّ يقع في الحرام بدون علم، وأيضاً يتعلم الهدى ويتعرف على الضلال؛ لألىّ يقع في الضلال وهو لا يعلم، وليتعلم أيضاً الحق، ويتعرف على الباطل؛ لألىّ يقع في الباطل، ويجب أيضاً على كل مسلم أن يعرف الأوامر والنواهي؛ ليعمل بما أُمر، وينتهي عما نُهيَ عنه.
ففي هذه الرسالة أريد أن أنبه على قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام: وهي النهي عن التشبه بالكفار، سواء كانوا في هديهم أو في أعيادهم، وهذا الموضوع جداً مهم وخطير في حياة المسلمين، ويُعتبر أصلاً من أصول العقيدة الإسلامية، ومن أهمها عند السلف الصالح في القرون الثلاثة المفضلة الأولى؛ فالصحابة والتابعون كانوا يحذرون الأمة من التهاون بها، والوقوع بما نهى عنه الله ورسوله من مشابهة الكفار والأعاجم ونحوهم.
ورغم ذلك ورغم وضوح هذا الأصل في الكتاب والسنة، وقع المسلمون في المحذور، وتشبهوا بالكفار وبسننهم حذوَ القذَّة بالقُذَّة، مما أدى ذلك إلى ضعف المسلمين، وتقوية الكافرين وانتشر بذلك التقليد: في العقائد والأفكار والأخلاق والعادات والأزياء التي هي الإسلام منها براء..
فمثلا البناء على القبور واتخاذها مساجد؛ الإسلام منها براء، والفِرَق والجماعات الكثيرة في ساحات المسلمين؛ الإسلام منها براء، والتشبه بالكفار والأعاجم غير المسلمين بالزَّيِّ واللباس، والعادات والتقاليد واللغة، والأعياد والاحتفالات؛ كل ذلك الإسلام منها براء، والأفكار والمفاهيم الغير إسلامية التي هيمنت على أذهان كثير من المسلمين اليوم؛ الإسلام منها براء، وانتشار البدع؛ سواء كانت اعتقادية أو عمَليَّة، وما يروجه أصحاب الطرق الصوفية من بدع وخرافات؛ الإسلام منها براء، والاحتفال بأعياد لم يشرعها الله ولا رسوله؛ كالاحتفال بيوم عاشوراء، والمولد النبوي أو بهجرته وبليلة الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان؛ الإسلام منها براء - وإنما أحدث الأعياد هم الأمم الأخرى كاليهود والنصارى- وكذلك الغلو في الأنبياء والصالحين وبناء المساجد والأضرحة على قبورهم والطواف بها، والدعاء عندها، والتبرك بها، ودعاء أهلها من دون الله أو مع الله، ونحوها من البدع والشِّرْكِيَّات التي وقع فيها كثير من الجُهَّال والمبتدعين من أصحاب الطرق الصوفية والشيعة وغيرهم؛ الإسلام منها ومنهم براء.
وعليه يا عباد الله! فإنه بالرغم ما وقعت فيه الأمة، وما ستقع فيه من التشبه من الأمم الأخرى؛ فإنما هو قدرُ من أقدار الله وقضائه الذي لا يُرَدّ، وهذا لا يعني أن المسلم سيستسلم لهذا القدَر، بل علينا بفعل الأسباب الواقية، فالله سبحانه وتعالى قد حذرنا سبيل الكافرين، وأمرنا بالاستمساك بالعروة الوثقى، وأمرنا بالإصلاح، وأمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستتبع سنن الذين من قبله، وأنها سوف تفترق إلى أكثر من سبعين فرقة، ولكن هذا الإخبار جاء معه التحذير واتخاذ أسباب الوقاية، وما يكون ذلك إلاَّ بالتمسك بالكتاب والسنة، واقتفاء أثر السلف الصالح، والحذر من الابتداع في الدين، واتقاء أسباب الضلالة والغواية.
أيها المسلمون! إعلموا أن مشاركة النصارى أو تهنئتهم بأعيادهم تعتبر موافقة لدينهم الذي حرَّفوه، وتشبهٌ بهم، ورضاً بطقوسهم الدينية التي ما أنزل الله بها من سلطان.
فهؤلاء دينهم مؤسس على عبادة الصلبان؛ التي يجب علينا معاشر المسلمين أن نحرق كل صليب نقدر على إحراقه، وأن نهينه غاية الإهانة.
هذا الصليب أيها المسلمون الذي ادعى أهله أن إلههم قد صُلب عليه، فيقولون تارة أنه الله، وتارة يقولون أنه ابنه، وتارة يقولون ثالث ثلاث؛ فجحدوا حق خالقهم وكفروا به أعظم كفر، وسبوه أقبح مسبة؛ حيث ادعوا أن من تمام رحمته على عباده أنه رضي بإراقة دمه عنهم على خشبة الصليب، فأمة أطبقت على هذا في معبودها؛ فكيف نجيز لأنفسنا أن نهنِّئهم بأعيادهم، وهي بلا شك أعياد دينية عندهم؛ كالكريزمس، وهو عيد الصَّليب، وهذه التهنئة تُعتبر إقرارٌ لما هم عليه من شعائر الكفر والسجود للصليب.
عباد الله! إذا كان قد عُلِم من ديننا أنه لا يجوز لنا تصديرهم في المجالس، ولا القيام لهم، ولا بدؤهم بالسلام، فكيف حال من يقلدهم أو يهنؤهم عليها أو يحضرها؟!
عباد الله! يقول الله تعالى: ? والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً ? قال غير واحد من التابعين: أن الزور في هذه الآية هو أعياد المشركين، فعباد الرحمن حقاً هم الذين لا يشهدون ولا يحضرون أعياد المشركين فضلاً من أن يفعلوها.
فعن أنس t قال: ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يُلعبان فيهما، فقال: (( ما هذان اليومان؟ )) قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله r : (( إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر )) رواه أبو داود
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقرهم على أعياد الجاهلية، ولكنه أقرَّ أعياد الإسلام، لأن الإسلام هو الذي يقرر لا غيره، فإذا هنَّأنا الكفار بأعيادهم؛ فيُعتبر تقريراً لدينهم وضلالهم، رضينا أم أبينا.
ثم اعلموا يا عباد الله أن عمر رضي الله عنه اشترط شروطاً على أهل الذمة من أهل الكتاب، واتفق عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم أن أهل الذمة من أهل الكتاب: لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام، فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها؛ فكيف يسوغ للمسلمين فعلها أو إقرارها، أوليس حينئذ يكون فعلها أو إقرارها أشد من فعل الكافر بها مُظهر لها؟!
وجاء في صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه قال: ( إجتنبوا أعداء الله في عيدهم ) وجاء في رواية صحيحة في البيهقي: (.. فإن السَّخْطَةَ تنزل عليهم )
فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهى عن مخالطتهم في أعيادهم لأن ذلك من مقتضى دينهم، فكيف موافقتهم بالعمل والتهنئة لهم، ألا يكون أعظم من مجرد لقائهم والاجتماع بهم؟!
ثم يا عباد الله! إنَّ تهنئتنا لهم في أعيادهم يوجب السرور في قلوبهم بما هم عليه من الباطل، خصوصاً إذا كانوا في هذه البلاد؛ بلاد التوحيد والحصن الباقي الأخير، فإذا رأى هؤلاء الكفار أن المسلمين قد صاروا فرعاً لهم في خصائص دينهم؛ فإن ذلك يوجب قوة قلوبهم، وانشراح صدورهم، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستغلال الضعفاء لنشر دينهم، ويلبِّسوا على العوام فيلقوا الشبهات في قلوبهم؛ حتى لا يميزوا بين المعروف والمنكر، وهذا الأمر محسوس، وكذلك نقول أن المشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة؛ توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي، فبني آدم مجبولون على التأثر والتأثير؛ فيكتسبون الأخلاق بالمعاشرة والمشاكلة.
يقول ابن تيميَّة رحمه الله في كتابه "إقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم": ( الآدمي إذا عاشر نوعاً من الحيوان؛ اكتسب بعض أخلاقه، ولهذا صار الخيلاء والفخر في أهل الإبل، وصارت السّكينة في أهل الغنم، وصار الجمالون والبغالون فيهم أخلاق مذمومة من أخلاق الجمال والبغال، وكذلك الكلاّبون، وصار الحيوان الإنسي فيه بعض أخلاق الناس من المعاشرة والمؤالفة وقلَّة النُّفرة.. ثم قال: وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين هم أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى؛ هم أقل إيماناً من غيرهم ) اهـ
قلت: لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:(( من تشبَّه بقومٍ فهو منهم )) رواه أبو داود وغيره.
ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( فمشابهتهم في أعيادهم ولو بالقليل؛ هو سبب لنوع ما من اكتساب أخلاقهم التي هي ملعونة. ) اهـ
ثم لتعلموا يا عباد الله! أن مشابهة الكفار في الظاهر؛ تورث نوعاً من محبتهم ومودتهم وموالاتهم في الباطن، وهذا أمر محسوس لكل صاحب لبٍّ، ويشهد له بالتجربة، وأخطر مشابهة لهم؛ ففي الأمور الدينية؛ فهي نوع من الموالاة التي تنافي الإيمان، قال تعالى: { لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون }
فيا عباد الله! لا تهنِّئوا ولا تقلدوا طائفة أصل عقيدتها أن الله ثالث ثلاثة، وأنَّ مريم صاحبته، وأن المسيح ابنه، وأنه نزل من على كرسي عظمته والتحم ببطن الصاحبة؛ وجرى له ما جرى، إلى أن قُتِل ومات ودفن - تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً -:{ وقالوا اتخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إدًّا تكاد السماوات يتفطَّرن منه وتنشقُّ الأرضُ وتخرُّ الجبالُ هدًّا أن دعوا للرحمن ولداً وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً إن كل من في السماوات والأرض إلاَّ آتي الرحمنِ عبداً }
فهؤلاء الوثنيون عبَّاد الصليب قد ضلوا ضلالاً بعيداً، وسبوا الله العظيم الذي خلقهم وخلق المسيح أعظم مسبة، ما سبه إياها أحد من العالمين، فدين هؤلاء شرب الخمور، وأكل لحم الخنزير، وترك الختان، والتعبد بالنجاسات، واستباحة كل خبيث، فالحلال عندهم؛ ما أحله القسيس، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، وهذا القسيس عندهم هو الذي يغفر الذنوب، ويعطي الصكوك الغفرانية فيغفر الذنوب، وهو الذي يقطع لهم الإقطاعات في الجنة.
فيا عباد الله! اتقوا الله عزَّ وجل، وكونوا من عباده المؤمنين الذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً، فلا تشهدوا أعياد هؤلاء الذين اختاروا الكفر على الإيمان، واختاروا الكفر بنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم وجحدوا نبوته، فلا تشهدوا مناسبات قوم نزهوا بطارقتهم وبتاركتهم وقساوستهم عن الزوجة والولد، ولم ينزهوا ربهم هن الصاحبة والولد، فهؤلاء قد اختاروا دينهم في عبادة الصليب والصور التي خطوها بأيديهم في الحيطان، فزوقوا حيطانهم بهذه الصور بالألوان الحمراء والصفراء والزرقاء، فلو دَنَتْ منها الكلاب لبالتْ عليها، ومع ذلك أعطوها غاية الخضوع والذّل والخشوع والبكاء، وسألوها المغفرة والرحمة والرزق والنصر.
فاحذروا عباد الله! إحذروا من مشاركتهم وتهنئتهم، فكل هذا يُعتبر إقراراً لهم وعلى ضلالهم، فالله قد سماهم ضالون، فلا تضلوا معهم، والله المستعان... وصلى الله على نبي الله محمد وسلّم .
أما بعد:
فنحن نعلم أن الله تبارك وتعالى قد جعل نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأكمل له ولأُمَّته الدين، وبعثه على حين فترة من الرسل، وظهور الكفر، وانطماس السبل، وظهور جاهلية جهلاء لا تعرف من الحق شيئاً، ولا تنتحل من العادات والعبادات والأفكار إلا ما وجدت عليه آباءَها، واستحسنه أسلافُها، فببعثة هذا الرسول صلى الله عليه وسلم البشير النذير؛ قمع الله به أهل الشرك والكفر من عَبَدَةِ الأوثان والنِّيران والصُّلْبان، فأحيا الله به ما دُرِسَ وانخفى من معالم الإيمان، وأذلَّ به كفار أهل الكتاب، وأهل الشرك والارْتياب، فأظهر عليه الصلاة وأتم التسليم ما كان مخفياً عند أهل الكتاب، وكشف ضلالهم وانحرافهم.
فبين عليه الصلاة والسلام أن الكتب السماوية حقٌ؛ كالتوراة والزبور والإنجيل، وبين أن دين الأنبياء والمرسلين واحد، وإن كان لكل ٍ منهم شِرعة ومنهاجاً.
ولكن اليهود والنصارى كفروا بتبديلهم ما في كتبهم السَّماويَّة؛ فشرَّعوا لأنفسهم شرائع ابتدعوها من عند أنفسهم بغير إذنٍ من الله، وخالفوا بها الشرع الذي بعث الله به أنبياءه ورسله، مثل قوله بالتثليث، والأقانيم، والقول بالحلول والإتحاد بين اللاهوت والنّاسوت، وقولهم عُزَيْرٌ ابن الله، وأن المسيح هو الله وابن له، وقالوا يد الله مغلولة، وأحلوا ما حرَّم الله، وحرَّموا ما أحله الله، وتكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي هو موجود عندهم في التوراة والإنجيل، فبأفعالهم هذه وغيرها الكثير؛ قد كفروا وانتسبوا إلى موسى وعيسى عليهما الصلاة السَّلام زوراً وبهتاناً.
قال تعالى: { قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليكم من ربكم }
وقال الله جل ذكره: { ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم }
وقال الله تعالى: {وقالت اليهود عُزَيْرٌ ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون}
وقال جلَّت قدرته: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم } وقال سبحانه وتعالى :{لقد كفر الذي قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إلهٍ إلا إلهٌ واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم }
فهؤلاء الناس كفروا لتبديلهم دينهم، وإلاَّ فدين الأنبياء والمرسلين واحد؛ وهو الإسلام - أي الاستسلام له بالتوحيد، والانقياد له سبحانه بالطاعة، والابتعاد عن الشرك، ومعه الاعتقاد بالقلب، والنطق باللسان والعمل بالجوارح والأركان - قال الله تبارك وتعالى :{ بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون }
والله سبحانه وتعالى لما أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض قال: { قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون }
فالدين أيها المسلمون الذي ارتضاه الله لنفسه هو الإسلام الذي بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل، ولا يقبل الله من أحدٍ ديناً غيره، لا من الأولين ولا من الآخرين، وهو دين الأنبياء وأتباعهم.
فأخبر الله تعالى عن نوح عليه السلام فقال: { فإن توليتم فما سألتكم من أجرٍ إن أجريَ إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين }
وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام:{إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
وقال تعالى عن يوسف عليه السلام:{ربِّ آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطرُ السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين}
وقال تعالى عن موسى عليه السلام:{ يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين}
وأخبر الله عن السحرة أنهم قالوا لفرعون: { وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين }
وقال تعالى عن بلقيس ملكة اليمن :{ ربِّ إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين }
وقال تعالى عن أنبياء بني إسرائيل :{إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا }
وقال تعالى عن الحواريين :{فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهدوا بأنا مسلمون } وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه :(( إنا معشر الأنبياء ديننا واحد وأنا أولى الناس بابن مريم لأنه ليس بيني وبينه نبي ))
فالدين إذن واحد؛ وهو دين الإسلام؛ وهو عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وعبادته تعالى تكون في كل زمان ومكان؛ بطاعة رسله عليهم السلام، قال تعالى: { وما أرسلنا من رسول إلا ليُطاع بإذن الله } فدين المرسلين يخالف دين المشركين والمبتدعين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزبٍ بما لديهم فرحون.
عباد الله! وبهذا الكلام الموجز اليسير؛ أقول:
أن من أوجب الواجبات على المسلمين جميعاً أن يهتموا ويعتنوا بكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ويهتموا أيضا ويعتنوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهمهما على فهم السلف الصالح، وأقل شيء على المسلم أن يتعلمه هو الحلال ويتعرف على الحرام، لألىّ يقع في الحرام بدون علم، وأيضاً يتعلم الهدى ويتعرف على الضلال؛ لألىّ يقع في الضلال وهو لا يعلم، وليتعلم أيضاً الحق، ويتعرف على الباطل؛ لألىّ يقع في الباطل، ويجب أيضاً على كل مسلم أن يعرف الأوامر والنواهي؛ ليعمل بما أُمر، وينتهي عما نُهيَ عنه.
ففي هذه الرسالة أريد أن أنبه على قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام: وهي النهي عن التشبه بالكفار، سواء كانوا في هديهم أو في أعيادهم، وهذا الموضوع جداً مهم وخطير في حياة المسلمين، ويُعتبر أصلاً من أصول العقيدة الإسلامية، ومن أهمها عند السلف الصالح في القرون الثلاثة المفضلة الأولى؛ فالصحابة والتابعون كانوا يحذرون الأمة من التهاون بها، والوقوع بما نهى عنه الله ورسوله من مشابهة الكفار والأعاجم ونحوهم.
ورغم ذلك ورغم وضوح هذا الأصل في الكتاب والسنة، وقع المسلمون في المحذور، وتشبهوا بالكفار وبسننهم حذوَ القذَّة بالقُذَّة، مما أدى ذلك إلى ضعف المسلمين، وتقوية الكافرين وانتشر بذلك التقليد: في العقائد والأفكار والأخلاق والعادات والأزياء التي هي الإسلام منها براء..
فمثلا البناء على القبور واتخاذها مساجد؛ الإسلام منها براء، والفِرَق والجماعات الكثيرة في ساحات المسلمين؛ الإسلام منها براء، والتشبه بالكفار والأعاجم غير المسلمين بالزَّيِّ واللباس، والعادات والتقاليد واللغة، والأعياد والاحتفالات؛ كل ذلك الإسلام منها براء، والأفكار والمفاهيم الغير إسلامية التي هيمنت على أذهان كثير من المسلمين اليوم؛ الإسلام منها براء، وانتشار البدع؛ سواء كانت اعتقادية أو عمَليَّة، وما يروجه أصحاب الطرق الصوفية من بدع وخرافات؛ الإسلام منها براء، والاحتفال بأعياد لم يشرعها الله ولا رسوله؛ كالاحتفال بيوم عاشوراء، والمولد النبوي أو بهجرته وبليلة الإسراء والمعراج وليلة النصف من شعبان؛ الإسلام منها براء - وإنما أحدث الأعياد هم الأمم الأخرى كاليهود والنصارى- وكذلك الغلو في الأنبياء والصالحين وبناء المساجد والأضرحة على قبورهم والطواف بها، والدعاء عندها، والتبرك بها، ودعاء أهلها من دون الله أو مع الله، ونحوها من البدع والشِّرْكِيَّات التي وقع فيها كثير من الجُهَّال والمبتدعين من أصحاب الطرق الصوفية والشيعة وغيرهم؛ الإسلام منها ومنهم براء.
وعليه يا عباد الله! فإنه بالرغم ما وقعت فيه الأمة، وما ستقع فيه من التشبه من الأمم الأخرى؛ فإنما هو قدرُ من أقدار الله وقضائه الذي لا يُرَدّ، وهذا لا يعني أن المسلم سيستسلم لهذا القدَر، بل علينا بفعل الأسباب الواقية، فالله سبحانه وتعالى قد حذرنا سبيل الكافرين، وأمرنا بالاستمساك بالعروة الوثقى، وأمرنا بالإصلاح، وأمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستتبع سنن الذين من قبله، وأنها سوف تفترق إلى أكثر من سبعين فرقة، ولكن هذا الإخبار جاء معه التحذير واتخاذ أسباب الوقاية، وما يكون ذلك إلاَّ بالتمسك بالكتاب والسنة، واقتفاء أثر السلف الصالح، والحذر من الابتداع في الدين، واتقاء أسباب الضلالة والغواية.
أيها المسلمون! إعلموا أن مشاركة النصارى أو تهنئتهم بأعيادهم تعتبر موافقة لدينهم الذي حرَّفوه، وتشبهٌ بهم، ورضاً بطقوسهم الدينية التي ما أنزل الله بها من سلطان.
فهؤلاء دينهم مؤسس على عبادة الصلبان؛ التي يجب علينا معاشر المسلمين أن نحرق كل صليب نقدر على إحراقه، وأن نهينه غاية الإهانة.
هذا الصليب أيها المسلمون الذي ادعى أهله أن إلههم قد صُلب عليه، فيقولون تارة أنه الله، وتارة يقولون أنه ابنه، وتارة يقولون ثالث ثلاث؛ فجحدوا حق خالقهم وكفروا به أعظم كفر، وسبوه أقبح مسبة؛ حيث ادعوا أن من تمام رحمته على عباده أنه رضي بإراقة دمه عنهم على خشبة الصليب، فأمة أطبقت على هذا في معبودها؛ فكيف نجيز لأنفسنا أن نهنِّئهم بأعيادهم، وهي بلا شك أعياد دينية عندهم؛ كالكريزمس، وهو عيد الصَّليب، وهذه التهنئة تُعتبر إقرارٌ لما هم عليه من شعائر الكفر والسجود للصليب.
عباد الله! إذا كان قد عُلِم من ديننا أنه لا يجوز لنا تصديرهم في المجالس، ولا القيام لهم، ولا بدؤهم بالسلام، فكيف حال من يقلدهم أو يهنؤهم عليها أو يحضرها؟!
عباد الله! يقول الله تعالى: ? والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً ? قال غير واحد من التابعين: أن الزور في هذه الآية هو أعياد المشركين، فعباد الرحمن حقاً هم الذين لا يشهدون ولا يحضرون أعياد المشركين فضلاً من أن يفعلوها.
فعن أنس t قال: ( قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يُلعبان فيهما، فقال: (( ما هذان اليومان؟ )) قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله r : (( إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر )) رواه أبو داود
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقرهم على أعياد الجاهلية، ولكنه أقرَّ أعياد الإسلام، لأن الإسلام هو الذي يقرر لا غيره، فإذا هنَّأنا الكفار بأعيادهم؛ فيُعتبر تقريراً لدينهم وضلالهم، رضينا أم أبينا.
ثم اعلموا يا عباد الله أن عمر رضي الله عنه اشترط شروطاً على أهل الذمة من أهل الكتاب، واتفق عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم أن أهل الذمة من أهل الكتاب: لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام، فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها؛ فكيف يسوغ للمسلمين فعلها أو إقرارها، أوليس حينئذ يكون فعلها أو إقرارها أشد من فعل الكافر بها مُظهر لها؟!
وجاء في صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه قال: ( إجتنبوا أعداء الله في عيدهم ) وجاء في رواية صحيحة في البيهقي: (.. فإن السَّخْطَةَ تنزل عليهم )
فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهى عن مخالطتهم في أعيادهم لأن ذلك من مقتضى دينهم، فكيف موافقتهم بالعمل والتهنئة لهم، ألا يكون أعظم من مجرد لقائهم والاجتماع بهم؟!
ثم يا عباد الله! إنَّ تهنئتنا لهم في أعيادهم يوجب السرور في قلوبهم بما هم عليه من الباطل، خصوصاً إذا كانوا في هذه البلاد؛ بلاد التوحيد والحصن الباقي الأخير، فإذا رأى هؤلاء الكفار أن المسلمين قد صاروا فرعاً لهم في خصائص دينهم؛ فإن ذلك يوجب قوة قلوبهم، وانشراح صدورهم، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستغلال الضعفاء لنشر دينهم، ويلبِّسوا على العوام فيلقوا الشبهات في قلوبهم؛ حتى لا يميزوا بين المعروف والمنكر، وهذا الأمر محسوس، وكذلك نقول أن المشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة؛ توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي، فبني آدم مجبولون على التأثر والتأثير؛ فيكتسبون الأخلاق بالمعاشرة والمشاكلة.
يقول ابن تيميَّة رحمه الله في كتابه "إقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم": ( الآدمي إذا عاشر نوعاً من الحيوان؛ اكتسب بعض أخلاقه، ولهذا صار الخيلاء والفخر في أهل الإبل، وصارت السّكينة في أهل الغنم، وصار الجمالون والبغالون فيهم أخلاق مذمومة من أخلاق الجمال والبغال، وكذلك الكلاّبون، وصار الحيوان الإنسي فيه بعض أخلاق الناس من المعاشرة والمؤالفة وقلَّة النُّفرة.. ثم قال: وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين هم أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى؛ هم أقل إيماناً من غيرهم ) اهـ
قلت: لهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:(( من تشبَّه بقومٍ فهو منهم )) رواه أبو داود وغيره.
ثم قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( فمشابهتهم في أعيادهم ولو بالقليل؛ هو سبب لنوع ما من اكتساب أخلاقهم التي هي ملعونة. ) اهـ
ثم لتعلموا يا عباد الله! أن مشابهة الكفار في الظاهر؛ تورث نوعاً من محبتهم ومودتهم وموالاتهم في الباطن، وهذا أمر محسوس لكل صاحب لبٍّ، ويشهد له بالتجربة، وأخطر مشابهة لهم؛ ففي الأمور الدينية؛ فهي نوع من الموالاة التي تنافي الإيمان، قال تعالى: { لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون }
فيا عباد الله! لا تهنِّئوا ولا تقلدوا طائفة أصل عقيدتها أن الله ثالث ثلاثة، وأنَّ مريم صاحبته، وأن المسيح ابنه، وأنه نزل من على كرسي عظمته والتحم ببطن الصاحبة؛ وجرى له ما جرى، إلى أن قُتِل ومات ودفن - تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً -:{ وقالوا اتخذ الرحمن ولداً لقد جئتم شيئاً إدًّا تكاد السماوات يتفطَّرن منه وتنشقُّ الأرضُ وتخرُّ الجبالُ هدًّا أن دعوا للرحمن ولداً وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً إن كل من في السماوات والأرض إلاَّ آتي الرحمنِ عبداً }
فهؤلاء الوثنيون عبَّاد الصليب قد ضلوا ضلالاً بعيداً، وسبوا الله العظيم الذي خلقهم وخلق المسيح أعظم مسبة، ما سبه إياها أحد من العالمين، فدين هؤلاء شرب الخمور، وأكل لحم الخنزير، وترك الختان، والتعبد بالنجاسات، واستباحة كل خبيث، فالحلال عندهم؛ ما أحله القسيس، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، وهذا القسيس عندهم هو الذي يغفر الذنوب، ويعطي الصكوك الغفرانية فيغفر الذنوب، وهو الذي يقطع لهم الإقطاعات في الجنة.
فيا عباد الله! اتقوا الله عزَّ وجل، وكونوا من عباده المؤمنين الذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً، فلا تشهدوا أعياد هؤلاء الذين اختاروا الكفر على الإيمان، واختاروا الكفر بنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم وجحدوا نبوته، فلا تشهدوا مناسبات قوم نزهوا بطارقتهم وبتاركتهم وقساوستهم عن الزوجة والولد، ولم ينزهوا ربهم هن الصاحبة والولد، فهؤلاء قد اختاروا دينهم في عبادة الصليب والصور التي خطوها بأيديهم في الحيطان، فزوقوا حيطانهم بهذه الصور بالألوان الحمراء والصفراء والزرقاء، فلو دَنَتْ منها الكلاب لبالتْ عليها، ومع ذلك أعطوها غاية الخضوع والذّل والخشوع والبكاء، وسألوها المغفرة والرحمة والرزق والنصر.
فاحذروا عباد الله! إحذروا من مشاركتهم وتهنئتهم، فكل هذا يُعتبر إقراراً لهم وعلى ضلالهم، فالله قد سماهم ضالون، فلا تضلوا معهم، والله المستعان... وصلى الله على نبي الله محمد وسلّم .