هايس الشمري
05-12-2003, 14:33
في آخر مقال نشر له في «البواسل»طلال الرشيد يروي رحلته بمقناص الجزائر وقصة صقره زنتان
* الرياض - عبدالكريم الدريبي:
طالت أيادي الغدر الشاعر طلال الرشيد «41» عاماً، عندما كان يمارس هوايته التي عشقها حتى الثمالة، حيث فجع المجتمع العربي بسيناريو مقتله على أرض الجزائر.
وكشفت الحادثة عن مدى الشعبية التي يتمتع بها بين أوساط المجتمع السعودي حتى الذين لم يعرفوه ولم يسبق أن التقوا به مما يثبت مدى أصالة وانسانية هذا المجتمع الذي قل أن يماثله أي شعب على البسيطة.
الفقيد الذي أكذ ذهابه للجزائر قبل عشرين عاماً كان قد كتب مقالاً في مجلته البواسل في عدد شهر يونيو الفائت تحدث فيه عن رحلة المقناص العام الماضي في الجزائر وقصة صقره زنتان.. وتعيد نشره «شواطئ» تقديراً للراحل الكبير:
كنت مع بعض رفاقي وأقاربي - منذ حوالي عشرين سنة - نقضي في رحلات الصيد حوالي الشهرين سنوياً في فصل الشتاء، في العديد من الدول حتى استقر بنا الحال في دول شمال أفريقيا الجزائر وليبيا، وفي كل رحلة نعيش الحياة الفطرية كأهلنا القدامى فتحدث لنا النوادر وغرائب القصص وفضائل الرجال فنستفيد ونفيد.
والصقر هو العشق الأصيل وأرى في حبه حُباً للرجال بشكل آخر ومن هنا تأتي تسميتنا للصقر بكل شهم نعرفه أو نذكر تاريخه ومواقفه.
وقد كان لي صديق من شيوخ قبيلة الزنتان وهي قبيلة عربية تسكن ليبيا والجزائر وصديقي هذا رغم كبر سنةوقدره إلا أنه يحمل في داخله روح الشباب، وفي تلك السنة كان معي طير «صقر» بدأت قصته غريبة فلا عجب أن تنتهي غريبة فقد اشتريته وأنا في طريقي لرحلة الصيد، والصقر المتوحش يحتاج على أقل تقدير من 15 الى 20 يوما لترويضه، فكيف سنستطيع ترويضه ونحن مشغولون بالصيد وتعليم الصقور الأخرى، والصقر «الوحش» يحتاج ملازمة في هذه المرحلة من صقّاره، ومن هنا أصر كل من معي على ألا اشتري هذا الصقر الذي أعجبني أنا فقط ولم يشاركني اعجابي به أي من رفاقي وهم خير من يعرف الصقر ومواصفاته الجمالية.. والحقيقة لم ألمهم لعدم انجذابهم له فأوصافه لم تكن فاتنة بما يبرر شراءه بعد فوات الآوان إلا أنني رأيت فيه خصوصية تُحس ولا تُرى، وهذا الشعور نادرا ما ينتابني وأنا التقي رجلا أو صقرا لأول مرة.. المهم اشتريت هذا الصقر، الداكن اللون، وافي الأطراف، حاد النظرة، بثمن قليل مقارنة بأسعار الصقور الأخرى.. وبدأت معاناتنا أو بالأحرى معاناتي أنا وحدي معه لأنه كان رهاني الشخصي.. وصلنا الى أرض المقناص بعد مسيرة أربعة أيام وكان في استقبالنا صاحبي البدوي «الزنتاني» فاستعرضنا كل صقورنا في تلك الليلة وأنا أشرح له قصة كل صقر وكيف ومن أين جاءنا ولاحظ اهتمامي بالصقر الذي اشتريته مؤخراً وشارك باقي رفاقي رأيهم في أن الطير لا يستحق هذا الاهتمام، فزاد عندي التحدي وأبلغت صديقي «الزنتاني» أنني سأسمي صقري هذا «زنتان» تيمناً باسم قبيلته الأصيلة، فسكت.
مرّت الأيام والليالي ولا يزال زنتان لم يتعلم أي شيء ولم يألف البشر إلا أنه لم يكن شرساً أو قاسي الطبع بل كان هادئاً على غير عادة الطيور المتوحشة حتى إنني بدأت أشك أنه قد لا يستطيع الطيران لأنه يبدي هدوءاً غريباً، وفي اليوم الثاني عشر لم يستجب «زنتان» لتدريبي له على ان يأتي لعلفه على يدي وعلى بعد متر واحد فقط.
في المساء قررت أن أراهن مراهنة غريبة غداً، سأعلمه الصيد مباشرة دون تعليمه التآلف معي وهذه سابقة أظن أنها لم تحدث حسب ما أعرفه مع أحد في هذه الهواية من قبل.. وفي الصباح أخذت احدى الحبارى» من طير كان قد صادها استطعنا اخراجها سليمة فأتيت بسلك رفيع وقوي وربطت طرفه في احدى رجلي الحبارى وطرفه الآخر في احدى كفي «زنتان» وتركت الحبارى تطير وخلعت عن زنتان برقعه فما ان رآها حتى انتهض كأنه يبيت لها ثأراً وتعلم زنتان صيد الحباري إلا أنه لا يزال غير أليف مما يضطرني ان آتيه على أقل من مهل وبحذر شديد على صيدته، وكانت المراهنة خطيرة حيث إنه لو لم يستطع صيد فريسته فليس هناك أي طريقة يعرفها أو تدرب عليها ليعود، فكنت أعيش طوال المدة هدده على أعصابي.. إلا أنه وفي نادرة أعتز بها كثيرا لم يخسر أي صيد أطلقته اليه.. حتى إنه في مرة طلب مني خالي طلال السبهان وكان تنافسنا على عدد الصيد على أشده، طلب أن يشاهد هدد زنتان بعد ان سمع حديثنا عنه فنادانا بعد ان وجد جول «حبارى» مجموعة من الحبارى عدده ست بالقرب من المخيم فجئناه على عجل وكانت الحبارى تتدارج في روض أخضر - كأني أنظر لها الآن - فأخذت عن زنتان برقعه فأقدم على احدى الحبارى وصادها وجئنا له مسرعين حتى نتمكن من صيد بقية الحبارى فترك الحبارى التي كان قد صادها بعد ان أخافته السيارة، وفجأة يرى بقية الحبارى وينقض على واحدة أخرى فنأتيه مسرعين ويتركها صريعة ويذهب للثالثة، في هذه الأثناء كان «سعد» أحد رفاقنا قد أطلق طيره على احدى الحبارى الباقية في اتجاه آخر فذهب طيره الذي كان يسميه «إرهاب» ولا أدري لماذا هذه التسمية؟ المهم اقتربنا بهدوء من «زنتان» وبين يديه الحبارى الثالثة التي صادها وبعد أن اقتربت منه بهدوء حتى أتمكن منه فإذا به يلتفت فجأة ويلمح الصقر الآخر وهو يطارد احدى الحبارى الأولى. بعد ذلك اكتشفنا أن زنتان يجيد «الطلع» وهو رؤية الحبارى عن بُعد وهذه ميزة مهمة لا تتوافر في كل الصقور، ولم أسمع عن ميزة للصقور لم يجدها زنتان من سرعة شجاعة، حدّة بصر، هدوء وشراهة في الصيد.. وداعا زنتان فقد مات في القرناس الصيفي، سوف يعوّضني الله مثله إن شاء الله.
بقي أن أقول ان مراهنتي على الصقور وإن نجحت مرة فقد تفشل كثيراً، ولكن مراهنتي على الرجال هي ما أعتز به.
شكراً لرفاقي طلال، طليحان، منيف، مفلح، منصور، سعد، الحج وعبدالرحيم، فقد تذكرت لكم ما لعلكم تذكرونني به من الوفاء.
http://www.al-jazirah.com/
* الرياض - عبدالكريم الدريبي:
طالت أيادي الغدر الشاعر طلال الرشيد «41» عاماً، عندما كان يمارس هوايته التي عشقها حتى الثمالة، حيث فجع المجتمع العربي بسيناريو مقتله على أرض الجزائر.
وكشفت الحادثة عن مدى الشعبية التي يتمتع بها بين أوساط المجتمع السعودي حتى الذين لم يعرفوه ولم يسبق أن التقوا به مما يثبت مدى أصالة وانسانية هذا المجتمع الذي قل أن يماثله أي شعب على البسيطة.
الفقيد الذي أكذ ذهابه للجزائر قبل عشرين عاماً كان قد كتب مقالاً في مجلته البواسل في عدد شهر يونيو الفائت تحدث فيه عن رحلة المقناص العام الماضي في الجزائر وقصة صقره زنتان.. وتعيد نشره «شواطئ» تقديراً للراحل الكبير:
كنت مع بعض رفاقي وأقاربي - منذ حوالي عشرين سنة - نقضي في رحلات الصيد حوالي الشهرين سنوياً في فصل الشتاء، في العديد من الدول حتى استقر بنا الحال في دول شمال أفريقيا الجزائر وليبيا، وفي كل رحلة نعيش الحياة الفطرية كأهلنا القدامى فتحدث لنا النوادر وغرائب القصص وفضائل الرجال فنستفيد ونفيد.
والصقر هو العشق الأصيل وأرى في حبه حُباً للرجال بشكل آخر ومن هنا تأتي تسميتنا للصقر بكل شهم نعرفه أو نذكر تاريخه ومواقفه.
وقد كان لي صديق من شيوخ قبيلة الزنتان وهي قبيلة عربية تسكن ليبيا والجزائر وصديقي هذا رغم كبر سنةوقدره إلا أنه يحمل في داخله روح الشباب، وفي تلك السنة كان معي طير «صقر» بدأت قصته غريبة فلا عجب أن تنتهي غريبة فقد اشتريته وأنا في طريقي لرحلة الصيد، والصقر المتوحش يحتاج على أقل تقدير من 15 الى 20 يوما لترويضه، فكيف سنستطيع ترويضه ونحن مشغولون بالصيد وتعليم الصقور الأخرى، والصقر «الوحش» يحتاج ملازمة في هذه المرحلة من صقّاره، ومن هنا أصر كل من معي على ألا اشتري هذا الصقر الذي أعجبني أنا فقط ولم يشاركني اعجابي به أي من رفاقي وهم خير من يعرف الصقر ومواصفاته الجمالية.. والحقيقة لم ألمهم لعدم انجذابهم له فأوصافه لم تكن فاتنة بما يبرر شراءه بعد فوات الآوان إلا أنني رأيت فيه خصوصية تُحس ولا تُرى، وهذا الشعور نادرا ما ينتابني وأنا التقي رجلا أو صقرا لأول مرة.. المهم اشتريت هذا الصقر، الداكن اللون، وافي الأطراف، حاد النظرة، بثمن قليل مقارنة بأسعار الصقور الأخرى.. وبدأت معاناتنا أو بالأحرى معاناتي أنا وحدي معه لأنه كان رهاني الشخصي.. وصلنا الى أرض المقناص بعد مسيرة أربعة أيام وكان في استقبالنا صاحبي البدوي «الزنتاني» فاستعرضنا كل صقورنا في تلك الليلة وأنا أشرح له قصة كل صقر وكيف ومن أين جاءنا ولاحظ اهتمامي بالصقر الذي اشتريته مؤخراً وشارك باقي رفاقي رأيهم في أن الطير لا يستحق هذا الاهتمام، فزاد عندي التحدي وأبلغت صديقي «الزنتاني» أنني سأسمي صقري هذا «زنتان» تيمناً باسم قبيلته الأصيلة، فسكت.
مرّت الأيام والليالي ولا يزال زنتان لم يتعلم أي شيء ولم يألف البشر إلا أنه لم يكن شرساً أو قاسي الطبع بل كان هادئاً على غير عادة الطيور المتوحشة حتى إنني بدأت أشك أنه قد لا يستطيع الطيران لأنه يبدي هدوءاً غريباً، وفي اليوم الثاني عشر لم يستجب «زنتان» لتدريبي له على ان يأتي لعلفه على يدي وعلى بعد متر واحد فقط.
في المساء قررت أن أراهن مراهنة غريبة غداً، سأعلمه الصيد مباشرة دون تعليمه التآلف معي وهذه سابقة أظن أنها لم تحدث حسب ما أعرفه مع أحد في هذه الهواية من قبل.. وفي الصباح أخذت احدى الحبارى» من طير كان قد صادها استطعنا اخراجها سليمة فأتيت بسلك رفيع وقوي وربطت طرفه في احدى رجلي الحبارى وطرفه الآخر في احدى كفي «زنتان» وتركت الحبارى تطير وخلعت عن زنتان برقعه فما ان رآها حتى انتهض كأنه يبيت لها ثأراً وتعلم زنتان صيد الحباري إلا أنه لا يزال غير أليف مما يضطرني ان آتيه على أقل من مهل وبحذر شديد على صيدته، وكانت المراهنة خطيرة حيث إنه لو لم يستطع صيد فريسته فليس هناك أي طريقة يعرفها أو تدرب عليها ليعود، فكنت أعيش طوال المدة هدده على أعصابي.. إلا أنه وفي نادرة أعتز بها كثيرا لم يخسر أي صيد أطلقته اليه.. حتى إنه في مرة طلب مني خالي طلال السبهان وكان تنافسنا على عدد الصيد على أشده، طلب أن يشاهد هدد زنتان بعد ان سمع حديثنا عنه فنادانا بعد ان وجد جول «حبارى» مجموعة من الحبارى عدده ست بالقرب من المخيم فجئناه على عجل وكانت الحبارى تتدارج في روض أخضر - كأني أنظر لها الآن - فأخذت عن زنتان برقعه فأقدم على احدى الحبارى وصادها وجئنا له مسرعين حتى نتمكن من صيد بقية الحبارى فترك الحبارى التي كان قد صادها بعد ان أخافته السيارة، وفجأة يرى بقية الحبارى وينقض على واحدة أخرى فنأتيه مسرعين ويتركها صريعة ويذهب للثالثة، في هذه الأثناء كان «سعد» أحد رفاقنا قد أطلق طيره على احدى الحبارى الباقية في اتجاه آخر فذهب طيره الذي كان يسميه «إرهاب» ولا أدري لماذا هذه التسمية؟ المهم اقتربنا بهدوء من «زنتان» وبين يديه الحبارى الثالثة التي صادها وبعد أن اقتربت منه بهدوء حتى أتمكن منه فإذا به يلتفت فجأة ويلمح الصقر الآخر وهو يطارد احدى الحبارى الأولى. بعد ذلك اكتشفنا أن زنتان يجيد «الطلع» وهو رؤية الحبارى عن بُعد وهذه ميزة مهمة لا تتوافر في كل الصقور، ولم أسمع عن ميزة للصقور لم يجدها زنتان من سرعة شجاعة، حدّة بصر، هدوء وشراهة في الصيد.. وداعا زنتان فقد مات في القرناس الصيفي، سوف يعوّضني الله مثله إن شاء الله.
بقي أن أقول ان مراهنتي على الصقور وإن نجحت مرة فقد تفشل كثيراً، ولكن مراهنتي على الرجال هي ما أعتز به.
شكراً لرفاقي طلال، طليحان، منيف، مفلح، منصور، سعد، الحج وعبدالرحيم، فقد تذكرت لكم ما لعلكم تذكرونني به من الوفاء.
http://www.al-jazirah.com/