غريب شمَّر
16-09-2003, 17:58
أختم لكم أخوتي وأخواتي الأعضاء النقل عن القاضي الفاضل الذي ثبّت به صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى يوم أن تباعدت بهم الديار ، فالقاضي الفاضل بمصر ، و ذاك مرابط على أسوار عكا رحمهما الله تعالى ، وتمام النص هذا يفهم منه كيف كانت راية الجهاد صافية و مفاهيمه واضحة ظاهرة متوافقة مع أحكام الشرع المطهر ، فكان مما قاله له :
(( ولا بد أن تنفذ مشيئة الله في خلقه ، لا رادَّ لحكمه ، فلا يتسخط مولانا بشيء من قدره ، فلأن يجري القضاء وهو راض مأجور خير من أن يجري وهو ساخط موزور ، من شكا بثه وحزنه إلى الله شكا إلى مشتكى و استغاث بقادر ، ومن دعا ربه خفياً استجاب له استجابة ظاهرة ، فلتكن شكوى مولانا إلى الله خفية عنا ، ولا يقطع الظهور التي لا تشد إلا به ، ولا يُضيّق صدوراً لا تنفرج إلا منه ، وما شرد الكرى ، و أطال على الأفكار ليل السُّرى إلا ضائقة القوت بعكا ، ولم يبق إلا ضعف نعم المعين عليه ترويح النفس و إعفاؤها من الفكر ، فقد علم مولانا بالمباشرة أنه لا يُدبر الدهر إلا برب الدهر ، ولا ينفذ الأمر إلا بصاحب الأمر ، وأنه لا يقلّ الهم إن كثر الفكر .
قد قلت للرجل المقسَّم أمرُه **** فوض إليه تنم قرير العين
وكل مقترح يجاب إليه إلا ثغراً يصير نصرانياً بعد أن أسلم ، أو بلداً يخرس فيه المنبر بعد أن تكلم ، يا مولانا : هذه الليالي التي رابطت فيها والناس كارهون ، وسهرت فيها والعيون هاجعة ، و هذه الأيام التي ينادي فيها : ياخيل الله اركبي ، وهذه الساعات التي تزرع الشيب في الرؤوس هي نعمة الله عليك ، و غراسك في الجنة : (( يوم تجدُ كل نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً )) ، وهي مُجَوِّزاتك على الصراط ، وهي مثقلات الميزان ، و هي درجات الرضوان ، فاشكر الله عليها كما تشكره على الفتوحات الجليلة ، و اعلم أن مثوبة الصبر فوق مثوبة الشكر .
من ربط جأش أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله : (( لو كان الصبر و الشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت )) ، و بهذه العزائم سبقونا و تركونا لا نطمع في اللحاق بالغبار ، و امتدت خطاهم و نعوذ بالله من العثار ، ما استعمل الله في القيام بالحق إلا خير الخلق ، وقد عرف ما جرى في سير الأولين ، وفي أنباء النبيين ، و أن الله تعالى حرض نبيه صلى الله عليه وسلم على أن يهتدي بهداهم ، و يسلك سبيلهم ، ويقتدي بأولي العزم منهم .
و ما ابتلى الله سبحانه من عباده إلا مَن يعلم أنه يصبر ، و أمور الدنيا ينسخ بعضها بعضاً و كأنَّ ما قد كان لم يكن ، و يذهب التعب ويبقى الأجر ، وإنما يقظات العين كالحلم ، و أهم الوصايا أن لا يحمل المولى هماً يضعف جسمه ، ويضر مزاجه ، و الأمَّه بنيان وهو - أبقاه الله تعالى - قاعدته ، والله يثبت تلك القاعدة القائمة في نصرة الحق .
و مما يستحسن من وصايا الفرس : (( إن نزل بك مافيه حيلة فلا تعجز ، و إن نزل بك ماليس لك فيه حيلة - والعياذ بالله - فلا تجزع )) ، ورب واقع في أمر لو اشتغل عن حمل الهم به بالتدبير فيه مع مقدور الله لانصرف همه ، و ما تشاؤون إلا أن يشاء الله .
هذا سلطان هو - بحول الله - أوثق منه بسلطانه ، قاتلت الملوك بطمعها و قاتل هذا بإيمانه ، و إذا نظر الله إلى قلب مولانا لم يجد فيه ثقة بغيره ، ولا تعويلاً على قوة إلا على قوته فهنالك الفرج ميعاده ، واللطف ميقاته ، فلا يقنط من روح الله ، ولا يقل متى نصر الله ، وليصبر فإنما خلق للصبر ، بل ليشكر فالشكر في موضع الصبر أعلى درجات الشكر ، وليقل لمن ابتلَى : أنت المعافي ، و ليرض عن الله سبحانه فإن الراضي عن الله هو المسلم الراضي )) .
وكتب السلطان إلى القاضي الفاضل كتاباً من بلاد الفرنج يخبره عما لاح له من أمارات النصر و يقول : ما أخاف إلا من ذنوبنا أن يأخذنا الله بها.
فكتب إليه الفاضل :(( فأما قول المولى : إننا نخاف أن نؤخذ بذنوبنا ، فالذنوب كانت مثبته قبل هذا المقام وفيه محيت ، و الآثام كانت مكتوبة ثم عفي عنها بهذه الساعات وعَفيت ، فيكفي مستغفراً لسان السيف الأحمر في الجهاد ، ويكفي قارعاً لأبواب الجنة صوت مقارعة الأضداد ، ولعَين الله موقفك ، وفي سبيل الله مقامك و منصرفك ، و طوبى لقدم سعت في منهاجك ، و طوبى لنفس بين يديك قَتلت و قُتلت ، و إن الخواطر تشكر الله فيك و عن شكرها لك قد شُغلت )).
(( ولا بد أن تنفذ مشيئة الله في خلقه ، لا رادَّ لحكمه ، فلا يتسخط مولانا بشيء من قدره ، فلأن يجري القضاء وهو راض مأجور خير من أن يجري وهو ساخط موزور ، من شكا بثه وحزنه إلى الله شكا إلى مشتكى و استغاث بقادر ، ومن دعا ربه خفياً استجاب له استجابة ظاهرة ، فلتكن شكوى مولانا إلى الله خفية عنا ، ولا يقطع الظهور التي لا تشد إلا به ، ولا يُضيّق صدوراً لا تنفرج إلا منه ، وما شرد الكرى ، و أطال على الأفكار ليل السُّرى إلا ضائقة القوت بعكا ، ولم يبق إلا ضعف نعم المعين عليه ترويح النفس و إعفاؤها من الفكر ، فقد علم مولانا بالمباشرة أنه لا يُدبر الدهر إلا برب الدهر ، ولا ينفذ الأمر إلا بصاحب الأمر ، وأنه لا يقلّ الهم إن كثر الفكر .
قد قلت للرجل المقسَّم أمرُه **** فوض إليه تنم قرير العين
وكل مقترح يجاب إليه إلا ثغراً يصير نصرانياً بعد أن أسلم ، أو بلداً يخرس فيه المنبر بعد أن تكلم ، يا مولانا : هذه الليالي التي رابطت فيها والناس كارهون ، وسهرت فيها والعيون هاجعة ، و هذه الأيام التي ينادي فيها : ياخيل الله اركبي ، وهذه الساعات التي تزرع الشيب في الرؤوس هي نعمة الله عليك ، و غراسك في الجنة : (( يوم تجدُ كل نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً )) ، وهي مُجَوِّزاتك على الصراط ، وهي مثقلات الميزان ، و هي درجات الرضوان ، فاشكر الله عليها كما تشكره على الفتوحات الجليلة ، و اعلم أن مثوبة الصبر فوق مثوبة الشكر .
من ربط جأش أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله : (( لو كان الصبر و الشكر بعيرين ما باليت أيهما ركبت )) ، و بهذه العزائم سبقونا و تركونا لا نطمع في اللحاق بالغبار ، و امتدت خطاهم و نعوذ بالله من العثار ، ما استعمل الله في القيام بالحق إلا خير الخلق ، وقد عرف ما جرى في سير الأولين ، وفي أنباء النبيين ، و أن الله تعالى حرض نبيه صلى الله عليه وسلم على أن يهتدي بهداهم ، و يسلك سبيلهم ، ويقتدي بأولي العزم منهم .
و ما ابتلى الله سبحانه من عباده إلا مَن يعلم أنه يصبر ، و أمور الدنيا ينسخ بعضها بعضاً و كأنَّ ما قد كان لم يكن ، و يذهب التعب ويبقى الأجر ، وإنما يقظات العين كالحلم ، و أهم الوصايا أن لا يحمل المولى هماً يضعف جسمه ، ويضر مزاجه ، و الأمَّه بنيان وهو - أبقاه الله تعالى - قاعدته ، والله يثبت تلك القاعدة القائمة في نصرة الحق .
و مما يستحسن من وصايا الفرس : (( إن نزل بك مافيه حيلة فلا تعجز ، و إن نزل بك ماليس لك فيه حيلة - والعياذ بالله - فلا تجزع )) ، ورب واقع في أمر لو اشتغل عن حمل الهم به بالتدبير فيه مع مقدور الله لانصرف همه ، و ما تشاؤون إلا أن يشاء الله .
هذا سلطان هو - بحول الله - أوثق منه بسلطانه ، قاتلت الملوك بطمعها و قاتل هذا بإيمانه ، و إذا نظر الله إلى قلب مولانا لم يجد فيه ثقة بغيره ، ولا تعويلاً على قوة إلا على قوته فهنالك الفرج ميعاده ، واللطف ميقاته ، فلا يقنط من روح الله ، ولا يقل متى نصر الله ، وليصبر فإنما خلق للصبر ، بل ليشكر فالشكر في موضع الصبر أعلى درجات الشكر ، وليقل لمن ابتلَى : أنت المعافي ، و ليرض عن الله سبحانه فإن الراضي عن الله هو المسلم الراضي )) .
وكتب السلطان إلى القاضي الفاضل كتاباً من بلاد الفرنج يخبره عما لاح له من أمارات النصر و يقول : ما أخاف إلا من ذنوبنا أن يأخذنا الله بها.
فكتب إليه الفاضل :(( فأما قول المولى : إننا نخاف أن نؤخذ بذنوبنا ، فالذنوب كانت مثبته قبل هذا المقام وفيه محيت ، و الآثام كانت مكتوبة ثم عفي عنها بهذه الساعات وعَفيت ، فيكفي مستغفراً لسان السيف الأحمر في الجهاد ، ويكفي قارعاً لأبواب الجنة صوت مقارعة الأضداد ، ولعَين الله موقفك ، وفي سبيل الله مقامك و منصرفك ، و طوبى لقدم سعت في منهاجك ، و طوبى لنفس بين يديك قَتلت و قُتلت ، و إن الخواطر تشكر الله فيك و عن شكرها لك قد شُغلت )).