الاصمعي
15-09-2003, 22:11
نعوم تشومسكي :السياسة الأميركية تمضي بالعالم نحو حرب نووية
في اطار «ملتقى امستردام»، البرنامج الحواري الذي يبثه راديو هولندا، توالت الاسئلة التي طرحت على المفكر والكاتب نعوم تشومسكي الذي وصفته صحيفة «نيويورك تايمز» بانه ربما كان اهم مثقف على قيد الحياة، وفي معرض الرد مضى تشومسكي ينتقد بشكل صريح السياسة الخارجية للولايات المتحدة ويشدد على ان بلاده تحاول بعد ان وضعت الحرب في العراق اوزارها السيطرة على العالم عن طريق القوة، ويحذر من ان هذه السياسة ستؤدي الى انتشار اسلحة الدمار الشامل والهجمات القائمة على الحقد على الادارة الاميركية.
ومن خلال الاسئلة التي يطرحها مستمعو الراديو الهولندي وردود تشومسكي تبرز ملامح الصورة التالية:
ـ السؤال الاول من نوربرتو سيلفا من جزر كابو فيردي ومفاده: هل يمكن للولايات المتحدة والرئيس بوش المضي بالعالم الى حرب نووية بسياستهما الخاصة بالهجمات الاستباقية؟
ـ بلا ريب، لكن قبل اي شيء لابد من الحديث بشكل واضح، فالامر لا يتعلق بسياسة هجمات استباقية حيث ان هذه الاستباقية في هذا السياق لها معنى في القانون الدولي، ان هجوما استباقيا هو ذلك العمل الذي يتم اللجوء اليه في حالة التهديد الداهم، على سبيل المثال، اذا كانت هناك طائرات تحلق فوق المحيط الاطلسي لقصف نيويورك.
فسيكون امرا مشروعا ان تقوم القوات الجوية للولايات المتحدة بإسقاطها، وهذا يمكن ان يشكل هجوما استباقيا يسمى احيانا حربا وقائية اما المسألة التي نحن بصددها فهي تتعلق بعقيدة جديدة اعلن عنها في اطار استراتيجية الامن القومي الاميركي التي تنادي صراحة بحق الهجوم امام اي تحد كامن للسيطرة العالمية للولايات المتحدة،حيث من الواضح ان القوة الكامنة لهذه السياسة هي ذاتية وتعطي بذلك عمليا اذنا بمهاجمة اي احد على الاطلاق، وهل يمكن لهذا ان يؤدي بنا الي حرب نووية؟ نعم، بلا ادنى شك.
ولقد كنا قريبين جدا من هذا الوضع في الماضي، ففي شهر اكتوبر الماضي تحديدا تم الكشف على سبيل المثال، امام صدمة الذين ابدوا اهتماما بالامر انه اثناء ازمة الصواريخ الكوبية عام 1962 وقف العالم فعليا على حافة حرب نووية، ربما كانت ستكون الحرب الاخيرة لو انها وقعت.بعض الغواصات الروسية المزودة بأسلحة نووية وجدت نفسها مهاجمة من قبل مدمرات اميركية، وبعض القيادات اعتقدت ان الحرب النووية قد اندلعت، واعطت الاوامر بإطلاق صواريخ نووية، لكن احد الضباط الاميركيين رفض تنفيذ الامر، وبفضله فإن بمقدورنا ان نتحدث هنا، ولقد كانت هناك حالات مماثلة كثيرة منذ ذلك الحين.
ـ هل هذا يعني اننا نمر بوضع اكثر خطورة الان مع هذه العقيدة العسكرية الاستباقية.
ـ هذا من نافل القول، فعقيدة الحرب الاستباقية عمليا دعوة لان تطور الاهداف الممكنة نوعا من القوة الرادعة، حيث لايوجد سوى نوعين من القوى الرادعة، واحدة هي اسلحة الدمار الشامل والثانية هي «الارهاب» على مستوى كبير، ولقد اشار الى هذا الجانب مرارا وتكرارا المحللون الاستراتيجيون والاجهزة الاستخبارية.. الخ، وطبعا يزداد خطر خروج شيء ما عن السيطرة.
ـ هناك سؤال من فون رودس من استراليا مفاده: لا اعتقد ان الولايات المتحدة تريد السيطرة على العالم، فلقد هوجم الاميركيون من عدة جبهات وهجمات الحادي عشر من سبتمبر ليست الا تحركا على احدى هذه الجبهات، ولابد لاحد من وضع حد للدول المارقة والولايات المتحدة وحدها لديها القدرة على فعل ذلك، وبدون «شرطة العالم» تلك، يمكن للعالم ان يتفكك الى زمر متحاربة، وهناك عدة امثلة في التاريخ، كيف يبدو هذا النوع من التأكيد؟
ـ الجملة الاولى ليست صحيحة عمليا، ذلك ان استراتيجية الأمن القومي تعلن بشكل واضح للغاية ان الولايات المتحدة تنوي السيطرة على العالم بالقوة، التي هي البعد الذي تمارس من خلاله القيادة العليا والتأكد من انه لن يظهر ابدا اي تحد لتلك السيطرة.
وهذا لم يتم فقط الاعلان عنه بشكل واضح، بل انه ذكر مرارا وتكرارا ايضا في صفوف النخبة القائدة، وكانت مجلة «فوريغن افيرز» قد حذرت من ان الولايات المتحدة اعلنت حقها بالسيطرة على العالم، حسب ما تقتضيه مصالحها، من الممكن ان الشخص الذي طرح هذا السؤال يعتقد ان الولايات المتحدة لديها بعض الحق الاستثنائي لقيادة العالم بالقوة.
اما انا فلا اعتقد ذلك وعلى عكس ما قيل فإنني لا اعتقد ان التاريخ يؤكد ذلك لا من قريب ولا من بعيد. وعملياً فإن الملف التاريخي الاميركي، المدعوم من استراليا، ومنذ فترة سيطرته على العالم في سنوات الاربعينيات هو ملف تاريخي حافل بالحث على الحرب والعنف والارهاب على مستويات معتبرة للغاية.
فلقد كانت حرب الهند الصينية على سبيل المثال التي شاركت فيها استراليا حرباً عدوانية من حيث المبدأ. الولايات المتحدة هاجمت فيتنام عام 1962. وامتدت الحرب لاحقاً الى الهند الصينية وكانت النتيجة النهائية موت عدة ملايين من الاشخاص وتدمير تلك البلدان وهذا مجرد مثال واحد ليس الا.
ـ سؤال من نويل كولامير من واشنطن مفاده ما يلي «يقول نعوم: «تنوي ادارة بوش السيطرة على العالم بالقوة وهو البعد الذي تمارس من خلاله السلطة العليا وجعلها بصورة دائمة»، سؤالي هو اذا لم نتصرف نحن الذين نستطيع عن طريق القوة ضد الطغاة، فما الذي يقترحه تشومسكي اذن؟ ان يلجأ السكان الذين يعاملون بوحشية الى مقاومة غير عنيفة لطغاتهم على الرغم من ان هذا يؤدي الى ابادتهم؟
ـ قبل اي شيء، لست انا من يقول ذلك، بل ادارة بوش نفسها.وانا اكرر فقط ما يعلن عنه بشكل بالغ الوضوح ولا احد يناقشه. وكما كنت قد اشرت، لقد كتب حول ذلك وبالكلمات نفسها مبدئياً في عدد «فورين افيرز» الذي صدر بعد الاعلان مباشرة. اما فيما يتعلق بالبلدان التي تعاني في ظل انظمة مستبدة، فسيكون ايجابياً ان يساعدها ويدعمها احد.
ولنأخذ مثالاً الادارة الاميركية الحالية. هم انفسهم (لا ننسى ان غالبيتهم تتألف من ريغانيين متمرسين) دعموا سلسلة من الطغاة الذين اخضعوا شعوبهم لأنظمة مستبدة فاسدة، مثل صدام حسين وتشاوشسكو وسوهارتو وماركوس ودوفالييه.
القائمة طويلة. لكن الاسلوب الامثل لحل المشكلة من الممكن ان يكمن اولاً في التخلي عن مساندة مثل هذه الانظمة التي غالباً ما تمت الاطاحة بها على يد شعوبها نفسها، وذلك على الرغم من مساندة الولايات المتحدة لها.
لقد كان تشاوشسكو، على سبيل المثال، طاغية يمكن مقارنته تماماً مع صدام حسين ومع ذلك هزم عام 1989 على يد شعبه نفسه بينما كان مدعوماً من قبل من يحكمون الان في واشنطن. والناس الذين يواجهون بالمقاومة القمع والعنف، لابد لنا من ايجاد وسيلة ندعمهم من خلالها والطريق الابسط يتمثل في التوقف عن دعم الطغاة.
وبقول ذلك، تظهر قضايا معقدة، حيث لا يوجد يقين على حد علمي بأن تدخل الولايات المتحدة ولا اي بلد اخر (الامثلة محدودة) من اجل محاولة تجنب القمع والعنف. فهذا لا يحدث الا في مناسبات معدودة.
ـ حسناً، لدينا سؤال اخر من ه. ب فيلتن من نيو جيرسي مؤداه «لماذا لا توجد اشكالية اخرى حول دوافع بوش في وسائل الاعلام الاميركية؟
ـ في واقع الامر ثمة اشكالية كبيرة. شيء يستدعي الكثير من الفضول حول الحرب العراقية واستراتيجية الامن القومي، انه الاطار الذي استلهمه، ذلك انها كانت محط انتقاد شديد تحديدا في نواة نخبة السياسة الخارجية حيث ظهرت انتقادات لاذعة من اهم اصدارين في ميدان الشئون الخارجية، وهما مجلتا «فورين افيرز» و«فورين بوليسى».
اما الاكاديمية الاميركية للفنون والعلوم التي نادراً ما تعلق على مسائل اشكالية راهنة، فلقد نشرت بحثاً ذا موضوع واحد ادانت فيه تلك السياسة. وهناك كذلك كل انواع المقالات.
والنقاش معكوس بشكل جزئي في وسائل الاعلام لكن ليس كثيراً، لأنه يجب التذكير بأن وسائل الاعلام تميل الى دعم السلطة لاسباب شتى.
ـ هناك سؤال اخر مفاده: على مدار التاريخ، حاولت بعض الامم السيطرة على العالم دائماً، احدثها المانيا واليابان وروسيا، واذا كانت الولايات المتحدة هي الان الطامح الاخير للغزو، فإن علينا اعتبار ذلك من حسن طالعنا. فالولايات المتحدة تقوم بالعمل من اجل كل الانسانية. وما يجري هو انه لا بوش ولا الحكومة الاميركية يقصدان السيطرة.
انت تنسى ان الولايات المتحدة لديها دستور وانها على خلاف ستالين وهتلر طغاة اخرين، على بوش ان يقدم نفسه لاعادة الانتخاب والمقترعون الاميركيون ليسوا اغبياء ولا هم مقموعون او فزعون. ذلك ان التصويت سري». هل تعتقد ان المسئولية الانتخابية سوف تكبح جماح حكومة الولايات المتحدة كما يرى هذا المستمع؟
ـ الشيء الأول في كل ذلك هو ان ذلك الاسلوب لسرد التاريخ مشبع بالأوهام، لكن اذا نحينا هذا جانباً، فإن مسألة ان يكون لدى بلد ما دستور وان يكون ديمقراطياً داخل حدوده، لا تعني عدم ممارسة العنف والعدوان في الخارج. ثمة تاريخ طويل بهذا الخصوص. اذ ربما كانت انجلترا، مثلاً، في القرن التاسع عشر البلد الاكثر حرية في العالم، لكنها كانت تمارس فظاعات رهيبة في انحاء كثيرة من الكرة الارضية وحالة الولايات المتحدة مماثلة.
والسوابق تعود الى الماضي البعيد حيث كانت الولايات المتحدة بلداً ديمقراطياً على سبيل المثال عندما غزت الفلبين قبل قرن من الزمان وقتلت مئات الاف الاشخاص وضربت البلاد. كذلك كانت بلداً ديمقراطياً في سنوات الثمانينيات عندما شن حكام واشنطن في ذلك الحين حرباً ارهابية مدمرة في نيكاراغوا خلفت وراءها عشرات آلاف القتلى وبلداً مدمراً عملياً، بالمناسبة ادانت المحكمة الدولية ومجلس الامن الدولي هذا الهجوم بشكل رسمي. ومع ذلك صعد حكام واشنطن هجومهم وهكذا تمضي الامور.
فيما يتعلق بالانتخابات الديمقراطية، نعم هناك انتخابات والجمهوريون شرحوا بشكل واضح جداً كيف ينوون تجاوز مسألة ان غالبية السكان تظهر معارضة قوية جداً لسياستهم. فهم يحاولون تجاوز ذلك بحسب البلاد الى الخوف والذعر بطريقة تجعل الناس تتجمع تحت مظلة شخصية قوية طلباً للحماية.
وعملياً شاهدنا ذلك يحدث في سبتمبر الماضي عندما اعلنت استراتيجية الأمن القومي وبدأوا باعادة دق طبول الدعاية الحربية حيث كان هناك دعاية غير مباشرة مشهدية للغاية من جانب الحكومة وتمكنت من اقناع غالبية السكان بأن صدام حسين كان يمثل تهديداً وشيكاً بالنسبة لأمن الولايات المتحدة. لكن احداً اخر لم يؤمن بذلك، حتى في البلاد التي كان صدام فيها محل ازدراء وينظر اليه على انه تهديد. لقد ادركوا انه اضعف بلد في المنطقة.
كما تمكنت هذه الحملة الدعائية من اقناع غالبية السكان ربما بأن صدام حسين كان يقف وراء الحادي عشر من سبتمبر، وبأنه حث عليه ونفذه، وانه كان يخطط لشن هجمات اخرى. مع انه لا يتوفر دليل على ذلك ايضاً ولا يوجد لاجهاز مخابرات ولا محلل امني في العالم قاطبة يعتقد بذلك.
ـ اذن اين هي المعارضة السياسية في الولايات المتحدة؟ الديمقراطيون؟ لماذا لا يحاولون دق اسفين في المعسكر الجمهوري؟ من الواضح وجود حركة قوية من اجل السلام حيث نشاهد مئات الاشخاص في الشوارع الاميركية الذين يعارضون العمل العسكري.
أين هي الآن المعارضة السياسية في الولايات المتحدة؟
ـ ان المعارضة السياسية للجمهوريين فاترة جداً، اذ انها بشكل تقليدي قلما تناقش شئون السياسة الخارجية، وهذا يعترف به حتى التيار الرئيسي، والشخصيات السياسية ترفض ان يوجه لها اصبح الاتهام بأنها تسعى الى تدمير الولايات المتحدة ومساندة اعدائها وإثارة كثير من الضجيج حول الاوهام والنزوات، فالسياسيون لا يرغبون بتعريض انفسهم الى ذلك والنتيجة هي ان اقترع عدد كبير من السكان بالكاد لديه تمثيل والجمهوريون يعترفون بذلك.
فلقد اوضح كارل روف المسئول عن الحملة الانتخابية الجمهورية قبل الانتخابات الاخيرة عام 2002 انه كان على الجمهوريين محاولة تركيز الانتخابات على الموضوع الامني، لانهم اذا تصدوا لموضوعات سياسية داخلية فمن الممكن ان تكون الهزيمة حليفتهم. هكذا اذن قاموا بإدخال الهلع الى قلوب الناس للحصول على طاعتهم، ولقد اعلنوا كذلك انهم سيضطرون الى فعل الشيء نفسه في انتخابات عام 2004، سوف يتعين عليهم تقديم الحملة تحت شعار «اقترعوا لرئيس حرب يحميكم من الدمار».
ولاشك بأنهم يجرون التدريبات على سيناريو يأتي من سنوات الثمانينيات عندما كانوا في السلطة لأول مرة «السياسيون ذاتهم تقريباً». فاذا دققنا قليلاً فسنجد ان السياسات التي طبقوها كانت غير شعبية وبعض الناس عارضوا لكنهم لم يتخلوا عن الضغط على زر الهلع ولقد جنوا ثمار تلك السياسة.
ـ هل تعتقد بوجود نقطة يمكن عندها تبرير القوة. لقد سمعنا الكثير من البراهين حول الحرب في العراق، مثل انه كان يمثل الشر الاصغر، التاريخ الحديث للعراق كان معروفاً جيداً، لكن الآن كانت اللحظة التي يجب فعل شيء فيها من اجل التخلص من صدام حسين، اذ ان الكثير من العراقيين انفسهم داخل البلاد بدا انهم يدعمون هذا الطرح؟
ـ أولاً نحن لا نعرف ان العراقيين كانوا يطلبون ان يتم اجتياح بلادهم لكن ذلك كان الهدف وإلا لماذا كل تلك الاكاذيب؟ ما تقوله هو ان توني بلير وجورج بوش وكولن باول والبقية هم مدعون متعصبون كانوا يتظاهرون حتى اللحظة الاخيرة بأن الهدف كان التخلص من اسلحة الدمار الشامل.
واذا كان الهدف تحرير الشعب العراقي. لماذا لم يقل ذلك على هذا النحو؟ لماذا الاكاذيب؟
ـ الرئيس بوش قال ذلك في الاسابيع الاخيرة التي سبقت الحرب حين بدأ الحديث عن حرب تحريرية.
ـ في اللحظة الاخيرة، في قمة الازور قال انه حتى لو ترك صدام حسين وشركاؤه العراق، فإن الولايات المتحدة كانت ستجتاحه في جميع الاحوال، بمعنى آخر ارادت الولايات المتحدة السيطرة على ذلك البلد. توجد الآن عملياً قضية خطيرة وراء ذلك ولا تمت بأية صلة بتحرير الشعب العراقي. بوسع المرء ان يتساءل لماذا لم يطح العراقيون بصدام كما فعل الرومانيون مع تشاوشسكو على سبيل المثال؟ ويمكننا اضافة قائمة طويلة من الطروحات.
ـ حسنا ان الامر واضح جيداً. فالغربيون الذين يعرفون العراق على افضل وجه لديهم مئات الباحثين الذي يعملون في كل البلاد التي خبروها بعمق وكانوا قد اشاروا، مثلما فعل آخرون كثر، الى ان الذي كان قد حال دون اي ثورة في العراق كان نظام العقوبات الذي قتل، حسب حسابات معتدلة مئات الألوف من الاشخاص وبذلك عززت هذه العقوبات قوة صدام حسين وجعلت السكان يعتمدون عليه بشكل مطلق للبقاء على قيد الحياة.
وبالتالي إن الخطوة الاولى للسماح للعراقيين تحرير انفسهم بأنفسهم تمثلت في عدم الوقوف في وجه هذه الخطوة والسماح للمجتمع بأن يعيد بناء نفسه كي يتمكن من الاهتمام بشئونه الخاصة.
لو ان هذا باء بالفشل لو ان العراقيين كانوا عاجزين عن فعل ما فعلته شعوب اخرى في ظل سيطرة طغاة آخرين، في تلك النقطة كان ممكناً طرح قضية استخدام القوة، لكن بدون اعطاء العراقيين فرصة على الاقل لا نستطيع طرح ذلك السؤال جدياً وعملياً لم تطرحه لا بريطانيا العظمى ولا الولايات المتحدة اثناء الاعداد للحرب. فمركز القضية كان اسلحة الدمار الشامل راجع الاحداث.
ـ لماذا يعارض تشومسكي الى هذا الحد نشر الديمقراطية والتحرر لغالبية شعوب العالم بواسطة الولايات المتحدة اذا كان ذلك ضرورياً ذلك ان الاتحاد الاوروبي كان قد تخلى عن معارضة الانظمة الاستبدادية؟ وما هي السبل التي يقترحها للخروج من هذا النفق؟
ـ انني اقف في صف نشر الديمقراطية في جميع انحاء العالم. لكن احد الاسباب «وهو ملفت للانتباه» هو اني لم اشاهد ابداً حقداً وازدراء حيال الديمقراطية اكثر وضوحاً من الذي عبرت عنه نخبة الولايات المتحدة، فأوروبا مثلاً انقسمت على نفسها بين ما اطلق عليه اوروبا القديمة وأوروبا الجديدة وذلك على اساس الموقف من الحرب على العراق حيث مثلت اوروبا القديمة البلدان التي اتخذت الحكومات فيها موقف الغالبية الساحقة من السكان. وهذا ما يسمى ديمقراطية.
اما اوروبا الجديدة «ايطاليا، اسبانيا، المجر» فلقد تمثلت بالبلدان التي تجاهلت حكوماتها نسبة اكبر من سكانها. فالشعوب في هذه البلدان عارضت الحرب اكثر من شعوب ما يسمى بأوروبا القديمة، لكن الحكومات لم تعر اهتماماً بسكانها «ربما 80 أو 90 بالمئة منها»، واستمرت أوامر واشنطن، وذلك ما يسمونه بالتصرف الجيد. لكن تركيا قدمت المثال الاكثر لفتاً للانتباه.
كانت تركيا هدف هجمات متمادية للمعلقين والنخب الاميركية لان الحكومة اخذت الموقف نفسه الذي اخذته نسبة وصلت الى 95 من السكان. قبل بضعة اسابيع ادان بول وولفويتز الذي يصفونه بممثل الديمقراطية الكبير، الجيش التركي لانه لم يتدخل لاجبار الحكومة على «مساعدة الاميركيين» كما قال هو وذلك بدل ان تعير الاهتمام اللازم لنسبة ال95 بالمئة من شعبها، هذا يثبت احتقاراً وقحاً للديمقراطية والاحداث تؤكده.
وهذا ليس لأن الولايات المتحدة تتفرد بالسوء، فهي كذلك كأية دولة قوية اخرى. لكن دقق في تاريخ المناطق التي تسيطر عليها الولايات المتحدة منذ زمن طويل: اميركا اللاتينية والكاريبي حيث استعدت الولايات المتحدة للتسامح مع الديمقراطية هناك لكن على ان تكون مدافعاً عن ديمقراطية ادارة ريغان اي عن ديمقراطية شاقولية تستمر النخب التقليدية فيها على رأس السلطة مع ملاحظة انها نخب متحالفة مع واشنطن وتقود مجتمعاتها تماماً كما ترغب الولايات المتحدة.
ترجمة: باسل ابو حمدة عن «ربليون» ـ اسبانيا.
منقول
في اطار «ملتقى امستردام»، البرنامج الحواري الذي يبثه راديو هولندا، توالت الاسئلة التي طرحت على المفكر والكاتب نعوم تشومسكي الذي وصفته صحيفة «نيويورك تايمز» بانه ربما كان اهم مثقف على قيد الحياة، وفي معرض الرد مضى تشومسكي ينتقد بشكل صريح السياسة الخارجية للولايات المتحدة ويشدد على ان بلاده تحاول بعد ان وضعت الحرب في العراق اوزارها السيطرة على العالم عن طريق القوة، ويحذر من ان هذه السياسة ستؤدي الى انتشار اسلحة الدمار الشامل والهجمات القائمة على الحقد على الادارة الاميركية.
ومن خلال الاسئلة التي يطرحها مستمعو الراديو الهولندي وردود تشومسكي تبرز ملامح الصورة التالية:
ـ السؤال الاول من نوربرتو سيلفا من جزر كابو فيردي ومفاده: هل يمكن للولايات المتحدة والرئيس بوش المضي بالعالم الى حرب نووية بسياستهما الخاصة بالهجمات الاستباقية؟
ـ بلا ريب، لكن قبل اي شيء لابد من الحديث بشكل واضح، فالامر لا يتعلق بسياسة هجمات استباقية حيث ان هذه الاستباقية في هذا السياق لها معنى في القانون الدولي، ان هجوما استباقيا هو ذلك العمل الذي يتم اللجوء اليه في حالة التهديد الداهم، على سبيل المثال، اذا كانت هناك طائرات تحلق فوق المحيط الاطلسي لقصف نيويورك.
فسيكون امرا مشروعا ان تقوم القوات الجوية للولايات المتحدة بإسقاطها، وهذا يمكن ان يشكل هجوما استباقيا يسمى احيانا حربا وقائية اما المسألة التي نحن بصددها فهي تتعلق بعقيدة جديدة اعلن عنها في اطار استراتيجية الامن القومي الاميركي التي تنادي صراحة بحق الهجوم امام اي تحد كامن للسيطرة العالمية للولايات المتحدة،حيث من الواضح ان القوة الكامنة لهذه السياسة هي ذاتية وتعطي بذلك عمليا اذنا بمهاجمة اي احد على الاطلاق، وهل يمكن لهذا ان يؤدي بنا الي حرب نووية؟ نعم، بلا ادنى شك.
ولقد كنا قريبين جدا من هذا الوضع في الماضي، ففي شهر اكتوبر الماضي تحديدا تم الكشف على سبيل المثال، امام صدمة الذين ابدوا اهتماما بالامر انه اثناء ازمة الصواريخ الكوبية عام 1962 وقف العالم فعليا على حافة حرب نووية، ربما كانت ستكون الحرب الاخيرة لو انها وقعت.بعض الغواصات الروسية المزودة بأسلحة نووية وجدت نفسها مهاجمة من قبل مدمرات اميركية، وبعض القيادات اعتقدت ان الحرب النووية قد اندلعت، واعطت الاوامر بإطلاق صواريخ نووية، لكن احد الضباط الاميركيين رفض تنفيذ الامر، وبفضله فإن بمقدورنا ان نتحدث هنا، ولقد كانت هناك حالات مماثلة كثيرة منذ ذلك الحين.
ـ هل هذا يعني اننا نمر بوضع اكثر خطورة الان مع هذه العقيدة العسكرية الاستباقية.
ـ هذا من نافل القول، فعقيدة الحرب الاستباقية عمليا دعوة لان تطور الاهداف الممكنة نوعا من القوة الرادعة، حيث لايوجد سوى نوعين من القوى الرادعة، واحدة هي اسلحة الدمار الشامل والثانية هي «الارهاب» على مستوى كبير، ولقد اشار الى هذا الجانب مرارا وتكرارا المحللون الاستراتيجيون والاجهزة الاستخبارية.. الخ، وطبعا يزداد خطر خروج شيء ما عن السيطرة.
ـ هناك سؤال من فون رودس من استراليا مفاده: لا اعتقد ان الولايات المتحدة تريد السيطرة على العالم، فلقد هوجم الاميركيون من عدة جبهات وهجمات الحادي عشر من سبتمبر ليست الا تحركا على احدى هذه الجبهات، ولابد لاحد من وضع حد للدول المارقة والولايات المتحدة وحدها لديها القدرة على فعل ذلك، وبدون «شرطة العالم» تلك، يمكن للعالم ان يتفكك الى زمر متحاربة، وهناك عدة امثلة في التاريخ، كيف يبدو هذا النوع من التأكيد؟
ـ الجملة الاولى ليست صحيحة عمليا، ذلك ان استراتيجية الأمن القومي تعلن بشكل واضح للغاية ان الولايات المتحدة تنوي السيطرة على العالم بالقوة، التي هي البعد الذي تمارس من خلاله القيادة العليا والتأكد من انه لن يظهر ابدا اي تحد لتلك السيطرة.
وهذا لم يتم فقط الاعلان عنه بشكل واضح، بل انه ذكر مرارا وتكرارا ايضا في صفوف النخبة القائدة، وكانت مجلة «فوريغن افيرز» قد حذرت من ان الولايات المتحدة اعلنت حقها بالسيطرة على العالم، حسب ما تقتضيه مصالحها، من الممكن ان الشخص الذي طرح هذا السؤال يعتقد ان الولايات المتحدة لديها بعض الحق الاستثنائي لقيادة العالم بالقوة.
اما انا فلا اعتقد ذلك وعلى عكس ما قيل فإنني لا اعتقد ان التاريخ يؤكد ذلك لا من قريب ولا من بعيد. وعملياً فإن الملف التاريخي الاميركي، المدعوم من استراليا، ومنذ فترة سيطرته على العالم في سنوات الاربعينيات هو ملف تاريخي حافل بالحث على الحرب والعنف والارهاب على مستويات معتبرة للغاية.
فلقد كانت حرب الهند الصينية على سبيل المثال التي شاركت فيها استراليا حرباً عدوانية من حيث المبدأ. الولايات المتحدة هاجمت فيتنام عام 1962. وامتدت الحرب لاحقاً الى الهند الصينية وكانت النتيجة النهائية موت عدة ملايين من الاشخاص وتدمير تلك البلدان وهذا مجرد مثال واحد ليس الا.
ـ سؤال من نويل كولامير من واشنطن مفاده ما يلي «يقول نعوم: «تنوي ادارة بوش السيطرة على العالم بالقوة وهو البعد الذي تمارس من خلاله السلطة العليا وجعلها بصورة دائمة»، سؤالي هو اذا لم نتصرف نحن الذين نستطيع عن طريق القوة ضد الطغاة، فما الذي يقترحه تشومسكي اذن؟ ان يلجأ السكان الذين يعاملون بوحشية الى مقاومة غير عنيفة لطغاتهم على الرغم من ان هذا يؤدي الى ابادتهم؟
ـ قبل اي شيء، لست انا من يقول ذلك، بل ادارة بوش نفسها.وانا اكرر فقط ما يعلن عنه بشكل بالغ الوضوح ولا احد يناقشه. وكما كنت قد اشرت، لقد كتب حول ذلك وبالكلمات نفسها مبدئياً في عدد «فورين افيرز» الذي صدر بعد الاعلان مباشرة. اما فيما يتعلق بالبلدان التي تعاني في ظل انظمة مستبدة، فسيكون ايجابياً ان يساعدها ويدعمها احد.
ولنأخذ مثالاً الادارة الاميركية الحالية. هم انفسهم (لا ننسى ان غالبيتهم تتألف من ريغانيين متمرسين) دعموا سلسلة من الطغاة الذين اخضعوا شعوبهم لأنظمة مستبدة فاسدة، مثل صدام حسين وتشاوشسكو وسوهارتو وماركوس ودوفالييه.
القائمة طويلة. لكن الاسلوب الامثل لحل المشكلة من الممكن ان يكمن اولاً في التخلي عن مساندة مثل هذه الانظمة التي غالباً ما تمت الاطاحة بها على يد شعوبها نفسها، وذلك على الرغم من مساندة الولايات المتحدة لها.
لقد كان تشاوشسكو، على سبيل المثال، طاغية يمكن مقارنته تماماً مع صدام حسين ومع ذلك هزم عام 1989 على يد شعبه نفسه بينما كان مدعوماً من قبل من يحكمون الان في واشنطن. والناس الذين يواجهون بالمقاومة القمع والعنف، لابد لنا من ايجاد وسيلة ندعمهم من خلالها والطريق الابسط يتمثل في التوقف عن دعم الطغاة.
وبقول ذلك، تظهر قضايا معقدة، حيث لا يوجد يقين على حد علمي بأن تدخل الولايات المتحدة ولا اي بلد اخر (الامثلة محدودة) من اجل محاولة تجنب القمع والعنف. فهذا لا يحدث الا في مناسبات معدودة.
ـ حسناً، لدينا سؤال اخر من ه. ب فيلتن من نيو جيرسي مؤداه «لماذا لا توجد اشكالية اخرى حول دوافع بوش في وسائل الاعلام الاميركية؟
ـ في واقع الامر ثمة اشكالية كبيرة. شيء يستدعي الكثير من الفضول حول الحرب العراقية واستراتيجية الامن القومي، انه الاطار الذي استلهمه، ذلك انها كانت محط انتقاد شديد تحديدا في نواة نخبة السياسة الخارجية حيث ظهرت انتقادات لاذعة من اهم اصدارين في ميدان الشئون الخارجية، وهما مجلتا «فورين افيرز» و«فورين بوليسى».
اما الاكاديمية الاميركية للفنون والعلوم التي نادراً ما تعلق على مسائل اشكالية راهنة، فلقد نشرت بحثاً ذا موضوع واحد ادانت فيه تلك السياسة. وهناك كذلك كل انواع المقالات.
والنقاش معكوس بشكل جزئي في وسائل الاعلام لكن ليس كثيراً، لأنه يجب التذكير بأن وسائل الاعلام تميل الى دعم السلطة لاسباب شتى.
ـ هناك سؤال اخر مفاده: على مدار التاريخ، حاولت بعض الامم السيطرة على العالم دائماً، احدثها المانيا واليابان وروسيا، واذا كانت الولايات المتحدة هي الان الطامح الاخير للغزو، فإن علينا اعتبار ذلك من حسن طالعنا. فالولايات المتحدة تقوم بالعمل من اجل كل الانسانية. وما يجري هو انه لا بوش ولا الحكومة الاميركية يقصدان السيطرة.
انت تنسى ان الولايات المتحدة لديها دستور وانها على خلاف ستالين وهتلر طغاة اخرين، على بوش ان يقدم نفسه لاعادة الانتخاب والمقترعون الاميركيون ليسوا اغبياء ولا هم مقموعون او فزعون. ذلك ان التصويت سري». هل تعتقد ان المسئولية الانتخابية سوف تكبح جماح حكومة الولايات المتحدة كما يرى هذا المستمع؟
ـ الشيء الأول في كل ذلك هو ان ذلك الاسلوب لسرد التاريخ مشبع بالأوهام، لكن اذا نحينا هذا جانباً، فإن مسألة ان يكون لدى بلد ما دستور وان يكون ديمقراطياً داخل حدوده، لا تعني عدم ممارسة العنف والعدوان في الخارج. ثمة تاريخ طويل بهذا الخصوص. اذ ربما كانت انجلترا، مثلاً، في القرن التاسع عشر البلد الاكثر حرية في العالم، لكنها كانت تمارس فظاعات رهيبة في انحاء كثيرة من الكرة الارضية وحالة الولايات المتحدة مماثلة.
والسوابق تعود الى الماضي البعيد حيث كانت الولايات المتحدة بلداً ديمقراطياً على سبيل المثال عندما غزت الفلبين قبل قرن من الزمان وقتلت مئات الاف الاشخاص وضربت البلاد. كذلك كانت بلداً ديمقراطياً في سنوات الثمانينيات عندما شن حكام واشنطن في ذلك الحين حرباً ارهابية مدمرة في نيكاراغوا خلفت وراءها عشرات آلاف القتلى وبلداً مدمراً عملياً، بالمناسبة ادانت المحكمة الدولية ومجلس الامن الدولي هذا الهجوم بشكل رسمي. ومع ذلك صعد حكام واشنطن هجومهم وهكذا تمضي الامور.
فيما يتعلق بالانتخابات الديمقراطية، نعم هناك انتخابات والجمهوريون شرحوا بشكل واضح جداً كيف ينوون تجاوز مسألة ان غالبية السكان تظهر معارضة قوية جداً لسياستهم. فهم يحاولون تجاوز ذلك بحسب البلاد الى الخوف والذعر بطريقة تجعل الناس تتجمع تحت مظلة شخصية قوية طلباً للحماية.
وعملياً شاهدنا ذلك يحدث في سبتمبر الماضي عندما اعلنت استراتيجية الأمن القومي وبدأوا باعادة دق طبول الدعاية الحربية حيث كان هناك دعاية غير مباشرة مشهدية للغاية من جانب الحكومة وتمكنت من اقناع غالبية السكان بأن صدام حسين كان يمثل تهديداً وشيكاً بالنسبة لأمن الولايات المتحدة. لكن احداً اخر لم يؤمن بذلك، حتى في البلاد التي كان صدام فيها محل ازدراء وينظر اليه على انه تهديد. لقد ادركوا انه اضعف بلد في المنطقة.
كما تمكنت هذه الحملة الدعائية من اقناع غالبية السكان ربما بأن صدام حسين كان يقف وراء الحادي عشر من سبتمبر، وبأنه حث عليه ونفذه، وانه كان يخطط لشن هجمات اخرى. مع انه لا يتوفر دليل على ذلك ايضاً ولا يوجد لاجهاز مخابرات ولا محلل امني في العالم قاطبة يعتقد بذلك.
ـ اذن اين هي المعارضة السياسية في الولايات المتحدة؟ الديمقراطيون؟ لماذا لا يحاولون دق اسفين في المعسكر الجمهوري؟ من الواضح وجود حركة قوية من اجل السلام حيث نشاهد مئات الاشخاص في الشوارع الاميركية الذين يعارضون العمل العسكري.
أين هي الآن المعارضة السياسية في الولايات المتحدة؟
ـ ان المعارضة السياسية للجمهوريين فاترة جداً، اذ انها بشكل تقليدي قلما تناقش شئون السياسة الخارجية، وهذا يعترف به حتى التيار الرئيسي، والشخصيات السياسية ترفض ان يوجه لها اصبح الاتهام بأنها تسعى الى تدمير الولايات المتحدة ومساندة اعدائها وإثارة كثير من الضجيج حول الاوهام والنزوات، فالسياسيون لا يرغبون بتعريض انفسهم الى ذلك والنتيجة هي ان اقترع عدد كبير من السكان بالكاد لديه تمثيل والجمهوريون يعترفون بذلك.
فلقد اوضح كارل روف المسئول عن الحملة الانتخابية الجمهورية قبل الانتخابات الاخيرة عام 2002 انه كان على الجمهوريين محاولة تركيز الانتخابات على الموضوع الامني، لانهم اذا تصدوا لموضوعات سياسية داخلية فمن الممكن ان تكون الهزيمة حليفتهم. هكذا اذن قاموا بإدخال الهلع الى قلوب الناس للحصول على طاعتهم، ولقد اعلنوا كذلك انهم سيضطرون الى فعل الشيء نفسه في انتخابات عام 2004، سوف يتعين عليهم تقديم الحملة تحت شعار «اقترعوا لرئيس حرب يحميكم من الدمار».
ولاشك بأنهم يجرون التدريبات على سيناريو يأتي من سنوات الثمانينيات عندما كانوا في السلطة لأول مرة «السياسيون ذاتهم تقريباً». فاذا دققنا قليلاً فسنجد ان السياسات التي طبقوها كانت غير شعبية وبعض الناس عارضوا لكنهم لم يتخلوا عن الضغط على زر الهلع ولقد جنوا ثمار تلك السياسة.
ـ هل تعتقد بوجود نقطة يمكن عندها تبرير القوة. لقد سمعنا الكثير من البراهين حول الحرب في العراق، مثل انه كان يمثل الشر الاصغر، التاريخ الحديث للعراق كان معروفاً جيداً، لكن الآن كانت اللحظة التي يجب فعل شيء فيها من اجل التخلص من صدام حسين، اذ ان الكثير من العراقيين انفسهم داخل البلاد بدا انهم يدعمون هذا الطرح؟
ـ أولاً نحن لا نعرف ان العراقيين كانوا يطلبون ان يتم اجتياح بلادهم لكن ذلك كان الهدف وإلا لماذا كل تلك الاكاذيب؟ ما تقوله هو ان توني بلير وجورج بوش وكولن باول والبقية هم مدعون متعصبون كانوا يتظاهرون حتى اللحظة الاخيرة بأن الهدف كان التخلص من اسلحة الدمار الشامل.
واذا كان الهدف تحرير الشعب العراقي. لماذا لم يقل ذلك على هذا النحو؟ لماذا الاكاذيب؟
ـ الرئيس بوش قال ذلك في الاسابيع الاخيرة التي سبقت الحرب حين بدأ الحديث عن حرب تحريرية.
ـ في اللحظة الاخيرة، في قمة الازور قال انه حتى لو ترك صدام حسين وشركاؤه العراق، فإن الولايات المتحدة كانت ستجتاحه في جميع الاحوال، بمعنى آخر ارادت الولايات المتحدة السيطرة على ذلك البلد. توجد الآن عملياً قضية خطيرة وراء ذلك ولا تمت بأية صلة بتحرير الشعب العراقي. بوسع المرء ان يتساءل لماذا لم يطح العراقيون بصدام كما فعل الرومانيون مع تشاوشسكو على سبيل المثال؟ ويمكننا اضافة قائمة طويلة من الطروحات.
ـ حسنا ان الامر واضح جيداً. فالغربيون الذين يعرفون العراق على افضل وجه لديهم مئات الباحثين الذي يعملون في كل البلاد التي خبروها بعمق وكانوا قد اشاروا، مثلما فعل آخرون كثر، الى ان الذي كان قد حال دون اي ثورة في العراق كان نظام العقوبات الذي قتل، حسب حسابات معتدلة مئات الألوف من الاشخاص وبذلك عززت هذه العقوبات قوة صدام حسين وجعلت السكان يعتمدون عليه بشكل مطلق للبقاء على قيد الحياة.
وبالتالي إن الخطوة الاولى للسماح للعراقيين تحرير انفسهم بأنفسهم تمثلت في عدم الوقوف في وجه هذه الخطوة والسماح للمجتمع بأن يعيد بناء نفسه كي يتمكن من الاهتمام بشئونه الخاصة.
لو ان هذا باء بالفشل لو ان العراقيين كانوا عاجزين عن فعل ما فعلته شعوب اخرى في ظل سيطرة طغاة آخرين، في تلك النقطة كان ممكناً طرح قضية استخدام القوة، لكن بدون اعطاء العراقيين فرصة على الاقل لا نستطيع طرح ذلك السؤال جدياً وعملياً لم تطرحه لا بريطانيا العظمى ولا الولايات المتحدة اثناء الاعداد للحرب. فمركز القضية كان اسلحة الدمار الشامل راجع الاحداث.
ـ لماذا يعارض تشومسكي الى هذا الحد نشر الديمقراطية والتحرر لغالبية شعوب العالم بواسطة الولايات المتحدة اذا كان ذلك ضرورياً ذلك ان الاتحاد الاوروبي كان قد تخلى عن معارضة الانظمة الاستبدادية؟ وما هي السبل التي يقترحها للخروج من هذا النفق؟
ـ انني اقف في صف نشر الديمقراطية في جميع انحاء العالم. لكن احد الاسباب «وهو ملفت للانتباه» هو اني لم اشاهد ابداً حقداً وازدراء حيال الديمقراطية اكثر وضوحاً من الذي عبرت عنه نخبة الولايات المتحدة، فأوروبا مثلاً انقسمت على نفسها بين ما اطلق عليه اوروبا القديمة وأوروبا الجديدة وذلك على اساس الموقف من الحرب على العراق حيث مثلت اوروبا القديمة البلدان التي اتخذت الحكومات فيها موقف الغالبية الساحقة من السكان. وهذا ما يسمى ديمقراطية.
اما اوروبا الجديدة «ايطاليا، اسبانيا، المجر» فلقد تمثلت بالبلدان التي تجاهلت حكوماتها نسبة اكبر من سكانها. فالشعوب في هذه البلدان عارضت الحرب اكثر من شعوب ما يسمى بأوروبا القديمة، لكن الحكومات لم تعر اهتماماً بسكانها «ربما 80 أو 90 بالمئة منها»، واستمرت أوامر واشنطن، وذلك ما يسمونه بالتصرف الجيد. لكن تركيا قدمت المثال الاكثر لفتاً للانتباه.
كانت تركيا هدف هجمات متمادية للمعلقين والنخب الاميركية لان الحكومة اخذت الموقف نفسه الذي اخذته نسبة وصلت الى 95 من السكان. قبل بضعة اسابيع ادان بول وولفويتز الذي يصفونه بممثل الديمقراطية الكبير، الجيش التركي لانه لم يتدخل لاجبار الحكومة على «مساعدة الاميركيين» كما قال هو وذلك بدل ان تعير الاهتمام اللازم لنسبة ال95 بالمئة من شعبها، هذا يثبت احتقاراً وقحاً للديمقراطية والاحداث تؤكده.
وهذا ليس لأن الولايات المتحدة تتفرد بالسوء، فهي كذلك كأية دولة قوية اخرى. لكن دقق في تاريخ المناطق التي تسيطر عليها الولايات المتحدة منذ زمن طويل: اميركا اللاتينية والكاريبي حيث استعدت الولايات المتحدة للتسامح مع الديمقراطية هناك لكن على ان تكون مدافعاً عن ديمقراطية ادارة ريغان اي عن ديمقراطية شاقولية تستمر النخب التقليدية فيها على رأس السلطة مع ملاحظة انها نخب متحالفة مع واشنطن وتقود مجتمعاتها تماماً كما ترغب الولايات المتحدة.
ترجمة: باسل ابو حمدة عن «ربليون» ـ اسبانيا.
منقول